السبحة تلك الحبات المزركشة التى يكمن فى تعدادها الحسنات وفى اقتنائها الحسنات وفى حملها البركات، نورها يملأ قلبك بالإيمان ويتخلل من بينها نسمات الذكر لله رب السموات والأرض، فى حملها وهنًا للوزن وثقلأ فى العمل والبركة، حباتها الحسنات وتعدادها البركات تحلو بذكر الله ويطمئن قلبك بها. تلك الحبات المتراصة لها تاريخ طويلة فى الصناعة، علينا أن نتعرف عليه جميعًا حتى نعلم ما تحمله أيدينا كيف بدأت وكيف وصلت لنا فى ثوبها الراقى المزركش الذى يتفانى صانعوها فى صناعتها ويبدعون فى رسمتها يحصدون حسنات مثل الذى يحصدها من يعد عليها ومن يستخدمها. صناعة السبحة صناعة السبحة مرتبطة بالإبداع والتراث العريق الذى ميز الشعب المصرى، فهى صناعة يعود عمرها إلى نحو 300 عام، واشتهرت بها مصر وتصدرها لدول العالم وفى مقدمتها السعودية بلد القرآن والذكر. ويرجع أصل صناعتها إلى سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، حيث قدم إلى ابنته السيدة فاطمة سلسلة تساعدها على ذكر الله وكانت تستخدمها السيدة فاطمة باستمرار ومن حينها وأصبحت المسبحة من الدلالات الإسلامية المهمة والتى استخدمها جميع المسلمين على نطاق واسع لتساعدهم على ذكر الله. السبحة فى الديانات الأخرى وهناك عدد من الدلائل التاريخية التى تشير إلى أن السبحة عرفت فى الأديان المختلفة فى عصور ما قبل التاريخ، وكانت وسيلة للتعبد لدى البوذيين والبراهمة فى الهند وغرب آسيا. وعرفت باسم »جب مالا« ومعناها عقد الذكر، وتساوى عدد حباتها مع ما يعبده ويؤمن به الهندوس من أبراج ونجوم وكواكب فى مذاهبهم المختلفة. وفى المسيحية، كانت المسبحة تستخدم فى العصور المسيحية الأولى عصور الاضطهاد كوسيلة للتعارف بين النصارى عوضا عن الصليب. أما فى اليهودية فكان للسبحة مكانة كبيرة فى طقوس »الكابالا« الشعائر الدينية المرتبطة بفلسفة الكون، وعرفت باسم »ماه بركوت «أى »البركات المئة«، وكانوا يستخدمونها للتسبيح 100 مرة بشكل متتابع. وعند الشعوب القديمة كانت »السبحة« رمزا وتعويذة لطرد الأرواح الشريرة وحماية الإنسان من الحسد والشرور، وكان البعض يعتقد أن غسلها وشرب مائها يشفى من الأمراض المستعصية. تاريخ السبحة فى الإسلام وفى الإسلام ورد التسبيح لله فى القرآن الكريم فى عدة مواضع، وكان المسلمون الأوائل بمن فيهم النبى الكريم -صلى الله عليه وسلم- يحسبون ويعدون أذكارهم وأمورهم إما بواسطة الأنامل لزيادة الثواب، أو باستخدام الحصى أو نوى التمر والخيوط المعقودة، فكان للصحابى أبى هريرة خيط يحوى ألفى عقدة، كما كان له وعاء كبير يحوى الحصى، وعندما ينتهى منه تملأه جاريته مرة أخرى، وكان لفاطمة بنت الحسين بن على خيط معقود تسبح به أيضا. ومنذ بداية الإسلام وحتى بداية القرن الثانى الهجرى لم يكن المسلمون قد عرفوا استخدام السبحة، ثم انتشر استخدامها فى النصف الثانى من القرن الثانى الهجرى، بينما تعالت بعض الأصوات بإنكارها فى القرن الخامس عشر الميلادى، إلا أن بعض العلماء أفتوا بجواز التسبيح بها بدلا من الأنامل طالما ظلت وسيلة للذكر والتقرب من الله. وينسب إلى الصوفيين الفضل فى صنع السبحة بأشكالها الآن. السبحة المصنوعة فى مصر معظم السبح المصنوعة من الأحجار القيمة والخشب ذى الرائحة العطرة الموجودة فى السعودية وجميع دول العالم هى صناعة مصرية، وقد تتنافس الصين ودول شرق آسيا فى صناعة السبح، ولكن السبح التى تنتجها تلك الدول من خامات بلاستيكية ذات جودة متوسطة مقارنة بما تنتجه الأيادى المصرية. السبح المصرية يتم تصنيعها من الأخشاب القيمة ذات الرائحة العطرة والأحجار الكريمة التى لها تأثير على جسم الإنسان، مثل أحجار الكهرمان الذى يساعد على تنظيم ضربات القلب بقربه من جسد الإنسان، بالإضافة إلى حجر المستكة والذى له رائحة عطرة خاصة لا يمحوها الزمن، والذى أصبح من الصعب استخراجه الآن وبات من الأحجار باهظة الثمن لندرة وجوده. سبحة اليسر التى تعد أشهر أنواع السبح فى العالم تستخرج من شعاب مرجانية فى البحر وهو المرجان الأسود، موضحا أنه يتم تشكيل أحجار سبحة اليسر فى أى مكان فى العالم ولكن يتم تطعيمها بالفضة والألومنيوم فى مصر فقط. ومن الأنواع الطبيعية تلك المصنوعة من العنبر، وهى ناتج صمغ أشجار الصنوبر والليمون المتحجرة منذ آلاف السنين، وكلما زاد عمرها زاد سعرها. ونشأت أسواق كبيرة وباعة متخصصون فى الدول العربية كخان الخليلى فى مصر، وبغداد والكاظمية وكربلاء فى العراق، وكذلك الأسواق فى تركيا وبلاد الشام وإيران والأردن. وتختلف الخامة المصنوعة منها السبحة بحسب المنطقة، فالكويت تشتهر بالسبحات المصنوعة من الكهرمان واليسر المطعم بالفيروز، والمسبحة السورية فى الغالب تصنع من اليسر، وفى لبنان من الكهرب أو الكوربا، وفى السعودية توجد المسابح المصنوعة من اللؤلؤ، وكلما زاد سعرها دلّ على ثراء صاحبها. وتعتبر مصر سوقا نشطا لصناعة السبحات، وتمتاز برخصها بسبب زيادة الأيدى العاملة وتنوع المواد الخام التى تصنع منها، وهى أكبر سوق لصناعة السبحات فى شمال أفريقيا، ويخف تدريجيا كلما ابتعدنا عن مصر كما فى ليبيا وتونس والمغرب والجزائر وموريتانيا وغيرها، وتصنع من العاج كما فى الكونغو الديمقراطية وتنزانيا.