«لا تعتكف يا قداسة البابا».. عنوان لمقالة حانية تفوح بعطر أزاهير المحبة في زمن الحزن على وطن يعيش مُقبحوه وهم يتسربلون بأردية بيت السلطان، بينما يتسربل بالدم ضحاياهم في حوش الوطن، في صحن الأزهر الشريف أو ساحة الكاتدرائية، المقال للكاتب الرائع حمدي رزق. . وفي افتتاحية يحملها دعوة محب عاشق للوطن المسجد والكنيسة يقول رزق «فليخرج البابا تواضروس الثانى من ديره الذى اعتكف (دير الأنبا بيشوى)، وليمسك صليبه الذى يتوكأ، وليُقمْ قداس عيد القيامة، المسلمون قبل المسيحيين يتوقون لاحتفال يبدد الظلمة، ينير ليل مصر البهيم، يمسح الأحزان التى أغرقت الأرض الطيبة فصارت صعيداً زلقاً، ويبلسم الجروح التى تقيحت، وتقرح الجسد من فراش الشوك الذى نتوسده غصباً، قداس نفرح فيه بوحدتنا، ننبذ فيه فُرْقتنا، «سأراكم وتفرح قلوبكم ولا أحد ينزع فرحكم منكم، أنتم ستحزنون ولكن حزنكم يتحول إلى فرح». (يو 16: 20 – 22)... وأنا أشارك الصديق العزيز دعوته للبابا للخروج من دوائر الاعتكاف، وبالآية التي استشفه بها المحفزة المُعزية لقلوب الحزاني الواعدة بالفرح العميم للمؤمنين، وأن خاطف الفرحة من القلوب ليس له وجود في دنيا من يعرفون الله العظيم القدير الذي نتشارك جميعاً في عبادته، ونبتهل إليه مع الإمام الشافعي رحمه الله.. فصار قرين الهّم طول نهاره ** أخا السهد والنجوى إذا الليل أظلما يقيم إذا ما الليل مد ظلامه ** على نفسه من شدة الخوف مأتما يقول حبيبي أنت سؤلي وبغيتي ** كفى بك للراجين سؤلا ًو مغنما نعم، قداسة البابا، أرجوك «لا تعتكف»، فإذا كان الاعتكاف للصلاة من أجل البلاد والعباد فلتصلي بنا في كنائس الحوامدية ومحلة روح وسرس الليان ونجع حمادي والخانكة والخصوص، وعلمنا من جديد الصلاة كما علم السيد المسيح حواريه، وإذا كانت حياتنا باتت كأسبوع آلام ممتد، فسبت النور قادم وسنرفع معا شموع تضاء في عتمة القبر المقدس لتحيل ظلمة أيامنا نوراً عميماً.. دع قداستكم جماعة العهد الماضي بمستشاريه من حملة مباخر التزلف، وقناعاتهم وشللهم الغبية التي يمكن أن تحول بينكم وبين الناس.. نعم، قداسة البابا، أرجوك «لا تعتكف».. لقد كان سابقك يعتكف ليوجه رسالة ضاغطة لمبارك في مقابل رسائل ضاغطة أخرى من جماعات التشدد التي كانت تخيفه لو أبدى أي تعاطف مع ضحاياهم، أما الآن فقد باتوا على كراسي الحكم، وصار اللعب على المكشوف بعد أن وصفهم كبيرهم بأنهم غلاظ الجلود ولا يبالون بالمشي على الأشواك.. نعم، هم يدوسون كل يوم على ورود ورياحين حدائق وبساتين الوطن غير مبالين بأشواكها الحارسة، ولا يرون في الزهور جمال إبداع الخالق ولا في أريج عطرها راحة لنفوسهم.. نعم، قداسة البابا، أرجوك « لا تعتكف».. ما جدوى الاعتكاف بعد أن ذكر الدكتور عصام حداد، مساعد رئيس الجمهورية للعلاقات الخارجية والتعاون الدولى، في بيان له باللغة الإنجليزية على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، يقول فيه: إن رئاسة الجمهورية تتابع باهتمام بالغ ما وقع من