«وضعوا الدستور وقرروا مخالفته» هذا لسان حال معارضى التيار الإسلامى بعدما أثير مؤخرا من لغط قانونى ودستورى عما يصدر من قوانين بمجلس الشورى, فالقصة تحتاج الى توضيح. حيث إن مجلس الشورى الذى يصدر قوانين معيبة يشوبها عدم الدستورية هى بالأصل من شارك عدد من أعضائها بوضع الدستور الذى يتم مخالفته الآن, لذلك يتم اتهام مجلس الشورى أن تشريعاته مخالفة لأبسط قواعد القانون والتشريع، وأنه ارتكب خلال شهور كل الأخطاء والخطايا التى ارتكبها النظام السابق، وزاد عليها غياب الخبرة، وسوء الإخراج. رغبة الإخوان المسلمين فى السيطرة على القضاء هى الدافع فيما يثار من مغالطات حول وضع الدستورية, رغم أن الدستورية تلعب دورا وطنيا حياديا لا علاقة له بخلافات جانبية ومخططات إخوانية لهدم الدولة ولكن ما نعانى منه الآن بسبب الجهل التشريعى والأخطاء الدستورية والانفراد بالرأى الذى انتهجه الإخوان فى وضع الدستور وليس المحكمة الدستورية كما يردد الإسلاميون. تجدد الصراع المكتوم بين الدستورية والإخوان عقب إعادة المحكمة الدستورية العليا قانونى «النواب» و«الحقوق السياسية» إلى مجلس الشورى بعد إبداء ملاحظات بعضها سبق لها إبداؤها، والبعض الآخر جديد، ومنه ما أعلنتها المحكمة بعدم دستورية منع ضباط الجيش والداخلية من الانتخاب، واستندت المحكمة إلى الدستور الجديد الذى تم إقراره بسرعة، من دون تحديد لموقف الجيش والشرطة على سبيل الحصر كما كان متبعا. وعليه فإن فكرة تفصيل القوانين والدستور تكشف كل يوم إلى أى مدى ورط أعضاء التأسيسية أنفسهم فى تفصيل مواد ورفضوا الاستماع للملاحظات الموضوعية، وأنتجوا دستورا مليئا بالثغرات التى ينفذ منها الشيطان. فقد كشفت المحكمة للمرة الثانية عدم عدالة توزيع المقاعد والدوائر، وقالت إن هناك 9 مواد من قانون مباشرة الحقوق السياسية تخالف الدستور، وللمرة الثانية أوضحت المحكمة أن إغفال حظر استخدام الشعارات أو الرموز أو القيام بأنشطة للدعاية الانتخابية ذات طابع دينى أو عقائدى فى ذاته ينال من الوحدة الوطنية ويناقض مبدأ المواطنة ويخل بالحق فى الانتخاب والترشح ومباشرة الحقوق السياسية؛ فضلاً عن أنه يعيق الناخب عن تحديد موقفه من المرشحين والمفاضلة بينهم على أساس برامجهم الانتخابية، كما يخل بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين المرشحين وينسحب العيب ذاته على ما ورد بصدر المادة (61) من المشروع المعروض. وبحسب محللون للشئون السياسية يعتبرون نواب الشورى وهم يشرعون لا ينظرون للدستور الذى فصله بعضهم، ولا يقرأون القوانين ولا المبادئ التشريعية، الأمر الذى يثير الخوف من كل القوانين التى يفصلونها, ونفس الأمر بالنسبة لملاحظات المحكمة فيما يخص المصريين بالخارج، وأيضا تقسيم الدوائر الذى جاء للمرة الثانية غير عادل، ومختل. وهو ما يطرح سؤالا عن الوظيفة والكفاءة التى يحظى بها نواب الشورى الذين منحهم الدستور التفصيل سلطة التشريع بالرغم من أن المجلس تم تعيين ثلثه من الإخوان، وحلفائهم من تيار الإسلام