أين تكمن أزمات مصر؟.. سؤال يؤرق الحكومات المتعاقبة منذ عقود طويلة ويثبت فشلها الدائم، خاصة أن مصر لا يوجد بها مشروع نهضة حقيقي منذ عصر محمد علي، ورغم محاولات ثورة يوليو 1952 لبناء مشروع نهضة جديدة، الا أنها وقعت في التجربة والخطأ وهو أسوأ أنواع الادارة لأنه باهظ التكاليف ويهدر الوقت. الدكتور صبري الشبراوي خبير الادارة الدولي، يطرح في هذا الحوار حلولاً علمية يراها ضرورية لانتشال مصر من دائرة الفقر والجهل ويضعها على طريق الدول الحديثة بما يحقق طموحات ثورة 25 يناير. كيف ترى التحديات التي تمر بها مصر في الفترة الحالية؟ - أولاً.. لابد أن نعيد نظرتنا لأنفسنا ولبلدنا بنظرة جادة ولا نردد أننا نملك أعظم حضارة وأفضل دولة ثم ننام، ولابد أن نعرف أين موقعنا وما هى توقعاتنا القادمة، وما هى أهدافنا، لأننا في احتياج الى نقلة نخرج بها من حالة الفقر ونصبح دولة مدنية حديثة ديمقراطية لأن مثل هذه الدول ترتفع قيمة الانسان فيها. هل ترى أن ثورة 25 يناير كانت خطوة في هذا الاتجاه؟ - الثورة رفعت قيمتنا لكن تصرفاتنا قللت هذه القيمة لأنه يوجد فجوة بين ما أحدثته الثورة وبين ادارة الأمة لأنها لم تخرج بنتائج تتماشى مع توقعاتنا بعد الثورة، ثم يجب تحديد نظرتنا لأنفسنا، هل نحن دولة في اطار اقليمي أم إطار عالمي؟ وما هو وضعنا في الاطار العالمي، ولهذا لابد أن نحدد موقعنا خلال السنوات العشر القادمة من العالم ونعمل على تحقيقه. إذن الخلاف هنا بين الرؤية ومنهج التطبيق؟ - الكثيرون للأسف يتحدثون عن الرؤية بكلام مرسل كما حدث مع جماعة الاخوان عندما اطلقوا ما يسمى بمشروع النهضة وعندما قرأته أعلنت في التليفزيون أنه موضوع انشاء وثبت بعد 6 أشهر أنه كلام فارغ وظهر أنهم مجموعة مغلقة الفكر فاشية التفكير ولديها ميليشيا ستحرق نفسها وتحرق البلد وهذا حدث في أمريكا بلد الديمقراطية عندما جاء «بوش» الابن وهو مغلق الفكر فاستعان بمجموعة دينية، فحطموا الاقتصاد الامريكي والعالمي وهذه نظريات طبقت وثبت فشلها ومع هذا طبقتها جماعة الإخوان وفشلت أيضاً. وهل يمكن تجاوز الأخطاء التي أصابت الدولة المصرية مؤخراً؟ - نحن لا نخترع العجلة والدليل على هذا موقف القوات المسلحة بعد هزيمة يونية 1967، لكنه أعاد رؤيته لنفسه رافضاً الهزيمة، فأعادوا هيكلة الجيش ودربوا الجنود وعملوا بجدية فحرروا سيناء في 1973. كيف أدارت جماعة الإخوان مصر خلال العام الماضي؟ - جماعة الإخوان كانت جماعة استعمارية ارادت أن تستحوذ على التجارة والسلطة والتجارة تغني الأفراد ولكنها لا تصلح كأساس اقتصادي للدولة، لأنها تركز السلطة في يد التجار، وهذا يتنافى مع توزيع الدخل والعدالة الاجتماعية، ولهذا دخلوا في أخطاء متعددة، لأنهم متخلفون في الادارة، والادارة صانعة الحضارة، وكل وزير منهم استعان بمستشارين يشبهونه فوقعت الدولة اقتصادياً وادارياً. وما هى الخطوات التي يجب اتباعها لتجاوز المرحلة الانتقالية؟ - الفترة الانتقالية المؤقتة هى بداية البناء ويجب أن ترسخ قواعد انطلاقة مصر، والدول تتقدم بوضع بناء علمي للفكر وقيم حضارية انتاجية، واذا استمر اهدار الوقت في مصر بدون قيمة سنظل أمة تائهة وإذا استمر الأمن بدون فاعلية سنتحمل تبعات الخروج على القانون بمظاهرات، ومجموعات تعتصم في الشوارع تحول الدولة الى مراحيض تحت زعم الحرية مع أنها مفاهيم خاطئة، فالمرحلة الانتقالية لابد من ان تبنى قاعدة الاقتصاد والقيم لمصر الجديدة. ما هى هذه القيم من وجهة نظرك؟ - هى قيم انتاجية علمية أي العلم والفكر الرشيد يسودان المجتمع وبين الناس واحترام المرأة ونحن لا نرى هذه القيم التي من المفترض أن نبنى بها المجتمع على أساس علمي، ولكننا مازلنا ندير البلاد بالتجربة والخطأ وهى أسوأ أنواع الادارة لأنها مكلفة جداً، لكن العلم يقلل التكاليف في المال والوقت والجهد. كيف تعيد مصر تقييم منظومة دعم الوقود؟ - مشكلة مصر تكمن في دعم الوقود، وأتحدى الوزارة أن تناقشني فيما أقدمه من حلول، فلدينا 180 مليار جنيه دعماً للوقود، يهدر منها مائة مليار على مصانع الاسمنت والسيراميك وقمائن الطوب والسيارات الحديثة الفارهة، وعلينا أن نمنع دعم الوقود هؤلاء ونوفر المائة مليار جنيه، ونغير فلسفة ادارة المرحلة الانتقالية، ويذهب 35 مليار جنيه من هذا الدعم الى التعليم والبحث العلمي، لأننا ننفق على البحث العلمي في مصر 0.2٪ من الدخل القومي، كما يجب توجيه 5 مليارات جنيه إلى محو الأمية لأنها خطر على مستقبل مصر والمرأة الأمية لا تنهض بأمة.. والستون مليار جنيه المتبقية تخرج بها مجموعة كبيرة من حد الفقر، كما فعلت البرازيل تحت شعار الدعم العائلي النقدي بأن نعطي خمسة ملايين أسرة ألف جنيه شهرياً تحت اشراف مشرفين اجتماعيين بدلاً من الاعانة النقدية ليعلموا أبناءهم ويشعروا بالكرامة التي قامت من أجلها الثورة.. ومن هنا تبدأ حلول المشاكل المتمثلة في التعليم والبحث العلمي. وماذا عن منظومة دعم رغيف الخبز؟ - الدولة تنفق على دعم الخبز 22 مليار جنيه يسرق منها 7 مليارات بين العمولات وسرقات الدقيق، والخمسة عشر مليار الباقية تنتج رغيفاً حقيراً بواسطة عشرين ألف مخبز بدون مواصفات صحية، ولهذا يذهب نصفه علفاً للدواجن والمواشي.. والحل في الانتاج الكبير لأن مصر مازالت تعمل بنظام الورش، والعالم مر بمرحلة التجارة ثم نظام الورش فمرحلة المصانع الصغيرة والآن يعمل بنظام الانتاج الكبير.. وعلينا أن نفتتح مصانع كبيرة في المحافظات لصناعة الخبز وندع الشعب ليشارك في ملكيتها، وتنتج جميع انواع المخبوزات ويكون للشعب حق الرقابة على ما يأكلوه من الخبز ولدىّ دراسة في هذا المشروع. هل تستمر مصر في زراعة القمح على حساب الاستيراد والمحاصيل الأخرى؟ - من الممكن أن نعطى المزارعين دعماً لزراعة القمح ووضع خطة للاكتفاء الذاتي، ويجب أن نسعي الى انشاء شركات مساهمة لشراء مليون فدان في السودان الشقيقة وزراعتها بالقمح، ويمكن أن تكون شركات مساهمة مصرية سودانية. وماذا عن امكانية استخدام الصناديق الخاصة؟ - لابد من مساهمة الشعب بأسهم مباشرة في الصناديق والحكومة تضمن حداً أدنى للأرباح، وبهذا نضمن عدم التلاعب في الصناديق والصكوك، لأنها بدون مراقبة من الشعب مثل صناديق «الريان» وتسهم الصناديق في مشروعات بالمحافظات حتى توزع الغنى على الشعب، بدلاً من توزيع الفقر. ما هى رؤيتك لخفض سعر الدولار أمام الجنيه؟ - الاقتصاد يبني على نظرية القيمة، ثم أن المتخصصين في الاقتصاد لا يصنعون اقتصاداً بل يفكرون في مشاكله أو يديرونه والادارة هى التي تضع الاقتصاد، بادارة الأبحاث العلمية والتعليم والاقتصاديون عندما يقولون نرفع الفائدة فهذا تعديل في المسار الاقتصادي، والحكومة أيضاً تدير موارد الدولة وإذا لم يكن لديها فهم لادارة الموارد التي فوق أو تحت الأرض سيفشلون في الادارة، والدولار هو قيمة من قيمة انتاج الشعب الأمريكي، وهذا هو الاقتصاد، فعندما ترتفع قيمة العامل المصري وترتفع انتاجيته وتكون تكلفته معقولة يصبح لدينا اقتصاد لأن المنافسة العالمية تتمثل في الجودة، والتصميم، وتكلفة وقيمة الجنيه ترتبط بقيمة هذه العوامل، وغير هذا يصبح تسولاً وشحاتة!! كيف ترى مساندة بعض الدول العربية لمصر بعد 30 يونية؟ - أولاً نشكرهم على وقوفهم جانبنا لكن حاربنا ستة حروب هى 48 - 56 - 67 والاستنزاف واكتوبر 73 والخليج، واستشهد منا الآلاف وانفقنا المليارات، بالاضافة الى مجهوداتنا والتضحية بأبنائنا، وارتفع البترول واستفادت دول الخليج استفادات هائلة، فماذا اعطونا؟؟ ولهذا مصر في حاجة الى 50 أو 60 مليار جنيه من العرب لتدعيم مصر كما فعلت امريكا مع أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، لأن تدعيم مصر وبنائها اقتصادياً سيدعمهم ولأن الارهاب لو زحف تجاههم سينهي عليهم لأننا اليوم نحارب ضد الارهاب وهذا لصالح العرب، ولابد أن نعرف أن قوة مصر اضافة للعرب وقوة العرب اضافة لمصر وعلى اشقائنا العرب أن يقدروا هذا الكفاح المصري. ما هو الاستخدام الأمثل لقروض وودائع دول الخليج في البنك المركزي؟ - أول عمل يجب أن تقوم به حكومة «الببلاوي» هى اقتطاع مليار جنيه من 11 ملياراً وننشئ بها سكة حديد جديدة تليق بمكانة مصر لأن النقل هو شرايين مصر، ونقل السكك الحديدية موفر ومضمون الربح والمليار سيكون بداية لشركة مساهمة للمصريين مع شريك أجنبي وتشغيل القطار السريع بسرعة الرصاصة، ويقطع المسافة بين «دمياط»و«أسوان» في ثلاث ساعات وننشئ طريق سكة حديد الى سيناء وآخر الى شلاتين، وبهذا ستتحرك الدولة وتنفتح المحافظات والمدن على بعض، وهذا ما قامت به أمريكا عام 1930 بعدما أصابها الكساد، وبحيرة «ناصر» بها انتاج مهدر بسبب عدم وجود نقل جيد وبسعر منخفض.. فمصر بلد غنية لكن الادارة غبية جداً. ما هو تقييم المؤسسات الدولية لقوة الائتمان المصري وتأثيرها على الاقتصاد؟ - الائتمان مؤشر لقياس هل العالم يستأمنك على أمواله أم لا؟ والتقييم كان بالسالب وتأثيره على الاقتصاد والاستثمار في منتهى السوء، ومصر لديها متخصصون في شتى المجالات لكنها للأسف مثل السيدة التي ربت ابنها وباعت في سبيل ذلك كل ما تملك ليصبح طبيبا ماهرا وعندما تمرض لا تذهب إلي ابنها وتذهب الي حلاق صحة!! والتقييم مرتبط بقدرة تفعيل الإنتاجية وقدرة الدولة علي المنافسة العالمية والتنافسية فيها مؤامرة، والمؤامرة الكبري في سرقة الاختراعات والمشكلة التي بين الصين وأمريكا تتجسد في جاسوسية التكنولوجيا لأن الابتكار يتم سرقته من أي دولة لصالح دولة أخري. وكيف تري الموقف الأمريكي تجاه ثورة 30 يونية؟ - أمريكا لا تحترم إلا الدول القوية ووحدتنا وتماسكنا الداخلي هو ما يحدد قوتنا وإذا استخدمنا العلم والديمقراطية ستحترمنا أمريكا والدستور يكون هو الإطار الأساسي الذي نعمل داخله إضافة الي منهج إدارة حديثة واحترام القدرات البشرية لأن أمريكا تريد شريكا قويا وليس شريكا مهزوزا وإسرائيل مثلاً بها 7 ملايين نسمة لكنها تنفق علي البحث العلمي 4.7 من الدخل أي أكثر منا بعشرين ضعف وأصبحت الثالثة علي العالم في إنتاج السلاح وبعدما قامت به مصر في 30 يونية علينا أن نرفض المعونة الأمريكية طالما أنها لا تتجاوز مليار دولار وعليها أن تدفع 6 مليارات دولار كدعم فني ومالي وعلمي نتيجة تفريغ مصر من قوي الإرهاب التي من الممكن أن تقلقها عالميا. وما تقييمك لأداء جماعة الإخوان في السلطة؟ - تم خلع «مرسي» من السلطة في 30 يونية لأنها كانت إدارة غبية سيئة والاحتلال كان أفضل منها وبريطانيا احتلت مصر وأقامت سكة حديد ومدارس وهيئة بريد وحكم الإخوان جذب مصر الي الوراء والخلافة الإسلامية الرشيدة استمرت ثلاثين عاما وبعد ذلك الخلفاء بنوا القصور واهتموا بالراقصات وبنظام العبيد وحكم الإخوان كان يريد أن يعود بنا الي الوراء 10 سنة بسبب تفسيرهم للقرآن بجهل مع أن القرآن الكريم به جميع العلوم والإسلام دين المستقبل ولكنهم كانوا يريدون العودة بنا للوراء بسبب تفسيرهم الجاهل للقرآن، ولم يعرفوا أن الإسلام دين الجمال والذكاء والفطنة والتقدم والحضارة والمدنية ولكنهم احتلونا بغباء وغيبوبة و30 يونية حررت مصر من أحقر أنواع الاستعمار. إلى أين تتجه مصر؟ - تتجه الي المجهول إذا لم تستفد من العلم والتكنولوجيا لأنه لو الإدارة متخلفة ستتخلف مصر، والشباب لن يتحمل تخلف الإدارة لأن لديه طموحاً ورأس المال البشري هو الأساس والقوي الضاربة في هذا هو الشباب والإبداع والعلم والشباب يتوقف مستقبله علي العلم ولهذا نحن في احتياج الي دستور مدني محترم وإلي إدارة علمية حديثة تؤمن برأس المال البشري وصناعة اقتصاد غني وعدالة توزيعية من شركات كبري من خلال أجور مناسبة ومساهمة في الربح لأكبر قاعدة شعبية في الأمة وهذا يتم بمساهمة الشعب ومشاركته في الديمقراطية لأن الديمقراطية اختبار وشفافية ومشاركة وحساب وليس صندوقاً فقط وهذه هي أساليب الإدارة الحديثة. بطاقة شخصية دكتوراه في إدارة الأعمال من جماعة الينوي بأمريكا أستاذ الإدارة الاستراتيجية والتسويق بجامعة الدراسات العليا للإدارة الدولية بولاية اريزونا - أمريكا عمل رئيسا للعديد من المؤتمرات الدولية بالولايات المتحدةالأمريكية. نظم برامج تدريبية للإدارة العليا والإدارة التنفيذية مع الشركات اليابانية في أمريكا واليابان. عمل مستشارا للتنظيم والإدارة ووضع استراتيجيات تسويق لعدد من الشركات العالمية والمتعددة الجنسيات في أمريكا. مستشار العديد من الشركات الكبري في الدول العربية. عمل أستاذ ورئيس مركز تدريب المديرين بالجامعة الأمريكية. عضو سابق في مجلس الشوري عضو سابق في مجلس إدارة المجلس الأعلي للثقافة عضو سابق في مجلس إدارة المجلس الثقافي القومي ودار الأوبرا. عضو بالمجلس الاستشاري للطفولة والأمومة لأكثر من 10 سنوات. له العديد من الأبحاث والمقالات في الإدارة الاستراتيجية والتسويق والتنمية البشرية.