مصادمات بين مسلمين ومسيحيين فى منطقة الخصوص بالجيزة، وما تبع ذلك من تصعيد أمس الأول الأحد، خلال جنازة المسيحيين القتلى. وما أشار إليه في بيانه «أنه أثناء تشييع الجنازة قام بعض المشيعين الغاضبين بالاعتداء على السيارات المارة فى شارع رمسيس، ما أدى إلى قيام البعض بجوار كاتدرائية العباسية بإلقاء الطوب وإطلاق النار، مما أدى إلى مزيد من التصعيد وتبادل إطلاق النار، وأن كاميرات المراقبة أثبتت أيضًا وجود أشخاص يحملون أسلحة ومولوتوف على سطح الكاتدرائية وأيضا خارجها وداخلها، مما دعا الشرطة إلى التدخل لتفريق المتجمهرين باستخدام قنابل الغاز».. أي اعتكاف يُجدي مع نظام قرر ممثلوه إصدار الأحكام وتوصيف الجناية قبل عمل رجال التحقيق؟، وأي مقاومة سلبية يفهم معناها من وصف الشهداء بالقتلى وانحاز بغرابة إلى جانب جناة وشرطة تحالفوا للاعتداء على البيت الكبير للأقباط لأول مرة منذ وجود المسيحية الأرثوذكسية في العالم. نعم، قداسة البابا، أرجوك «لا تعتكف» بعد أن قدمت أوراق اعتمادك الرائعة بطريركاً عظيماً، عبر ما أدليت به من تصريحات تليق بقداسة ومسئولية المنصب، وبرغم مرارة الحدث وتبعاته المحبطة، فقد فرحت بما قلتم.. ففي البداية راعيتم دور الكنيسة الروحي «الكنيسة في حماية الله، نُصلي من أجل أولادنا».. ثم تشخيص للأزمة وأبعاد تبعاتها بوضوح وجرأة «حق الشهداء وحق كل من أصيب في تلك الوقائع في رقبة المجتمع والدولة لأن الكنيسة وأمر حمايتها وحماية المواطن المصري القبطي في رحاب كنيسته مسئولية أجهزة الدولة المعنية».. إعلان رد فعلكم الشخصي بناء على توصيفكم للحدث «هناك تقصير وإهمال وهو ما يسبب الشعور بالألم الشديد، ولابد من وقفة لأن الحكاية تخطت كل الخطوط الحمراء».. ثم توجهون حديثكم لأجهزة الدولة المعنية «أنا منتظر الدولة هي التي تتخذ الخطوات الجادة.. نعم الكنيسة في حماية الله، ولكن الدولة لابد أن تكون واضحة وحازمة تجاه الأزمة».. ثم محذراً بلغة صاحب الرؤية «أنا متأكد من مشاعر الأغلبية الطيبة، وعليه كان معرفة القلة والتصدى لهم أمراً ضرورياً وعلى وجه السرعة.. دولة إزاي إذا ما كنتش تحمي مؤسساتها.. الكنيسة أول مؤسسة مصرية خالصة، صورة الحدث بره في التراب وشاهدوا أغلفة الجرائد والمجلات في العالم.. نحن أمام وطن ينهار.. ما حدث لا يحتاج إلى توجيه من جوه ولا بره.. نحتاج لقانون يقظ.. الغالبية متماسكة.. الكنيسة تعبر عن نفسها ولا تطلب حماية إلا من الله...». وأعود لأنشودة حمدي رزق التي اختتم بها مقاله.. «فلنهشَّ البوم عن أغصان الوطن، فلتحط حمامات السلام على الغصن الأخضر، هديل الحمام، تراتيل الرهبان، تسابيح القسس، أدعية الصباح، أذان الفجر،، فرحة الأطفال، أطفال تانت تريزا يلهون فى الحوش، حوش الوطن، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون طالما هناك بيوت يُذكر فيها اسمه، اسم الله، يا رب لا عمر كاس الفراق المر يسقينا، ولا يعرف الحزن مطرحنا ولا يجينا، وغير شموع الفرح ما تشوف ليالينا»..