من لم يقرأ جابرييال جارثيا ماركيز لم يسافر إلى مدن الخيال، ولم يحلق فى سماء الاثارة ، ولم يتذوق جمال الكلمة ولذاذة الحكى. إن ماركيز واحد من اجمل وأروع الروائيين فى امريكا اللاتينية والعالم ، وتعد حكاياته وقصصه أشبه بلقطات واضحة لمجتمعات ظلت سنوات طويلة مجهولة مهمشة ومنسية. ولد ماركيز فى أراكاتكا بكولومبيا عام 1927 وعمل عدة سنوات صحفيا وشارك فى مساندة حركات التحرر الثورية بامريكا الجنوبية وحوّل الرواية لفعل مقاومة ضد الظلم والاستبداد والفقر والقمع ، رافعا شعار « أكتب كى اغيّر العالم « منهجا عمليا لابداعاته. ومع اطلالاته المتكررة فى دنيا الابداع باللغة الاسبانية انبهر العالم بأسلوبه المتميز فى الوصف والحكى لتصنف رواياته ضمن اهم وافضل الروايات فى العالم. وهو ما أهله للحصول على جائزة نوبل فى الأدب عام 1982. ومن ابرز أعماله: «مئة عام من العزلة»، «الجنرال فى متاهته»، «سرد احداث موت معلن» وسيرته الذاتية التى عنونها ب «عشت لأروى». ومن بين أجمل رواياته رواية: «الحب فى زمن الكوليرا» التى تسرد قصة عشق فلورينتينا لفتاة جميلة هى فيرمينا منذ فترة المراهقة، ويحاول العاشق الاقتران بمحبوبته التى ترفض اسرتها تزويجها له بسبب تدنى المستوى الاجتماعى للعاشق. ويتم تسفير الفتاة بعيدا وتتزوج رجلاً ثرياً يعمل طبيبا، بينما يرحل العاشق باحثا عن فرص عمل أفضل. تتوالى أحداث الرواية وتقضى فيرمينا حياة عادية تنجب خلالها وترتحل من مكان لآخر وتخلص لزوجها حتى وفاته رغم علمها بتعدد خياناته لها، بينما يرفض العاشق كافة النساء ويظل عازبا وعازفا عن الزواج بأحد، ويتقدم كثيرا فى عمله ويرقى لادارة شركة يعمل بها ثم يشترى تلك الشركة وغيرها حتى يصبح ثريا مشهودا له بالتقدير الاجتماعى. وينتظر فلورينتينا حتى وفاة زوج حبيبته بعد أن يتجاوز عمرها سبعين عاما، ويكرر العاشق القديم رسائل حبه وتأملاته فى الحياة وزياراته للحبيبة المسنة التى ينجح فى النهاية فى اقناعها بالزواج ويرحلا معا فى مراكب تابعة لشركاته ليقضيا ما تبقى من عمريهما معا فى المحيط. ورغم شعورها بأن عمرها لا يسمح بحب جديد فإنها تنجرف ضاربة بكل القيود الاجتماعية والنفسية والجسدية عرض الحائط. ويصر العاشق على عدم ايقاف السفينة رافعا علم «وباء الكوليرا» فوقها حتى لا تتوقف عن الابحار إلا للتزود بالوقود، وكأنه بذلك يكتب قصة حب لا تنتهى. لا يموت الحب عند ماركيز بتقدم السن، ولا تنتهى لوعة الشوق بدخول الانسان زمن الشيخوخة، فالقلب النابض بالحياة يمكنه ان يحب فى أى زمن وعمر. تنكسر الطبيعة امام الحب، وتتراجع المسلمات الفسيولوجية، ويتجاوز مفهوم الحب كل القيود وكل التعقيدات. ولا يغيب عن ماركيز عبر أحداث الرواية أن ينقل لنا مشاهد للحياة القروية فى أمريكا اللاتينية ومعاناة العمال والفلاحين الفقراء، وتصوره للمفارقات الاجتماعية الصارخة، وبعض الاحداث السياسية التى شهدتها حياة العاشقين المسنين.