حُكم إجهاض الجنين المشوه قبل التخلق جائز و بعد التخلق محل خلاف والراجح فيه رأى المانعين لأن حكمة الله في الخلق هو الابتلاء أم وأب ينتظران مولوداً، ولكن يترصد لهما القلق والحيرة، عندما يعلمان بوجود تشوهات خِلقية بالجنين، تنذر بولادته معاقاً، وتبدأ مرحلة التفكير هل يحتفظان بالجنين ليولد إلى الحياة، ويزجان به في صفوف ذوى الاحتياجات الخاصة المكافحين للحصول على ابسط حقوقهم في الحياة كمواصلة التعليم أو الحصول علي وظائف مناسبة لحالتهم الصحية، أو إسكان مناسب أو عدم حرمانهم من دخول الأماكن والمرافق العامة، أم يتنازلان عن الجنين حتى لا يعانى في هذه الحياة طامعين من الله أن يرزقهما خيرا منه. وفي إطار اهتمام المجلس القومي بحقوق الإنسان بقضايا الإعاقة، طالب المجلس مؤخرا بإصدار تشريع شامل يتوافق مع الاتفاقية الدولية بحقوق المعاقين، ويتضمن التشريع المقترح الكشف الطبي الإجباري على الراغبين في الزواج للتقليل من حالات الإعاقة وإدراج بند قانوني في التشريع يسمح بإجهاض الجنين الذي يثبت وجود تشوهات خلقية به يصعب علاجها في أي مرحلة عمرية. ولا تكون حيرة الأب والأم كامنة في فكرة التخلي عن الجنين فحسب بل في الحكم الشرعي والديني لإجهاض الجنين المشوه، لذلك أكد الدكتور سالم عبد الجليل وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ل "بوابة الوفد" أن حكم الإجهاض يختلف باختلاف دواعيه وزمنه. حيث أوضح عبد الجليل أن فقهاء الإسلام تكلموا عن قضية الإجهاض، وأشاروا إلى مسألة التخلق وهم يفرقون في حكمهم بجواز الإجهاض أو عدمه في فعله قبل التخلق وبعده، وذلك في حدود إطارات زمنية ثلاثة هي كالتالي: *حكم الإجهاض قبل ( 40 ) يومًا من الحمل: اختلفت أقوال الفقهاء الأربعة في حكم الإجهاض في هذه الفترة الزمنية للحمل، فالمذاهب الثلاثة ( الحنفية والشافعية والحنابلة يرون جواز إسقاطه ) أما المالكية فيرون عدم جواز إسقاطه ما دام قد استقر في الرحم . *حكم الإجهاض في فترة ما بعد ( 40 ) يومًا وقبل (120) يومًا من الحمل: جوز الأحناف والشافعية جواز الإجهاض في هذه الفترة بينما منعه المالكية والحنابلة . *حكم الإجهاض بعد (120) يومًا من الحمل ( بعد التخلق ): أجمع العلماء على تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح فيه وذلك بعد الشهر الرابع الرحمي، كما أنهم نصوا على أنه يجب فيه عقوبة جنائية، فإن أسقطت المرأة جنينها وخرج منها ميتًا بعد أن كانت الروح قد سرت فيه فإنه يجب فيه غرة "وهي نصف عشر الدية" سواء كان المسقط أمه أو غيرها. ويستثنى من التحريم الإسقاط لعذر، كأن يثبت عن طريق طبيب موثوق به متخصص أن بقاء الجنين بعد تحقق حياته في بطن أمه واستمراره سيؤدي بحياة أمه إلى الموت والهلاك، فإن الإسلام في هذه الحالة بقواعده العامة، وأصوله الكلية يأمر بالإجهاض من باب (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) ومن باب ( ارتكاب أخف الضررين أولى من أشدهما). وأضاف عبد الجليل أنه لا شك أنه إذا كان في بقاء الجنين موت للأم، وكان لا منقذ لها سوى إسقاطه، وتحقق ذلك بأقوال الأطباء الموثوق بهم فإن إسقاطه في تلك الحالة يكون متعينًا ولا يضحي بحياتها وهي حياة حقيقية، من أجل الحفاظ على حياة جنين متوهم، ولأن أمه أصله، وقد استقرت حياتها ولها حظ مستقل في الحياة، ولها حقوق وعليها واجبات وهي بعد هذا وذاك عماد الأسرة، فليس من المعقول أن نضحي بها في سبيل حياة جنين لم تستقل حياته ولم تتأكد ولم يحصل على شيء من الحقوق والواجبات• وأكد عبد الجليل على وجود الدواعي التي من أجلها أن تجيز إجهاض الجنين ومنها الدواعي الطبية المتعلقة بالأم في حالة ما إذا كان الجنين يشكل خطرًا، مؤكدًا على حياة الأم في حال استمرار الحمل، أو يؤثر على صحتها بشكل عام، وهذا لا شك في جوازه بل وجوبه أحيانًا درءًا للمفسدة الأكبر وعملاً بالقاعدة الأصولية : ارتكاب أخف الضررين. كما توجد دواع طبية متعلقة بالجنين، حيث تنتقل إلي الجنين أمراض وراثية خطيرة، أو يولد بعاهات جسيمة، وإسقاطه قبل التخلق جائز كما سبق، أما بعد التخلق فمحل خلاف، والراجح فيه رأى المانعين لأن حكمة الله في الخلق هو الابتلاء. أما عن الدواعي الطبية المتعلقة بالرضيع - وذلك إذا حدث الحمل أثناء الرضاعة- فهذا أيضًا لا يصح إذا ترك حتى مر عليه أربعة أشه، أما قبلها فجائز على التفصيل السابق في المذاهب. كما أكد عبد الجليل على وجود الدواعي الإنسانية أو القضائية كأن تحمل المرأة من حالة اغتصاب، أو تحمل من زنى و يقال فيه ما قيل فيما قبله مباشرة، وتوجد أيضا الدواعي الأسرية كأن يحدث الحمل خطأ بعد فترة قصيرة من حمل سابق، أو لكثرة الأولاد وضيق السكن، ولا يجوز إسقاطه بعد التخلق أما قبله فعلى التفصيل السابق في المذاهب، أو إذا كان الحمل غير مرغوب فيه وهو ما إذا كان توقيت الحمل في نظر الأبوين أو أحدهما غير مناسب، أو أن الحمل حدث بالرغم من استعمال وسيلة من وسائل منع الحمل، ولا يجوز إسقاطه بعد التخلق أما قبله فعلى التفصيل السابق في المذاهب، والله أعلم. وعقب الدكتور سالم عبد الجليل وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية أنه يجب الالتزام وتضمين ما حددته الشريعة الإسلامية بشأن الإجهاض في التشريع الذي يريد المجلس القومي لحقوق الإنسان إصداره، من أجل مراعاة عدم حدوث بلبلة وتطبيق الشريعة الإسلامية على الوجه الصائب.