«الشيوخ» يناقش مشكلات التنمر والعنف داخل المدارس    «البحوث الإسلامية» في اليوم الدولي للأرامل: إنصافهنَّ واجب دِيني ومجتمعي    محمد فريد يلتقي السفير الإيطالي ويستعرض جهود تطوير القطاع المالي    في 10 شهور.. 29.4 مليار دولار تحويلات المصريين العاملين بالخارج    وزيرة البيئة تبحث مع محافظ الوادي الجديد فرص الاستثمار في المخلفات    مصر تدين التفجير الإرهابي الذي استهدف كنيسة مار إلياس في دمشق    وزير الخارجية الإيطالي يجري محادثات هاتفية مع نظيريه الإيراني والإسرائيلي    قمة الصدارة والتأهل.. بالميراس يواجه إنتر ميامي في صراع البقاء والعبور    طريقة مشاهدة مباراة الأهلي وبورتو بمونديال الأندية.. قناة مجانية    بحضور وزير الرياضة ورئيس اللجنة الأولمبية.. احتفاء كبير باليوم الأوليمبي    بعد قليل.. إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية بالإسماعيلية    الفحص الأولي لعقار شبرا المنهار: «مسنود بعروق خشب»    انهيار عقار بشبرا مصر    دار الإفتاء توضح بيان سبب اختيار محرم كبدابة للتقويم الهجري    استشهاد وإصابة 50 فلسطينيا فى مجزرة صهيونية جديدة غرب مدينة خان يونس    عاجل- السيسي في اتصال مع رئيس وزراء اليونان: التصعيد بين إيران وإسرائيل خطر على أمن الشرق الأوسط    استدعاء كبير الأطباء الشرعيين يؤجل استئناف محاكمة المتهم بهتك عرض طفل دمنهور إلى 21 يوليو المقبل    عباءة سيناوية للوزير والمحافظ.. أبناء القبائل يكرمون وزير الثقافة ومحافظ شمال سيناء في نخل    مي فاروق تحيي حفلا بدار الأوبرا مطلع يوليو المقبل    في ذكرى رحيله.. عاطف الطيب مخرج الواقعية الذي وثق هموم البسطاء وصراع الإنسان مع السلطة    وزيرة التنمية المحلية توجه برصد مخالفات البناء أو التعديات علي الأراضي الزراعية    وزير الصحة يفتتح اجتماع اللجنة التوجيهية الإقليمية ReSCO    برلماني: مواجهة ظواهر التنمّر والعنف في المدارس مسؤولية مجتمعية    دعاء الحفظ وعدم النسيان لطلاب الثانوية العامة قبل الامتحان    الليلة.. عرض "الوهم" و"اليد السوداء" ضمن مهرجان فرق الأقاليم المسرحية    ألمانيا تحث إيران على «التفاوض المباشر» مع الولايات المتحدة    غدا.. قطع المياه عن قرية بني عقبة وتوابعها ببني سويف لتطهير وتعقيم المحطة    النقض تحدد أولى جلسات طعن المتهم بإنهاء حياة ثلاثة مصريين في قطر    وزير العمل يبحث مع "اتحاد المقاولين" تدريب العمالة وحمايتها    محافظ أسيوط يؤكد أهمية متابعة المحاصيل الزراعية وتقديم الدعم الفني للمزارعين    بيلينجهام يؤكد خضوعه لجراحة بكتفه بعد مونديال الأندية    صباح الكورة.. ديانج يعلق على مواجهة الأهلي وبورتو و4 أندية تبحث عن مدربين جدد لموسم 2025    تامر حسني يحافظ على المركز الثاني بفيلم "ريستارت" في شباك تذاكر السينمات    د.حماد عبدالله يكتب: عصر "الكتاتيب"،"والتكايا!!"    مدرب إنتر ميامي: مواجهة بالميراس لحظة تاريخية    مدبولي يشهد توقيع عقد تطوير مدينة "جريان" بمحور الشيخ زايد بتحالف بين الدولة وبالم هيلز وماونتن فيو ونيشنز أوف سكاي    البحوث الإسلامية: إنصاف الأرامل واجب ديني ومجتمعي لا يحتمل التأجيل    وزير الإسكان يتابع سير العمل بمشروعات تطوير البنية الأساسية بقرى مارينا السياحية    وزير التعليم العالي يضع حجر الأساس لمركز أورام الفيوم    طرق إضافة الكركم إلى الطعام.. نكهة مميزة وفوائد صحية مذهلة    الزمالك: الإعلان عن المدير الفني الجديد خلال الأسبوع الجارى    الطائفة الإنجيلية بمصر تنعى شهداء «مار إلياس» بدمشق    المجموعة الخليجية بالأمم المتحدة تحذر من تداعيات استمرار التصعيد بالشرق الأوسط    ضبط أحد الأشخاص بالقليوبية لقيامه بإدارة كيان تعليمى "بدون ترخيص"    ممثل منظمة الصحة العالمية في