فجأة وجدت جماعة الإخوان نفسها في مأزق، فبعد عام واحد سقط نظام حكمها في مصر، وقضي علي المشروع الإسلامي العالمي «الخلافة» الذي طالما حلمت به الجماعة والتنظيم العالمي، وعملوا من أجله في السر والعلن لسنوات طويلة. وبما أن الجماعة أحد اللاعبين الأساسيين في الملعب السياسي المصري الآن، فهي تعمل جاهدة لحسم المعركة لصالحها أو للخروج بأقل الخسائر الممكنة من مأزق فشل الرئيس محمد مرسي في الحكم وعزله من منصبه بفعل ثورة 30 يونية. فيما يلعب التنظيم الدولي للإخوان دور «السنيد» لدعم موقف الجماعة في مصر التي تستميت للدفاع عن وجودها، ولو بقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، أو بالتضحية بالغالي والنفيس، أو حرق الوطن فالجماعة أصبحت مثل «شمشون» الذي هدم المعبد فوق رأسه أولاً قبل أن يهدمه فوق رؤوس أعدائه. تتبع «الجماعة» منذ ثورة 30 يونية سياسية الأرض المحروقة، فهي تحرق كل شيء في طريقها، حتي لو دفعت الثمن، وهو ما حدث بالفعل، ولم تكتف «الجماعة» بحشد أنصارها في رابعة العدوية وميدان نهضة مصر، وراحت تهدد وتتوعد، وتنفذ تهديداتها، ويخرج قادتها في تصريحاتهم مؤكدين أنهم وراء ما يحدث في سيناء، بل وصلت تهديداتهم إلي شل حركة المرور بالقاهرة وتهديد المواطنين الآمنين في القاهرة والمحافظات ولجأت الجماعة التي كانت تدعي أنها ضد العنف، لهذا الخيار، وهو ما حدث في المحلة والقاهرة والجيزة، وأمام دار الحرس الجمهوري. وعلي صعيد آخر ما حدث في مصر انعكس علي التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، والذي هرع إلي تركيا لعقد اجتماع طارئ تحت غطاء حضور مؤتمر شعبي عالمي يعقده حزب السعادة التركي لنصرة الديمقراطية، لمناقشة ما حدث في مصر وتداعياته علي مستقبل الجماعة في مصر والعالم كله. ناقش الاجتماع دراسة أعدها المركز الدولي للدراسات التابع للتنظيم حول ما أسموه «الانقلاب العسكري علي الشرعية في مصر.. تقدير موقف استراتيجي علي المستوي الداخلي والخارجي»، وناقشت الدراسة مخاطر الوضع في مصر وانعكاساتها علي كافة الأصعدة، وحددت الدراسة المخاطر للعمل السري والعنف، والاقصاء الذاتي مما يغذي الاتجاهات الاسلامية المتشددة واندماج بعض انصار الجماعة في التيارات السلفية مما يؤثر علي جماهيريتها في المستقبل، فضلاً عن انشقاق مجموعات من المنتمين للجماعة والتحالف مع التيارات الاسلامية الأخري لتشكيل حزب سياسي كما حدث في تركيا، أو تكرار سيناريو 1954 والعودة إلي الدولة البوليسية والتنكيل بالجماعة، والدفع باتجاه أنها جماعة إرهابية تمارس العنف خاصة تجاه الجيش. وأكدت الدراسة أن ما حدث في مصر سيكون له انعكاسات علي مستقبل الجماعة في مصر وعلي التنظيم الدولي وحذرت من امكانية تكرار النموذج في أقطار أخري، والتأثير السلبي علي مشروعات الخطة العامة للتنظيم وتراجع المشروع السياسي الاسلامي نفسه، بالاضافة إلي التأثير السلبي علي حركة حماس، وتراجع دعم الثورة السورية ومن ثم إطالة عمر النظام السوري. ووضعت الدراسة عدة سيناريوهات للتعامل مع الأزمة منها سيناريو العودة والدفاع عن الشرعية، وسيناريو طرح الثقة أو البديل المر، وهو القبول بتطبيق المادة «150 من الدستور» بطرح الثقة والاستفتاء علي بقاء مرسي أما السيناريو الأخير فهو «عسكرة الصراع» علي غرار المشهد السوري، والذي يتم الدفع به من قبل عدة أطراف بتخطيط أمريكي صهيوني، وبتمويل خليجي، والتنفيذ بأيد مصرية متواطئة، أو مستغفلة، أو مستدرجة من أجل إنهاك الجيش المصري والمجتمع