التعيينات متوقفة منذ 28 عاماً.. والعجز يصل إلى 10 آلاف طبيب 8 أطباء بيطريين فى القاهرة و6 بالجيزة.. وخريجو 23 كلية فى انتظار التعيين الفشل الكلوى والسرطان والتسمم أمراض تصيب الإنسان بسبب نقص عدد «البيطريين» خبراء: زيادة حالات غش الغذاء تؤكد ضرورة زيادة عدد الأطباء فوراً زيادة الثروة الحيوانية وسلامة الغذاء قضية أمن قومى الطب البيطرى مهنة فى خطر.. هذه العبارة تلخص المعاناة التى يعيشها الأطباء البيطريون فى مصر الآن، فرغم الأهمية الكبيرة لهذه المهنة فى الحفاظ على صحة الإنسان والحيوان معاً، إلا أنها تعانى حالياً من أزمة عنيفة قد تؤدى إلى نتائج وعواقب وخيمة على المجتمع كله. فإذا كان الطبيب البشرى يحافظ على صحة الإنسان، فإن الطبيب البيطرى يحافظ على الإنسانية كلها، لأن معظم الأمراض التى تصيب الإنسان أصلها حيوانى، ولذلك إذا حافظنا على صحة الحيوان فإننا نحافظ بالتبعية على صحة الإنسان، ونوفر على الدولة مليارات الجنيهات التى تنفق على العلاج والأدوية، بالإضافة إلى دور الطب البيطرى فى الحفاظ على صحة الحيوانات التى توفر للإنسان البروتين الحيوانى، وهو ما ينعكس بالإيجاب على صحة الإنسان. ورغم الأهمية الكبرى لمهنة الطب البيطرى إلا أنها تعانى عجزاً شديداً فى الأعداد المفترض تعيينها، وهذا العجز يصل إلى 10 آلاف طبيب يفترض أن يكونوا موجودين فى المراكز والمستشفيات البيطرية فى مختلف المحافظات، إلا أن ذلك لا يتحقق على أرض الواقع. ففى عام 2015 كان العجز فى الأطباء البيطريين يقدر بنحو 6500 طبيب، إلا أنه وصل الآن إلى 10 آلاف، خاصة إذا علمنا أن آخر دفعة تم تعيينها كانت فى عام 1994 أى منذ 28 عاماً، ومنذ ذلك الحين يقتصر الأمر على بعض المسابقات الحكومية التى لم تعين أكثر من 2156 طبيباً خلال 5 سنوات منذ 2015 وحتى 2020، ولذلك فالوضع أصبح خطيراً والمهنة تحتضر، لأن من تم تعيينهم فى عام 1994 اقتربوا الآن من سن المعاش، وبالتالى لن ينقلوا خبراتهم التى اكتسبوها على مر السنين إلى أجيال جديدة من الشباب الذين يحتاجون إلى 5 سنوات على الأقل فى التدريب حتى يستطيعوا العمل بكفاءة، وهذه مشكلة كبرى يجب الانتباه إليها قبل فوات الأوان. الطب البيطرى يعتبر خط الدفاع الأول للوقاية من الأمراض التى تصيب الإنسان والحيوان، ويوفر على الدول الكثير من الأموال التى يتم إنفاقها على القطاع الصحى، فضلاً عن دوره المهم فى سلامة الغذاء والتفتيش على الأماكن التى تتعامل مع البروتين ذى الأصل الحيوانى، سواء كانت مطاعم أو منشآت سياحية أو شركات صناعات غذائية أو غيرها، فى ظل ما نشاهده بين الحين والآخر من ضبط لحوم حمير أو أطعمة فاسدة فى المطاعم بمختلف المحافظات. وبالعودة للتاريخ سنكتشف أن أول مدرسة للطب البيطرى فى مصر أنشئت فى عهد محمد على باشا عام 1827، عندما ركز جهوده فى إعداد جيشه الضخم بأسلحته المختلفة، ومنها