مصر: مرض السرطان تحديًا صحيًا عالميًا جسيمًا    رئيس جامعة قناة السويس يتابع امتحانات كلية الألسن    «التضامن» تقر عقد التأسيس والنظام الداخلى لجمعية العلا التعاونية للخدمات الاجتماعية    شركات الطيران العالمية تراجع خططها في الشرق الأوسط بعد الضربات الأمريكية على إيران    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 23-6-2025 في محافظة قنا    كوريا الشمالية تندد بقوة بالهجوم الأمريكي على إيران    حظك اليوم الإثنين 23 يونيو 2025 وتوقعات الأبراج    حكم الشرع في غش الطلاب بالامتحانات.. الأزهر يجيب    ثورة «الأزهرى».. كواليس غضب الوزير من مشاهير الأئمة.. وضغوط من "جميع الاتجاهات" لإلغاء قرارات النقل.. الأوقاف تنهى عصر التوازنات وتستعيد سلطاتها فى ضبط الدعوة    شديد الحرارة والعظمى في القاهرة 35.. حالة الطقس اليوم    الكشف عن سر إشارة حكم مباراة ريال مدريد وباتشوكا    نيللي كريم تكشف عن مواصفات فتى أحلامها المستقبلي (فيديو)    سى إن إن: منشأة أصفهان النووية الإيرانية يرجح أنها لا تزال سليمة    مندوب إيران بمجلس الأمن: أمريكا الوحيدة تاريخيا من استخدمت أسلحة نووية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سميح القاسم.. رغم الرحيل ما زال يمشي
نشر في الوفد يوم 19 - 08 - 2022


" منتصبَ القامةِ أمشي
مرفوع الهامة أمشي
في كفي قصفة زيتونٍ
وعلى كتفي نعشي"
( الجيزة 1994 )
ذات صباح ممطر شديد البرودة دلفت إلى مقهي صغير داخل حارة" مزنوقة"خلف قسم شرطة الجيزة تقع ما بين شارعي ربيع الجيزي( هكذا كان اسمه ووصفه وشارع أو امتداد - شارع البحر الأعظم( الذي هو النيل ) هكذا أيضاً كان اسمه ووصفه - والذي نتمني له أن يبقي الأعظم مدي الحياة!
المطر مستمر منذ الصباح الباكر بعدما تحركت بنا الحافلة/ الأتوبيس من مدينتي بنى سويف التى تبعد عن العاصمة 120 كم تقريباً. رواد المقهى صامتون، يتدثرون، ويثرثرون، ويحتسون فناجين القهوة والشاي. جاء النادل يسألنى؟: قلت: كوب شاى مظبوط من فضلك. حاضر!
بعد دقائق دخل علينا رجل طويل القامة، نحيف الجسد، ذائغ العينين يحمل فى يده مجموعة من الكتب القديمة، وصحيفة ألأهرام التى تبلل ورقها( رجل مسن بجواري سمعته يقول ساخراَ عندما رآه:" أهلا برجل المطر" ) بعدما تفحص المكان جلس بالقرب منى وعينيه بدأت تتنقل فى اضطراب بين رواد المقهى. من قريب لمحت جهاز كاسيت فوق صندوق خشب متهالك معلق فوق مجموعة صناديق نصفها فارغ مكتوب عليها( بيبسي/ كوكا كولا)! الكاسيت بدأ يصدع بأغنية للست أم كلثوم أظنها كانت ( للصبر حدود). بعد دقائق جاء النادل. تشرب آيه يا أفندي؟ رد: قهوة سادة! وقبل أن يتحرك النادل من أمامه قال له:" ممكن تشغل الشريط ده )
رد النادل: الست شغالة! رد: ما أنا سامع.. وأنا زيك بحبها، بس هو احنا يعنى هنقضى حياتنا جنب الست نقول للصبر حدود؟! ثم قال بغضب: "خد يا راجل سمعنا حاجه تانية... الصبر خلاص زهقنا منه وزهق منا" على مضض تناول النادل الشريط وقام بوضعه مكان أم كلثوم وعاد يمر ببن الزبائن التى مازالت تحاول مقاومة البرد والمطر بقليل من المشروبات الساخنة وكثير من السجائر رخيصة الثمن (والنرجيلة/ معسل السلوم). بعد لحظات بدأت انتبه للموسيقى القادمة من الكاسيت لم أكن قد سمعتها من قبل فوجدتها قوية، حماسية، وثورية، ثم بدأت اسمع:
" منتصب القامة أمشي
مرفوع الهامة أمشي"
الموسيقى ادهشتنى، والكلمات اذهلتنى، والصمت حولى فى المقهى باغتني. بدأ بعض رواد المقهى رغم البرد الشديد ينتبهون معى للغناء أو للهتاف الذى فيما يبدو ومعظهم وقتها كانت أعماره فوق الأربعين من عمره) قد حركت بداخلهم مشاعر قديمة عن القامة، والهامة، والرأس المرفوعة، والكلمة المسموعة، والكفاح، والسلاح، والزيتون، والفنون، والسجون، والكتف والنعش"!
