صادف قبل أيام اليوم العالمي لحرية الصحافة، ولعل أهم مؤشر للحريات في العالم هو حرية الرأي والتعبير المرتبط ارتباطا وثيقا بحرية الصحافة، ولكن هل هناك محددات لحرية الصحافة في العالم، وهل معايير الحرية تطبق في جميع الدول بشكل متواز ومتساو بحيث يمكن رصد الحالات الشاذة والقاصرة بشكل حقيقي، حتى يمكن لمؤسسات الرصد الغربية التي تهتم بها الحكومات العربية، كي تميز ما بين الأدنى والأعلى في مجال حرية الصحافة. الجواب: قطعا لا، فدول العالم الثالث ومنها الدول العربية دائما ما تكون مادة خصبة للنقد، وهذا فيه الكثير من الحقيقة، لأن ديدن الحكومات والأنظمة والأجهزة الرسمية هو السيطرة على الإعلام أو على الأقل محاولة احتواء الإعلام والصحافة بكافة أنواعها لتتماشى مع مصالحها وتوجهاتها، ولتخدم أهدافها، ويضيق صدرها من وسائل الإعلام الخاصة التي تغرد خارج السرب، أو التي تفضح الممارسات الرسمية وتنتقدها، ولكن في المقابل هناك دولا تمارس البطش الإعلامي ضد القضايا العربية والإسلامية وتسخر من المعتقدات والتقاليد العربية ولكن لا توضع على قائمة الدول التي تحوي صحافة جارحة للعواطف الشعوبية أو مهينة للأديان أو تحمل تحريضا ضد الأعراق والأديان، كما هو الحال في كثير من وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية. العالم في العاصمة الأمريكيةواشنطن، تستطيع أن تشاهد مئات الآلاف من صور الصحف فيnewseum في متحف الصحافة الضخم وجميع ما يتعلق بالصحافة والطباعة والتاريخ الصحفي، والمواد الحسية التي كانت ضمن التحقيقات الصحفية، ولكن من بين تلك الصور هناك صورة مميزة لمؤسسة " فريدوم هاوس " تتعلق بالحريات في دول العالم، حيث يتدرج اللون ما بين أخضر كدولة حرة حتى اللون الأحمر كدولة غير حرة، وتتوسطها ألوان تدل على مستوى الحريات الصحفية فيها، وتبدو الدول العربية من بين دول الشرق الأوسط وحوض البحر الأبيض المتوسط التي يظهر فيها اللون الأحمر طاغ على ما حوله، فيما جزء صغير من الخارطة المرسومة التي تظهر بلاد العرب شرق المتوسط يظهر باللون الأخضر، وهذا الجزء هو الكيان الإسرائيلي، فهو يعتبر قلعة الحرية وسط أودية قمع وتخلف وسجون الحريات ومنها الحريات الصحفية، مع أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي قتلت قواتها صحفيين غربيين أمام الكاميرات. لذلك فإنه من غير الممكن اليوم الحكم على الحريات الصحفية بعيدا عن التجاذبات السياسية التي يعج بها عالمنا العربي، فالحرب في سوريا لا يمكن أن تتيح بيئة صالحة للحرية، فالصواريخ لا تميز بين صحفي وبين مقاتل، أما بقية بلاد العرب فحدث كما تشاء فالصحفي الحرّ والكاتب الصادق غير المنحاز لأي طرف قلما يجد تعاطفا معه من الجانبين، بل كل طرف ينحى عليه باللائمة، ولهذا تجد أن غالبية وسائل الإعلام وكذلك الأقلام هي منحازة قسرا لطرف ما، وأحيانا دون أن تدري، لأن ما تراها قد لا يوافق طرف ما، فيحسبها هو على الطرف الآخر، مع أن خلاصة تقرير الحريات الإعلامية غير المنحاز لو وجد هو الوحيد الذي يقيم تقدم أو تراجع الحريات الصحفية في أي بلد من بلداننا. المشكلة التي تبرز اليوم بصراحة هي في تعريف الصحفي والوسيلة الصحفية، وسط هذا الكم الهائل من المواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية المفتوحة ومواقع التواصل الاجتماعي، فهي تتساقط على أعين الناس كالغبار المحمول من بلد إلى بلد عبر العواصف الرملية، ولا يمكن لأي إنسان أن يحصي كل ذلك العدد من الانفلات الإعلامي الموظف للأسف في غالبيته لعكس المهمة السامية التي طالما كانت الصحافة الرائدة تحملها. نقلا عن صحيفة الشرق القطرية