عرفت مصر مظاهرات عظيمة كان لها دورها الرائد في تاريخ الحركة الوطنية.. وما يجري من اشتعال المظاهرات في كل مصر الآن ما هو إلا امتداد لهذه المظاهرات الكبري في تاريخ مصر.. وكلها مظاهرات لها تاريخ.. وربما تكون أشهر مظاهرة في مصر الحديثة هي تلك المظاهرة الكبري التي شهدها ميدان عابدين يوم 9 سبتمبر 1881.. وكانت هي البداية الحقيقية للثورة العرابية ففي هذا اليوم تجمع قادة كل ألوية الجيش المصري بقيادة قادتها. وفي مقدمتهم أحمد عرابي نفسه. وكان عدد أفرادها 4000 ضابط وجندي يحملون مطالب الأمة وأهمها عزل وزير الحربية الشركسي عثمان باشا رفقي العنصري ضد المصريين.. وكان يفضل عليهم الضباط الأتراك والشركس.. وكذلك مطالب الجيش والأمة بإقالة حكومة مصطفي رياض باشا. وكذلك تشكيل مجلس النواب، ولما رأي الخديو توفيق حجم المظاهرة وتصميم قادتها استجاب لهذه المطالب وأقال الحكومة المرفوضة شعبياً وتم تكليف محمد شريف باشا «الوطني» بتشكيل الحكومة الجديدة وتولي محمود سامي البارودي وزارة الحربية بناء علي طلب عرابي.. ** وعرفت مصر مظاهرات بدأت علي شكل جنازات للزعماء.. أشهرها جنازة سعد زغلول زعيم ثورة 19 وذلك في أغسطس 1927. وشهدت أكبر تجمع شعبي عرفته مصر، وتحولت من جنازة إلي مظاهرة سياسية رائعة أعادت للذاكرة ذكري أحداث ثورة 19 نفسها. وكذلك مظاهرة تشييع جنازة مصطفي النحاس باشا- زعيم الأمة أيضا- في أغسطس 1965 وهي المظاهرة الكبري التي أقلقت جمال عبدالناصر وبسببها تم اعتقال العشرات من قادتها.. ثم جنازة جمال عبدالناصر نفسه عقب وفاته في سبتمبر 1970 وقد تحولت هي أيضا إلي مظاهرة سياسية اشتركت فيها.. وقبلها اشتركت في أكبر جنازة عسكرية هي جنازة شهيد مصر القائد العظيم عبدالمنعم رياض وسار فيها عبدالناصر نفسه.. وكانت تعبيرًا عن رفض هزيمة يونية 1967، وهي الجنازة التي سارت في القاهرة بعد استشهاد رياض يوم 9 مارس 1969.. ** ولكن مصر لن تنسي أكبر مظاهرة شعبية حكومية عرفتها في تاريخها.. فقد خرجت هذه المظاهرة- كجنازة- صامتة علي أرواح شهداء معارك قناة السويس، وكان ذلك يوم 14 نوفمبر 1951، واشترك فيها الزعيم مصطفي النحاس باشا وكان رئيساً للحكومة.. واشترك معه في المظاهرة فؤاد سراج الدين وكان وزيرًا للداخلية والمالية في هذه الحكومة وكذلك إبراهيم باشا فرج وكان وزيرًا للشئون البلدية والقروية.. بل شارك فيها كل الوزراء ورؤساء الهيئات والنقابات وجميع طوائف الشعب.. وذلك تحية للشهداء وكانت المظاهرة الرائعة- التي ملأت ميدان الإسماعيلية- التحرير حالياً- بعد تصاعد حركة المد الشعبي ضد الانجليز وضد القصر الملكي معاً عقب إلغاء حكومة الوفد لمعاهدة 1936 وذلك يوم 8 أكتوبر 1951.. وكانت هذه المظاهرة هي أول مظاهرة تشترك فيها الحكومة مع الشعب تعرفها البلاد المصرية.. ** ونصل إلي مظاهرات يناير 1977- أيام الرئيس السادات- وهي المظاهرات التي وصفها السادات بأنها مظاهرات الحرامية.. ولكن كان سببها القرارات الاقتصادية التي اتخذها الدكتور القيسوني نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية، في حكومة ممدوح سالم الرابعة.. وبسببها زادت أسعار العديد من السلع الأساسية.. فاشتعلت البلاد.. وكان أن تراجع الرئيس السادات بحكمته المعهودة عن هذه القرارات.. ولكن تظل هذه الأحداث من أخطر ما تعرضت له البلاد من أحداث وقلاقل.. ** وبعد 30 عاماً من حكم الرئيس حسني مبارك اشتعلت مصر بالثورة والمظاهرات يوم 25 يناير 2011 واحتشد المصريون في ميدان الثورة- التحرير سابقاً- في سابقة عظيمة.. ولم يترك المتظاهرون الميدان إلا بعد أن تنحي الرئيس مبارك عن الحكم.. ودخل هذا الميدان تاريخ الثورات الكبري ليصبح رمزاً للثورة المصرية كما كان الباستيل رمزاً للثورة الفرنسية في يوليو 1789.. وللأسف- لأن هذه المظاهرة الثورة- لم يكن لها قائد.. قفز عليها الإخوان المسلمون وسرقوها.. وانخدع بهم الكثيرون إلي أن تمكنوا من حكم مصر. ** هنا كان لابد من ثورة ثانية.. من مظاهرة كبري ثانية.. فكانت ثورة 30 يونية الحالية.. وهي بكل المقاييس أكبر عدداً وحشداً من مظاهرات 25 يناير.. وإن شاء الله سوف تستمر هذه الثورة إلي أن يتحقق حكم الأمة كلها.. ** حقاً.. إنها فعلاً مظاهرات لها تاريخ..