تحركت من مكاني إلى أن جلست بجوار رجل المطر - إذا جاز المسمي - هذا الذى جاء لنا بهذه الأغنيةالحماسية، الرائعة. قال لى بعدما اقتربت منه:" هذه لحن وتوزيع موسيقي لفنان عظيم اسمه مرسيل خليفة ( لم اسمع اسمه من قبل) وهذه كلمات شاعر من كبار شعراء فلسطين اسمه سميح القاسم كنت سمعت اسمه من قبل قلت:" نعم أعرفه لكننى لا أعرف مرسيل خليفة؟ رد بغضب: "خيبة.. وخيبة تقيلة كمان"! قال ذلك بصوت مرتفع، وهو يحتضن كتبه ويدفن السيجارة فى المنفضة أمامه.
منتصب القامة:
"وأنا أمشي وأنا أمشي
قلبي قمرٌ أحمر
قلبي بستان
فيه فيه العوسج
فيه الريحان"
( المقهى بعد 20 دقائق )
من بعيد وقف رجل قصير القامة ممتلئ الجسد وقال:"يا مسعود هذا اسم القهوجى شغل يا سيدى الست أم كلثوم وغير الجدع اللى عمال يندب ده! هنا انفعل رجل المطر ووقف يهتف بصوت عال:" خليكم كده قاعدين تشربوا الشاي والسجائر لحد ما نضيع كلنا هناك وهنا" قال هذا الكلام وهو يسرع نحو جهاز الكاسيت لينزع منه الشريط ( خسارة فيكم تسمعوه)! ثم عاد
ولملم كتبه والصحيفة وترك حساب الشاى وخرج مسرعا غير عابئ بالمطر الذى مازال يواصل هطوله فى الشارع وخرج يتمتم بكلمات سمعتها بصعوبة عن التدهور، والانهيار، والانفتاح، والمقاومة، والتطبيع، والتجويع، والسلام، والكلام، والزمان، والمكان، والمعاهدة، وقبل أن يبتعد عنا قال لى:" سيبك منهم وابقي استمع لموسيقي مرسيل خليفة وأقرأ شعر المقاومة وشعر سميح القاسم" قال ذلك ثم غاب تحت صحيفة الأهرام التى ما زالت في يده يضعها فوق رأسه لتحميه من المطر الذى بدأ يهدأ قليلاَ. إلى الكاسيت عاد النادل وأدار شريط أم كلثوم التى اكملت اغنيتها ( للصبر حدود ) فيما سمعت شخص بجواري كان يلعب ( الدمينو) مع زميل له - فيما يبدو - يقول هامساً :" ده شكله يقصد رجل المطر شيوعى.. من الجماعة بتوع اليسار... أنا بعرفهم من شكلهم من أيام الجامعة. مفيش وراهم غير أغانى الشيخ أمام ونجم والقضية، وفلسطين، والنكبة والنكسة". بعد دقائق توقف المطر فخرجت مسرعاً فى طريقي نحو ميدان الجيزة الذى لم يكن يبعد كثيراً عن عن ذلك المقهي الصغير!
منتصب القامة:
"شفتاي سماءٌ تمطر
نارًا حينًا
حبًا أحيان"
( القاهرة بعد عام )
وفى يوم من أيام عام 1995 وأثناء تسكعى مع صديق فى شارع نجيب الريحانى ( وسط البلد ) فى طريقنا إلى ميدان رمسيس كنا فى انتظار القطار من محطة السكة الحديد حيث وجدت عند بائع الصحف فى الميدان صحيفة ( أخبار الأدب ) العدد 90 مازلت احتفظ به وعلى غلافها عنوان رئيسي ( سميح القاسم فى أحدث قصائده) اشتريت منها نسختين نسخة للقراءة ونسخة للزمن وفى الصفحة 18 و19 منه نشرت الصحيفة له أحدث قصائده ( إذن.. أزرع الحبق ) تحت عنوان" الشاعر سميح القاسم أحد أبرز الأصوات فى الشعر العربي المعاصر، ومنذ ذلك اليوم وقبله من يوم المقهى الصغير وأنا أحرص على قراءة أشعاره متى وجدتها، عملاَ بنصيحة (رجل المطر ) الذى التقيت به بالصدفة قبل عام فى ذلك الصباح الممطر.
منتصب القامة:
"في كفي قصفة زيتونٍ
وعلى كتفي نعشي
وأنا أمشي وأنا أمشي"
( القاهرة 2021)
خلال حديث طويل ممتد بينى وبين الشاعرة والصحفية الفلسطينية/ المصرية سهام داودد عرفت أنها صديقة مقربة من الموسيقى الكبير مرسيل خليفة فطلبت منها الوصول إليه بما اننى فشلت فى الوصول إلى الشاعر سمي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.