لا نريدها ولا نقبلها ولا نرضاها ولا نحلم بها. لم تكن مملكة الله، ولا حصن الأمان، ولا بيت الخيرات، ولا وطن المحبة. لذا فإن ما قاله الشيخ محمد العريفى فى خطبة الجمعة الأخيرة فى مسجد عمرو بن العاص حول عودة الخلافة الإسلامية من مصر لا يمكن قبوله وطنياً ولا دينياً ولا حتى إنسانياً. قال الرجل: إن الخلافة سترجع من مصر بلد الانتصارات. ولا أدرى ما هى الخلافة التى يبشرنا بها مولانا الشيخ الذى يتغنى ليل نهار بمصر مرسى التى فقدت عظمتها وسماحتها وأصالتها منذ ترأس عليها. تلك الخلافة ليست الإسلام ولا عدله ولا سماحته وإنما تاريخ من الدم، وقرون من الفساد والتجبر. يتناسى العريفى أن سيوف الخلفاء شربت من دماء الناس دون رادع، وأن الخلافة المنسوبة إلى الإسلام ظلماً لم تكن لوجه الله سوى سنوات محدودة انتهت بقتل على بن ابى طالب وصارت بعدها ملكاً عضوضا تسلخ تحت ظلالها الجلود وتسفح الدماء وتعتقل الكلمات المخالفة. يروى لنا الدكتور إمام عبدالفتاح فى كتابه «الطاغية» كيف حصل معاوية بن ابى سفيان على البيعة لابنه يزيد، حيث أرسل يطلب رأي عماله، فقام أحدهم ويدعى يزيد بن المقفع وقال: هذا «فى إشارة إلى معاوية»، فإن هلك فهذا «فى إشارة إلى يزيد» فمن أبى فهذا «مشيراً إلى سيفه».. فقال له معاوية: اجلس فإنك سيد الخطباء. ويضيف الكاتب: «وصارت البيعة مجرد إجراء شكلي أقرب الى الاستفتاء الشكلى، ولا أدل على ذلك من واقعة الحرة الشهيرة التى قتل فيها خلق من الصحابة وافتضت ألف عذراء.. وكان قائد يزيد - وقتها مسلم بن عقبة - يقتل من يقول «أبايعه على كتاب الله وسنة رسوله». ويحكى لنا «السيوطى» فى كتاب «تاريخ الخلفاء» أن عبدالملك بن مروان الديكتاتور الأشهر فى الدولة الأموية كان عابداً متنسكاً يقيم الليل والنهار ويصلى فى المسجد، ويوماً كان جالساً يقرأ القرآن فأخبروه بنبأ اختياره خليفة، فأغلق المصحف وقال: «هذا آخر العهد بك»، واستخدم «مروان» الحجاج الثقفى للقضاء على المعارضة السياسية والذى سير الجيوش وقتل الشيوخ وأهدر الدماء. وكان الخليفة الوليد بن عبدالملك جباراً ظلوماً، وأضفى على نفسه هالة من القداسة حتى كان يستفسر في عجب: أيمكن للخليفة أن يحاسب؟.. إلى أن جاء أخوه بأربعين شيخاً يشهدون أن ما على الخليفة من حساب! ويحكى السيوطى عن السفاح أول خلفاء الدولة العباسية الذى بدأ حكمه بإخراج جثث خلفاء بنى أمية وصلبها فى العراء ثم إحراقها، ودخل دمشق فأباح فيها القتل وجعل مسجدها اسطبلاً لدوابه واقتاد نساء بنى أمية للسبى والذبح. وخلفه السفهاء والقتلة والشواذ واللصوص الذين سامونا ظلماً وظلاماً. لم يمنحنا أحدهم عدلاً ولا حرية ولم نسمع عن خليفة يحترم الناس ويعترف بآدميتهم طوال ثلاثة عشر قرناً وأكثر سوى فلتات ضئيلة جداً. كان الخليفة ظل الله، والمسئول عن دينه، وكلامه مقدس، وأفعاله محصنة، وما يقرره لا يقبل طعناً ولا جدلاً. هكذا كانت الخلافة التى يبشر بها العريفى.. لا يا سيدى «يفتح الله».