لم تمر صناعة الصلب منذ نشأتها فى حقبة الخمسينات بهذا المنعطف الخطير مثلما تمر به الآن رغم أنها كانت تحقق أرقاماً طيبة فى النمو بداية من عام 2013 إلى أعوام 2016، و2017، و2018 وسجلت المبيعات المحلية فى هذه الفترات أرقاماً كبيرة اقتربت تخطت العشرة ملايين طن، و11.7 مليون. وكانت حصة مصر فى منطقة شمال أفريقيا تصل إلى نحو 51% فى عام 2016 والمدهش أن الصناعة كانت تحقق هذه الأرقام فى ظل وجود حالات من الإغراق ومنافسه غير عادلة وغير مبررة من حديد التسليح، والبليت والخردة المستوردة ويكفى أن نقول إن واردات البليت فى السوق. المصرى كانت تسجل أكثر من المليون ونصف مليون طن. أسباب الانكماش تراجعت صناعة الصلب فى مصر لعدة أسباب جوهريه نلخصها فى السطور التالية بكل وضوح وشفافية وهى: أولاً: التراجع الكبير فى سعر صرف الجنيه مقابل الدولار والذى تجاوز خلال أقل من عام 95٪. ثانياً: العوامل الجيوسياسية المتغيرة والتى دخلت عامها الثالث وما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية وقبلها وباء كورونا. وتعد الحرب أكبر تأثيرا لأن روسياوأوكرانيا من البلدان المنتجة والمصدره للصلب. وكانت مصر من الدول الرئيسية المستوردة لخامات الصلب من أوكرانيا تحديدا، ودخلت تركيا مؤخرا بعد أن زلزلزت أراضيها وهدمت بيوتها وتحتاج إلى مالا يقل مبدئيا عن 4 ملايين طن لإعادة بناء ما تسبب فيه الزلزال مع الإشارة إلى أن تركيا وهى الدوله التى تحتل مركزا بين العشر دول الكبار المنتجة للصلب وهناك شركات مصريه تصدر لها بعض الكميات نمثل العز، المراكبى، السويس. ثالثاً: تسببت الحرب الروسية الأوكرانية بشكل مباشر فى ارتفاع أسعار الشحن بنسبه لا تقل عن 300 فى المائة مع انخفاض الكميات المتاحة من الخردة والبيليت بشكل جنونى حيث وصل سعر الخردة فى مارس الحالى إلى 455 دولاراً للطن مقابل 418 دولاراً للطن فى العام الماضى. ووصل سعر خام البيليت فى تركيا إلى 690 دولاراً للطن. رابعاً: ارتفاع أسعار الطاقة بعد الحرب أدى إلى مشكلات عديدة فى إنتاج الصلب وتصديره وكل ذلك أثر بشكل مباشر على تكلفة الإنتاج. فوضى السوق المحلى بكل وضوح هناك فوضى عارمه فى سوق الصلب فى مصر خاصة فيما يتعلق بسياسة التسعير،وارتكاب الممارسات الاحتكارية من جانب التجار والوكلاء، وهى بطبيعة الحال غير معلنه قد يتم بشكل لحظى بعيداً عن اية قوانين حاكمه. فالمصانع تعلن أسعارها بشكل واضح وفقاً لتكاليف الإنتاج بكل مصنع لكن التجار يقومون بتخزين الحديد انتظارا لارتفاعات متكررة فى الأسعار نتيجة تحركات سعر العملة. وهناك ممن يمتلكون أكثر من مصنع دأبوا فى الاونه الأخيرة على رفع الأسعار تحت لافتة عدم وجود بضاعه لإحداث حالة من التكالب على شراء الحديد بسعر مرتفع. وهناك توجه من البعض بتخزين حديد التسليح إلى ما بعد عيد الفطر المبارك وهو ما يمثل أزمة جديدة. وجميعنا يرى حالة الانكماش والانبطاح فى سوق الصلب حاليا من جراء هذه الممارسات الاحتكارية غير المعلنة.. لا يعقل بأى حال من الأحوال فى دولة القانون أن يكون أعلى سعر لطن حديد التسليح بالمصانع هو 29 ألفاً و500 جنيها فى حين يقوم التاجر والموزع ببيعه بسعر ب34 و35 ألف جنيه. ومن المتوقع أن تكون الأسعار متروكة دون رقابة عقب عيد الفطر فى ظل تلاعب بعض التجار والموزعين الذين يؤثرون تاثيرا قويا على سمعة الصناعة الوطنية. خلاصة القول أن صناعة الصلب المصرية فى حاجه إلى مساندة كافة أجهزة الدولة عن بكرة ابيها وتوفير النقد الاجنبى لها، والافراج عن الخامات الموجودة بالجمارك فورا، وصرف أموال الشركات المصدرة من صندوق مساندة الصادرات التابع لوزارة الصناعة والتجاره، وتخفيض سعر الفائدة، أو منحهم فرصا اطول للسداد. ونذكر مرة أخرى بأن صناعة الصلب المصرية واحدة من الصناعات العملاقة التى تفخر بها مصر حيث أصبحنا أكبر منتج فى المنطقة العربية وشمال أفريقيا متفوقين على سابك السعودية والراجحى، وحديد الإمارات، وقطر استيل، ودول المغرب وليبيا والكويت والاردن والبحرين، وتصدر شركات مصرية مثل العز، والسويس والمراكبى إلى دول كبيرة فى أوروبا.