ما يثير القلق في مصر الآن، ليس فقط ما يفعله الإخوان من إرهاب موجه ومنظم، بل هناك مشاكل أخرى كثيرة، منها المشاكل الحقيقية التي تستحق الاهتمام. ومنها مشاكل أخرى لا أجد كلمة أصفها بها سوى أنها «مشاكل سخيفة»، وعلى رأسها مشاكل «المرض المزمن» لدى النخبة السياسية في مصر، هذه النخبة التي لا تريد أن تخرج عن ذاتيتها وأنانيتها المفرطة، حتى في أحلك الظروف التي تواجهها مصر في تاريخها، إنهم أشبه بمن يتابع فرق الإطفاء تطفئ الحريق في بيته بينما هو يفكر أين سيضع مكتبه بعد الحريق. في الوقت الذي تدور فيه حرب حقيقية في سيناء، ومشاهد القتل والدم يسيل كل يوم وساعة في شوارع مصر، تخرج علينا من جديد أمراض النخبة المصرية كعادتها في التوقيت غير المناسب، فنسمع البعض منهم ممن كانوا في مقدمة الجماهير في الثورات، ينتقدون وبشدة تشكيل الحكومة المصرية وسلطات رئيس الدولة المؤقت وتفويضاته لرئيس الوزراء، بل منهم من يذهب ليردد ما يقوله أنصار الجبهة المضادة من أن ما حدث يوم 30 يونيو انقلاب وليس ثورة، وأن الجيش ركب فوق الزحف الجماهيري، ومنهم من ينتقد بشدة طلب وزير الدفاع السيسي من الشعب «التفويض»،. ويقولون «لماذا لم يطلبه من الرئيس المؤقت أو رئيس الحكومة؟»، ومنهم من يعبر عن مخاوفه وقلقه من توسع سلطات الجيش، بل إن منهم من سمح لنفسه بأن يقول إنه يخشى على الفريق السيسي من كثرة التأييد الشعبي له، ومنهم من يحذر من عودة الدولة البوليسية وعودة حكم العسكر، وقد شاهدنا الهيستريا التي أصابتهم عندما سمعوا كلمة «قانون الطوارئ»، رغم أن هذا القانون هو المطلوب بالفعل الآن في مصر. لكن هؤلاء الذين يحاولون إظهار أنفسهم كمدافعين عن الحرية والديمقراطية، لا ينظرون أبعد من أنوفهم ولا يرون الواقع المصري، وهؤلاء أنفسهم هم أصحاب الدعوة للتسامح والتصالح واحتواء الإخوان والسلفيين، بل ومنحهم أحزاب، ولكن ليست دينية، بمعنى التسامح والتعامل مع المجرمين والعملاء من دون أقنعة، وهل يحلم الإخوان ومن وراءهم بأكثر من ذلك الآن؟ أنا لا أتحدث هنا عن الموالين للإخوان أمثال سليم العوا وفهمي هويدي وطارق البشري وغيرهم، بل أتحدث عن آخرين ممن ظلوا على مدى عام كامل يهاجمون الإخوان، ومنهم رموز من جبهة الإنقاذ ومن شباب الثورة وغيرهم ممن لا أفترض فيهم سوء النية. لكنني أفترض فيهم سوء الفهم والتقدير، لأن ما تمر به مصر الآن لا يحتمل كل هذا، والشعب الآن لا تهمه حرية الرأي والديمقراطية، ولا تشكيل الحكومة ولا من سيمثله في البرلمان والرئاسة، كل ما يهمه الآن فقط أمن الوطن والمواطن، ولا مجال إطلاقاً لأمراض النخبة المزمنة. نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية