مدهش أن تندهش، لأنه في زمن اعتياد الأكاذيب والخدع واللعب علي كل الحبال، لا غرابة في أن يصبح الممكن غير ممكن والشاذ طبيعياً، لا غرابة في وصف الضحية بالجلاد، والشجاع بالجبان، والثائر بالبلطجي، والداعي إلي الحرية بالعميل، وبالتالي فلا معني لاندهاشك أو تعجبك إذ لم يعد بمقدورك أن تتخيل أو تتوقع أو تفهم أو تتيقن، لم يعد بمقدورك أن تستخلص الغث من السمين، الصدق من الكذب، الحق من الباطل، ما تراه يخالف ما تسمعه، وما يفرضه عليك واقعك بات أسوأ ألف مرة مما كنت تعيشه، فكر قليلاً ستجد أنك لا تفكر وأن بحثك عن أي شيء قد لا يوصلك إلي شيء لأن غابة المتناقضات التي تحاوطك أكثف من أن تخترقها، المقدمات قد تبدو صحيحة ورغم ذلك تتناقض تماماً مع النتائج، من هذه المقدمات مثلاً: جماعة الإخوان جماعة وطنية، الثورة شاركت فيها جماعة الإخوان، النتيجة التي كانت متوقعة هي حماية الإخوان لكل أهداف الثورة، فهل حمتها الجماعة فعلاً؟ محمد البرادعي هو مفجر الحراك السياسي في مصر ما قبل ثورة يناير، الإخوان تلتف حول البرادعي في مواجهة مبارك، النتيجة الطبيعية كانت لابد أن تكون تماهياً بين البرادعي والإخوان في بوتقة واحدة اسمها «بناء الوطن» وليس كما نري من تبادل للاتهامات بينهما، ووصف البرادعي للجماعة بمحدودية الأفق وضيق الرؤية السياسية والسعي للتمكين من مفاصل الدولة بغض النظر عن الكفاءات، بينما أسقطت عليه الجماعة كل النقائص والاتهامات بالخيانة العظمي وقلب نظام الحكم والاستقواء بالخارج والتخطيط لاختطاف الرئيس مرسي وحرق مقرات الإخوان. الرئيس مبارك كان موجوداً في الحكم مدة ثلاثين سنة رغماً عن الشعب، الرئيس مرسي أول رئيس منتخب بإرادة شعبية، ومع ذلك عندما أطلقت جماعة الإخوان حملة توقيعات ضد مبارك لصالح البرادعي، نجحت الحملة في جمع مليون توقيع خلال سبعة أشهر، وعندما أطلقت جماعة «تمرد» مؤخراً حملة أخري مشابهة ضد الرئيس مرسي نجحت في جمع مليون توقيع في سبعة أيام فقط. أكد الرئيس مرسي في زيارته الأخيرة للبرازيل أن الثورة المصرية نجحت نجاحاً باهراً وأن الاقتصاد المصري يتعافي، وسبق أن وصف في أحد خطاباته من يقول إن مصر سوف تفلس قريباً بأنه المفلس، وبالتالي فالنتيجة المنتظرة هي زيادة الاحتياطي النقدي وهبوط سعر الدولار وانحسار موجة الغلاء لا أن يتم تخفيض تصنيف مصر الائتماني إلي مستوي الخردة. وزير الزراعة السابق شخصية معجزة، وزير الزراعة السابق نجح في أن تحقق مصر اكتفاءها الذاتي من القمح، النتيجة المرجوة أن نحتفي بالوزير المحترم ونهلل له ونتمسك به ونعمل له تمثالاً يذكرنا بعظمة إنجازه الذي لم يسبقه إليه غيره ولا مانع من تحصينه بالأحجبة والأبخرة خوفاً عليه من الحسد لكن هشام قنديل رئيس وزرائنا كرم الله سمعته قرر أن يستغني عنه في التعديل الوزاري الأخير، فهل يعقل أن تكون سياسة رئيس الوزراء هي: هات الأسوأ دائماً؟.. أم أن وزير الزراعة السابق كان يضحك علينا؟.. كل الشواهد تؤكد أن الثورة قامت ولا يزال الفساد نائماً في ربوع هذا البلد والتغيير المنتظر بات أسيراً بيد عواجيز السلطة وكذابي الزفة، وما دمت تقبل عزيزي القارئ ذلك الخلط المسيء المقرف، فأرجوك لا تندهش، ما دمت تتسامح مع من يصرحون ولا يحترمون عقلك ويهدرون كرامتك، فأرجوك لا تندهش، ما دمت تتفرج ولا تشارك لا تتغير ولا تغير، وتعيش الليل كما تعيش الصبح، فأرجوك لا تندهش ولا تتصور أنك ستخرج من غيبوبتك إلا إذا أدركت أن أول الخيط ثورة بشرط أن تحافظ عليها هذه المرة.