السياسى. ويضيف محللون أن مجلس الشورى الذى تم تفصيل الدستور لإسناد التشريع له، بالرغم من أن ثلثه معين والثلثين منتخبان بأقل من 6٪ يفتقد إلى الكفاءة، ولا يستند إلى خبراء وفقهاء القانون والدستور الذين يصنعون تشريعات الدول العربية، ويستعين بترزية فاقدين للكفاءة، ثم يبكى ويشكو من القضاء.. وتحول إلى مخزن للقوى السياسية، ومكان للمجاملات، لا يعجب به سوى حزب الجماعة، وجبهة الضمير. ويرى الدكتور على عبد العزيز رئيس حكومة ظل شباب الثورة ان من وضع الدستور من الأغلبية الإسلامية لم تكن مؤهلة وقامت بارتكاب الكثر من المخالفات الدستورية ولم يستجيبوا لأصوات المعارضة فى ذلك الوقت, فخرج الدستور مشوها ولا يتناسب مع طموحات الشعب فيما بعد الثورة والآن يشعر الاخوان بخطائهم تجاه ماصنعته أيديهم من دستور وقوانين اثبتت عدم دستورريتها. وأضاف عبدالعزيز أن هناك صراعاً دائراً ما بين الاسلاميين وانفسهم الا انهم مستمرون فى سياسة العناد مع الشعب ويغلبون مصالحهم الحزبية فقط ولم يحترموا دستورهم الباطل بحسب وصفه, وتابع «لذا وجب ان نعود إلى المربع صفر ونضع دستورا جديدا يتناسب مع روح الثورة ومتطلبات الشعب وبخبرات قانونية دستورية رفيعة المستوى». وتعليقا على ما يردده الاسلاميون من نغمة ظلم المحكمة الدستورية لهم وترصدها بهم قال عبدالعزيز إن الأحزاب الإسلامية والإخوان بالأخص سيطرت الآن على السلطة التشريعية والتنفيذية ولا يقف أمامها سوى السلطة القضائية والاعلام والآن هم يحاولون هدم المؤسستين فيروجون لكل اخطائهم على انها ترصد من المحكمة الدستورية، بخلاف أن المحكمة الدستورية هى محل انتهاك إخوانى منذ وضع الدستور وخاصة مع بند منح الرئيس احقية تعيين أعضائها ومع قانون السلطة القضائية الذى سيطيح بعدد كبير منها ويتم استبداله بعناصر إخوانية ليتم السيطرة على القضاء والمحكمة الدستورية العليا وفى هذا الوضع سيكون تمت الاخونة وتحقق أحلام أولاد حسن البنا فى هدم مصر وستكون بداية لانهيار الدولة. وأوضح عبدالعزيز أن مجلس الشورى الذى يصر على فرض تشريعات وقوانين فاسدة وناقصة، ومخالفة لدستورهم، ويتصدى لقانون السلطة القضائية، يعجز عن إنتاج تشريعات متماسكة وقوية لمواجهة المشكلات الكبرى. ورداً على هذه الاتهامات للتيار الإسلامى يؤكد الدكتور خالد علم الدين مستشار الرئيس السابق والقيادى بحزب النور السلفى ان هناك أخطاء من جميع الاتجاهات وانه ليس شرطا ان من وضع الدستور هو من وضع القوانين بالاضافة إلى ان هناك مجموعة بسيطة ممن وضعوا الدستور موجودين بمجلس الشورى وليست نسبة كبيرة كما يدعى البعض, فضلا عن ان اختلاف الرؤى الذى تم أثناء وضع الدستور ساهم فى هذه الأزمة. وأضاف علم الدين أن هناك أيضا اختلافاً فى التفسير والتأويل للدستور لذا يجب ان تكون نصوص الدستور أكثر وضوحا ومن يراقب الأحكام يكون أكثر حيادية, ويرى ان الحل فى الخروج من الأزمة الدستورية ان مجلس الشوري يوافق على كل التعديلات التى تحتاجها الدستورية من أجل انهاء هذه المشكلة.