كله. يذكر أن التنظيم الدولي الذي تم تأسيسه في الخمسينيات من القرن الماضي يعتبر إخوان مصر أهم تنظيم تابع، وأن انتهاء التجربة في مصر يعني نهاية المشروع الاسلامي العالمي الذي يسعي التنظيم إلي تنفيذه، وتعتبر مصر نقطة انطلاقه، لذلك أصبحت حركة الإخوان في مصر مدعومة من التنظيم الدولي الذي سيسعي بكافة الطرق والوسائل من أجل عودة الرئيس المعزول محمد مرسي، وإعادة الأوضاع إلي ما كانت عليه قبل 30 يونية، ومن ثم وضع اجتماع التنظيم وثيقة تحرك لمواجهة الازمة في مصر بإحداث انقسامات داخل المؤسسة العسكرية، وإبراز مواقف المؤسسات الدولية التي اعتبرت ما حدث انقلاباً عسكرياً، وتحريك النقابات التي يمتلك «الإخوان» التأثير عليها مما يساعد علي انضمام قطاعات جديدة والضغط علي أمريكاً لتعليق المساعدات للجيش المصري، وعدم اعتراف دول غربية بالانقلاب العسكري علي الشرعية مثل بريطانيا وتركيا والنرويج والسويد والبرازيل وغيرها، مع الاستمرار في محاصرة كل مؤسسات الدولة السيادية مثل الحرس الجمهوري، قصور الرئاسة، وزارة الدفاع، ماسبيرو مدينة الانتاج الاعلامي، والدعوة خارجياً إلي تعليق عضوية مصر في المنظمات الدولية. ونتيجة لهذا المخطط بدأت الجماعة في مصر في التنفيذ فوراً للخطة والتهديد بإغلاق الطرق والمعابر، وتوسيع الاعتصام أمام قصر الاتحادية، وتنظيم مسيرات لدار الحرس الجمهوري وغيرها فهل تنجح هذه الأعمال في حسم الصراع لصالح الجماعة وإعادة عقارب الساعة للوراء والنكوص عن مكتسبات ثورة 30 يونية التي أطاحت بحكم الإخوان؟ أكد الدكتور عبد الله المغازي المتحدث باسم حزب الوفد أن الغلبة لن تكون أبداً للإخوان، وأن لجوءهم للعنف بهذا الشكل لن يكون في صالحهم أبدا، وسيخسرون كل شيء، فكلما زادت حماقتهم زادت مطالبة الشعب بسرعة تدخل أجهزة الشرطة، وعودتها إلي ما كانت عليه. وأضاف أن الأحداث تعالت في الآونة الأخيرة للمطالبة بعودة جهاز أمن الدولة والذي كان يستطيع التعامل معهم، وقال: «مهما كانت خطط التنظيم الدولي لن تفلح في إصلاح ما أفسدته الجماعة في مصر». وأضاف أن أجهزة الدولة خاصة الشرطة بعد 30 يوليو أصبحت أقوي مما كانت، ولن تسمح لهم بالمساس بمصالح المواطنين، وكل ما يفعله الإخوان سيكون وبالاً عليهم خاصة أن هذه الأفعال قضت علي كل شعبيتهم التي اكتسبوها من قبل ليخسروا كل شيء. و«الإخوان كانت لديهم فرصة تاريخية ليتحولوا إلي نظام ديمقراطي يستمد قوته من الشعب وليس من أخونة الدولة أو التنظيم الدولي للإخوان». هكذا بدأ الدكتور رفعت سيد أحمد مدير مركز يافا للدراسات السياسية حديثه مشيراً إلي أن هذه الفرصة ضاعت، ولن تفلح محاولات التنظيم الدولي لإعادتها مرة أخري. وأضاف: هذه الفرصة جاءتهم بعد ما يقرب من 85 عاماً وأضاعوها وعودتها صعبة بل مستحيلة خاصة مع تدخل الجيش كرقم في المعادلة السياسية. وأكد أنه علي الإخوان الآن أن يفضوا اعتصاماتهم ويتأملوا في أخطائهم ومراجعة السياسة التي تحكمت فيهم، ويعملوا بشكل ديمقراطي والمشاركة في انتخابات المحليات ثم انتخابات مجلس الشعب، وأشار إلي أن التهديدات والأفعال التي يقوم بها الإخوان الآن من إغلاق للطرق، وتهديد لمصالح المواطنين تستهدف تحسين شروط التفاوض مع الدولة لضمان الخروج الآمن، وطالب بمنح الإخوان هذه الفرصة فمن أخطأ لابد من تقديمه للمحاكمة. ومن لم يرتكب خطأ فيجب تركه ليعمل ضمن المناخ الديمقراطي العام، وعن تدخلات التنظيم الدولي قال: لن تجدي مادامت مؤسسات الدولة «الجيش والشرطة» موجودة في المشهد بقوة.