موائد الرحمن فى السنوات الماضية تشكل ظاهرة مرتبطة بحلول شهر رمضان الكريم، ولاتكاد تخلو منطقة من مائدة وأكثر يقيمها القادرون من أهل الخير. ويتوقف حجمها ونوعية ما تقدمه من أطعمة على مقدرة صاحبها المادية والمبلغ المخصص لها، وذلك لإطعام الفقراء وعابرى السبيل الذين لم تمكنهم ظروفهم من الوصول إلى بيوتهم على موعد الإفطار. لا يخشى أي شخص في القاهرة كغيرها من المدن المصرية أن ينطلق مدفع الإفطار وهو لا يزال في الشارع حيث سيجد من يدعوه للإفطار، بل ويلح عليه بلا مقابل فموائد الطعام المجانية التي عرفها المصريون منذ عشرات السنين باسم "موائد الرحمن" لا يخلو منها شارع أو ميدان طوال شهر رمضان. "القاهرة" هذا العام تأثرت "موائد الرحمن" بها بالحالة السياسية والاقتصادية التي تمرُّ بها مصر منذ قيام ثورة 25 يناير، وأعقبها ثورة 30 يونيو اختفت موائد شهيرة تردد عليها الفقراء، وعابرو السبيل، وتقلصت مساحة موائد أخرى، وقلت نوعية وكمية الوجبات التي تقدمها، ويرجع ذلك لأسباب تدهور الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع حدة الانقسام بالشارع المصري، وسيطرة أجواء الحزن على نفوس المواطنين؛ بسبب الأوضاع السياسية، وتكرار سقوط القتلى عقب سقوط نظام جماعة الإخوان قبل بدء رمضان بعد أيام؛ لكن اللافت للنظر هو ظهور موائد بالميادين الممتلئة بمؤيدي نظام الإخوان ومعارضيه عقب سقوطه في 30 يونيو الماضي. ويعكف مؤيدو الرئيس مرسي بميدان النهضة وميدان رابعة العدوية وأمام دار الحرس الجمهوري؛ لإقامة حفل إفطار جماعي يومي قبل بدء فعاليات تظاهراتهم اليومية؛ للتنديد بعزل الرئيس مرسي، وفي المقابل يقيم معارضي نظام الإخوان والقوي الثورية حفل إفطار جماعي يوميًا بميدان التحرير وأمام قصر الاتحادية يشارك فيه العديد من النشطاء السياسين والرموز السياسية ورؤساء الأحزاب والحركات السياسية. من الناحية السياسية، أدى سقوط نظامي حسني مبارك ومحمد مرسي إلى اختفاء موائد كبيرة كان يتكفل بتمويلها قيادات شهيرة في هذا الحزب الوطني وحزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان، وأبرزها مائدة بحي السيدة زينب كان يتكفل بها د. فتحي سرور رئيس البرلمان المنحل، ومائدة أخرى بميدان الجيزة لرجل الأعمال محمد أبو العينين، وثالثة بشارع جامعة الدول العربية لرجل الأعمال أحمد عز، وأخرى بحي الزيتون للدكتور زكريا عزمي، وموائد أخرى كان يحرص على إقامتها قيادات جماعة الاخوان المسلمين بالعديد من المحافظات، وكذلك موائد فنانات شهيرات مثل: فيفي عبده، ودينا، ولوسي، ويسرا، وإلهام شاهين التي كانت بميدان سفنكس وشارع شهاب بالمهندسين. وهناك شوارع رئيسية بالقاهرة كرمسيس والجيش والقصر العيني وعباس العقاد إلى جانب شارعي الهرم وفيصل بالجيزة كانت تكتظ في رمضان الماضي بموائد الرحمن، ويعرف الناس من يتكفلون بتمويلها سواء من رجال الأعمال أم الطامحين لمكانة سياسية، إلا أن الحال تغير بتلك الشوارع في أول رمضان بعد ثورة 30 يونيو فقلت أعداد الموائد، وتوارى القائمون على تمويلها بعيدًا عن الأضواء طمعًا في القرب من الله وفعل الخير سرًا. كما اختفت أعداد كبيرة أخرى من الموائد التي كانت تقيمها هيئات وجمعيات أبرزها تلك التي كان يشرف عليها بنك ناصر الاجتماعي بعدما اتجه البنك وفقًا لتعليمات وزارة التضامن الاجتماعي - الجهة التابع لها - إلى توزيع "شنطة" رمضان على الفقراء خلال الأيام الأولى من الشهر الفضيل، نظرًا لكونها وسيلة عصرية مناسبة لإيصال الطعام لمستحقيه في بيوتهم، والمتعففين من دون التعرض للإحراج المتمثل في الجلوس على طاولة على رصيف أحد الشوارع، إلى جانب أنها تحد من حالة الفوضى والارتباك المروري التي تسببها موائد الرحمن. وكان من اللافت للنظر هذا العام هو اختفاء موائد القوات المسلحه التي تقيمها لإطعام الفقراء فى بعض مناطق القاهرة، وشنطة رمضان فى المحافظات المختلفة، وسجلت المناطق الشعبية والتجارية بجميع محافظات خلال شهر رمضان الحالي تراجعًا ملحوظًا، وتام في إعداد موائد الرحمن المخصصة لإفطار الصائمين من الفقراء، وعابري السبيل. ومن الجدير بالذكر أن المنطقة المركزية العسكرية كان تحرص كل عام خلال شهر رمضان على إقامة موائد الإفطار للصائمين فى سبع محافظات بإجمالى 36 مائدة، بالأماكن ذات الكثافة السكانية المرتفعة حتى يتحقق الغرض من إقامتها. . ففى القاهرة كانت تقيم 8 الموائد فى منشية ناصر، وحلوان والبساتين وحدائق القبة وبولاق والنهضة وحى شرق مدينة نصر والزاويه الحمراء، وفى الجيزة ثماني موائد أيضًا بواقع مائدتين فى كل من بولاق والوراق وإمبابة والصف. كما كانت تقام 4 موائد فى كل محافظة أخرى من المحافظات السبعة، ففى القليوبية تتواجد الموائد فى القناطر الخيرية والخانكة وطوخ وبهتيم، وفى المنوفية كانت فى الباجور وقويسنا وتلا ومنوف، ومائدتان ببندر الفيوم ومائدتان فى مركزى أطسا وسنورس فى محافظة الفيوم، كذلك مائدتان ببنى سويف ومثلهما فى مركزى إهناسيا وسمسطا بمحافظة بنى سويف، وفى محافظة المنيا تقيم المنطقة المركزية مائدتين بمركز المنيا ومائدتين فى مركزى أبوقرقاص وسمالوط. وكانت فنادق وأندية ودور القوات المسلحة تتولى أعداد وجبات الأفطار لرواد الموائد الرمضانيه بمعدل 200 وجبة لكل مائدة، إلا أن الأوضاع الأمنية غير المستقرة بالبلاد التي نتجت عن تزايد أعداد العمليات الإرهابية بسيناء والوضع الأمني بالقاهرة ومناطق متعددة عقب الإطاحة بنظام الرئيس مرسي أحال القوات المسلحة عن القيام بتلك العادة هذا العام.