سلاح الفرسان الذى توفرت له الخيول، ومن ثم أصبح لزاماً وجود عدد من الأطباء البيطريين الذين أنيط بهم رعاية تلك الخيول وعلاجه، وكانوا من ضباط الجيش الذين كانوا يرسلون فى بعثات إلى فرنسا للتخصص فى الطب البيطرى. ومن وقتها وحتى الآن زادت أهمية مهنة الطبيب البيطرى لرعاية الحيوان والإنسان معاً، إلا أن الأزمة الأخيرة التى تمر بها هذه المهنة ستؤثر فى المجتمع كله، وهو ما أكده الدكتور خالد سليم، نقيب الأطباء البيطريين، مشيراً إلى أن الطب البيطرى مهنة مهمة جداً فى أى مجتمع، وقد بدأت فى مصر منذ عصر المصريين القدماء. وأضاف سليم أننا لدينا أقدم كلية طب بيطرى فى إفريقيا ونمتلك حالياً 20 كلية حكومية و3 كليات خاصة، مشيراً إلى أن هذه الأعداد تدل على أهمية هذا التخصص وزيادة الوعى المجتمعى بأهمية دور الطبيب البيطرى فى الحياة. وأوضح نقيب الأطباء البيطريين أنه إذا كان الطبيب البشرى هو طبيب الإنسان، فإن الطبيب البيطرى هو طبيب الإنسانية كلها والمسئول الأول عن صحة الإنسان والحيوان على حد سواء، لأن ثلاثة من كل أربعة أمراض تصيب الإنسان أصلها من منشأ حيوانى، وهنا تأتى أهمية دور الطبيب البيطرى باعتباره خط الدفاع الأول للوقاية من الأمراض التى تصيب الإنسان والحيوان معاً، ويوفر على الدول الكثير من الأموال التى يتم إنفاقها على القطاع الصحى. وتابع: الطبيب البيطرى يصاحب الإنسان طوال يومه عندما يتناول إفطاره بكوب اللبن أو البيضة، ثم يكمل معه الرحلة طوال اليوم فى كل ما هو بروتين من أصل حيوانى بمختلف أنواعه سواء لحوم أودواجن أو أسماك أو مصنعات لحوم وألبان، وهذا يساوى 50% من إجمالى ما يتناوله الإنسان على مدار يومه، وبالتالى فالطبيب البيطرى يصاحب الإنسان منذ استيقاظه وحتى منامه، وهذا يؤكد الأهمية الكبيرة لهذه المهنة. وأشار سليم إلى أن عدد سكان مصر يتجاوز 100 مليون نسمة وهو ما يحتاج إلى عدد رهيب من الأطباء البيطريين لضمان حماية سلامة الغذاء للمواطن، لكن للأسف عدد الأطباء البيطريين الذين يقومون بالتفتيش على سلامة الغذاء فى المحافظات ضئيل جداً، وأبرز مثال على ذلك محافظة القاهرة التى لا يوجد بها سوى 8 أطباء بيطريين فقط، وفى محافظة الجيزة 6 فقط، وهذه أرقام ضئيلة جداً بسبب توقف تعيين خريجى الطب البيطرى منذ عام 1995. ولفت إلى أن التعيين متوقف منذ 28 عاماً فيما عدا بعض المسابقات التى يتم الإعلان عنها بين الحين والآخر، مشيراً إلى أن جهاز التنظيم والإدارة أقر فى 2015 بأن مصر تحتاج إلى تعيين 6500 طبيب بيطرى، لكن رؤية الحكومة وقتها كانت تتمثل فى تقسيم هذا العدد إلى ثلاث دفعات تم تعيين الأولى منها بنحو 2156 طبيباً على خمس سنوات بعد عناء شديد انتهت فى 2020، ولم يتم تعيين الدفعات الثانية أو الثالثة حتى الآن. وأوضح سليم أن الاحتياجات فى 2015 كانت 6500 طبيب، أما الآن فإننا نحتاج إلى 10 آلاف طبيب على الأقل، كما أن من تم تعيينهم فى دفعة 1994 الآن أعمارهم نحو 50 عاماً واقتربوا من سن المعاش، ولا يوجد الآن جيل جديد يتعلم منهم الخبرات التى اكتسبوها، وبالتالى أصبح نقل الخبرات شبه منعدم، لأن الطبيب البيطرى يحتاج إلى 5 سنوات للتدريب حتى يكتسب الخبرة والكفاءة المطلوبة، لكننا بهذا الوضع سنواجه مشكلة كبيرة فى السنوات المقبلة. وأشار إلى أن عدد الأطباء البيطريين الموجودين حالياً فى الهيئة العامة للخدمات البيطرية ومديريات الطب البيطرى فى مختلف المحافظات هو 8 آلاف طبيب فقط، وهذا العدد لا يكفى إطلاقاً لمراقبة سلامة الغذاء والتفتيش على الأماكن التى تحتوى على الغذاء ذات الأصل الحيوانى، فضلاً عن العلاج والوقاية وإجراء التحصينات والعمليات العلاجية وغيرها من الأدوار المنوط بها الطب البيطرى. وأكد سليم أن هناك ضبطيات يقوم بها مفتشو الطب البيطرى يومياً فى المحافظات لمخالفات متعددة بسبب معدومى الضمير، لكن عدد الأطباء غير كافٍ لضبط كل المخالفات بدليل حالات الفشل الكلوى والسرطانات التى تضاف على قوائم الانتظار فى المستشفيات سنوياً، نتيجة سوء الغذاء وعدم ضبط المخالفات بسبب عجز الأطباء البيطريين. وأكد نقيب الأطباء البيطريين أن القضاء على العجز يؤدى إلى توفير الدولة أموالاً طائلة يتم إنفاقها على القطاع الصحى والأدوية سنوياً، لأن الغذاء غير السليم يتسبب فى إصابة المواطنين بأمراض كثيرة تقوم الدولة فيما بعد بالإنفاق على علاجهم، قائلاً: «الوقاية خير من العلاج، والطبيب البيطرى هو الذى يسهم فى توفير الوقاية للمواطنين بحفاظه على سلامة الغذاء». وأضاف أن عجز الأطباء يؤدى إلى تأخير حملات تحصين الماشية ضد الأمراض المختلفة، فإذا كانت الحملة من المفترض أن تستغرق أسبوعين أو ثلاثة، فإنها حالياً تستغرق 3 أشهر. حماية الثروة الحيوانية وقال الدكتور سامى طه، نقيب الأطباء البيطريين الأسبق، إن الطب البيطرى مهنة عريقة وتعتبر الذراع التنفيذية للدولة لحماية الثروة الحيوانية وصحة الإنسان سواء من الأمراض المشتركة أو سلامة الغذاء. وأضاف طه أنه حينما تطلب نقابة الطب البيطرى بتعيين أطباء لسد العجز فهى لا تطالب بحقوق أعضائها فقط، وإنما تطالب بحق هذا الوطن فى صحة جيدة وسلامة الغذاء، لأن الوطن هو من يخسر نتيجة نقص أعداد الأطباء البيطريين. وأوضح طه أن 50% من فاتورة الغذاء للمواطن المصرى على الأقل من أصل حيوانى أو داجنى، وفى ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، فإننا نتوقع زيادة أكبر لمعدلات الغش فى الغذاء، وهنا تصبح الحاجة ماسة جداً للتعيين الفورى لما لا يقل عن 10 آلاف طبيب بيطرى، فهذا مكسب كبير لصحة الإنسان قبل كل شىء. وأشار إلى أن هناك بحثاً صادراً عن معهد الأورام يشير إلى أن 70% من أمراض مصر ناتجة عن تلوث غذائى سواء أو رام أو غيره، كما أن هناك بحثا آخر صادر عن كلية الطب البشرى بجامعة الزقازيق يشير إلى أن اللحوم المستوردة المخزنة إذا لم تفحص جيداً فإنها ستسبب فشلاً كلوياً للأطفال، كما أن كلية الطب البيطرى بجامعة أسيوط نشرت بحثاً أشارت فيه إلى أنه لو بقرة واحدة تعانى مرض الدرن «السل»، فإنها تكلف الدولة ما لا يقل عن 2 مليون جنيه على علاج المواطنين بعد تناولهم لحم هذه البقرة بعد ذبحها. ولذلك نناشد الرئيس عبدالفتاح السيسى بتعيين الأطباء البيطريين وسد العجز فى هذه المهنة، لأنها فى صالح الوطن قبل أى شىء، موضحاً أن السبب الرئيسى فيما وصلنا إليه الآن هو تنازع الاختصاصات بين وزارتى الصحة والزراعة بخصوص إصدار تراخيص ممارسة المهنة والإشراف على المهنة، ولذلك نكرر ضرورة تدخل رئيس الوزراء لحل هذه المنازعات فى الاختصاصات بأسرع وقت. وتابع فى عهد رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب عام 2015 تم الاتفاق على أن الاحتياجات الفعلية لمصر من الأطباء البيطريين هى 6500 طبيب، وكان قرار التعيين جاهزاً على التصديق لولا اعتراض وزارة المالية التى لم تمول سوى 30% فقط من هذا العدد، كما تم تكليف وزارتى الزراعة والمالية وقتها بعمل مشروع لتكليف الأطباء البيطريين، وكان هذا توجه طيب لكن لم يتم تنفيذه. ولفت طه إلى أن توجيهات وآمال الرئيس السيسى فى تطوير الثروة الحيوانية ومشروعات مراكز الألبان فى مصر لن تتم دون الأطباء البيطريين وكليات الطب البيطرى والمعاهد البحثية المتخصصة، لأنهم المقاتلون الحقيقيين على أرض الواقع سواء للتنمية المستدامة للثروة الحيوانية أو لسلامة الغذاء المقدم للمصريين، بحيث يكون الطعام سليماً بداية من كوب اللبن والبيض حتى نصل إلى اللحوم والدواجن. لا غنى عنه فيما قال الدكتور هانى كمال، كبير إخصائيين بقطاع تنمية الثروة الحيوانية والداجنة بوزارة الزراعة، إن دور الطبيب البيطرى فى تنمية الثروة الحيوانية لا غنى عنه. وأضاف كمال أن الطبيب البيطرى يتابع كل ما يخص الثروة الحيوانية والداجنة والسمكية سواء فى الداخل أو المستوردة من الخارج، سواء كانت فى شكل رؤوس حية أو لحوم جاهزة، بالإضافة إلى حماية الثروة الحيوانية من الأمراض الوبائية الموسمية والكشف المستمر لوصف العلاجات والتحصينات اللازمة. وأوضح كمال أن الطب البيطرى كان عاملاً مؤثراً فى وصول مصر إلى الاكتفاء الذاتى من الدواجن وبيض المائدة والوصول إلى اكتفاء بنسبة 60% من اللحوم الحمراء، ولذلك هذه الثروة تحتاج إلى من يحميها ويحافظ عليها وهم المهندسون الزراعيون الذين يديريون المزرعة ويتابعون المحاصيل العلفية التى يحتاج لها الحيوان، والأطباء البيطريون الذين يهتمون بالجانب الصحى للحيوان، فضلاً عن دورهم الكبير فى التحصينات لأنهم المنوط بهم تحديد نوع المرض والتحصين المطلوب وموعده، وهل التحصين محفوظ جيداً وصالح للاستخدام وسيحقق النتائج المطلوبة أم لا.