مُرة تلك الحياة التي يعيشها غالبية المصريين فلا هم يحيونها كريمة ولا هم قادرون علي تغييرها، الفقر صخرة تتحطم فوقها كل أحلامهم والأزمات تتعاظم حتي كادت تفقدهم صوابهم والغلاء يفترس راحة بالهم ونقاء ضميرهم وحرية اتخاذهم للقرار.. والسؤال الذي يشغل الجميع : هل قامت ثورة يناير لتنتقل مصر من حكم مبارك الفاسد إلي حكم الدكتور مرسي الأفسد؟.. هل مكتوب علي هذا الشعب أن يبقي طوال تاريخه أسيراً لمظالم مستعبديه سواء من أهله أو الوافدين عليه؟.. قديماً ضاق المصريون بحكم الآشوريين، وبمجرد أن تحرروا منهم تلقفهم الفرس، فالمقدونيون، فالرومانيون، فالعرب، فالمماليك، فالعثمانيون، فالفرنسيون، فالإنجليز، وحتي بعد أن تخلصت مصر من النظام الملكي عام 1953 واستقلت نهائيا عن إنجلترا عام 1956 إذا بها تقع في فخ التبعية للسوفييت من جديد أيام جمال عبدالناصر وللأمريكيين أيام السادات ومبارك وأخيراً الدكتور مرسي. منذ ثورة بيبي الثاني في أواخر عهد الأسرة السادسة أي منذ حوالي ثلاثة آلاف سنة تقريباً إلي قيام ثورة يناير والشعب المصري يحلم بالحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية إلا أن أحلامه كانت دوماً تتحول إلي كوابيس، منذ ثورة بيبي الثاني إلي ثورة يناير والمصريون يدفعون أثماناً باهظة بحثاً عن التغيير ويثورون من أجل إنجاحه، إلا أن ثوراتهم غالباً ما كانت تنجح في بدايتها وبسبب صراع الطامعين علي المكاسب ليأتي الحصاد أمر من قسوة الأيام لذلك يمكنني الجزم وأنا ممتلئ بالحسرة والألم بأنه لم تنجح ثورة في مصر علي مر تاريخها وتعالوا لنجنب العواطف ونعيد قراءة بعض النماذج الثورية في حياتنا: مثلا في أواخر عصر بيبي الثاني وبعد أن فاض الكيل بالمصريين، خرجوا للشوارع في أول ثورة عرفها التاريخ وهتفوا بسقوط الملك ثم حاصروا قصره ثم قتلوه وهدموا معابد الكهنة واعتدوا علي المحاكم وذبحوا موظفي المصالح الحكومية وانهارت السلطة المركزية لتسقط مصر في صراعات بين مجموعة من الساسة صارعوا لركوب الثورة والنتيجة لا هم ربحوا ولا مصر استقرت إلا بعد مائة وخمسين سنة من نهاية حكم بيبي الثاني. مع بداية الأسرة الثالثة عشر ينجح الهكسوس في احتلال مصر ويعيثون فيها فسادا وظلما ويفرضون علي أهلها الضرائب الباهظة ويغتالون الأمن والأمان، إلي أن جاء «سكنن رع» في أيام الأسرة السابعة عشر، وقاد ثورة عظيمة ضد الهكسوس وبعد اغتياله في إحدي معارك الشرف يستكمل أحمس الأول رحلة الكفاح ويستولي علي عاصمة الهكسوس أوريس ثم تحرير مصر نهائيا منهم، ورغم فتوحاته العظيمة في سوريا وفلسطين والعراق تدب الخلافات ثانية بين الملوك وأمراء الأقاليم ليحل الضعف محل القوة والتردي بديلا عن الانتعاش الاقتصادي إلي أن يأتي عصر أمنمحات الرابع «إخناتون» صاحب أعظم ثورة دينية في التاريخ وأول من نادي بالتوحيد، لكن التأثير الإيجابي لدعوته أزعج الكهنة من أتباع الديانات المصرية القديمة مما أدي لانقسام المصريين بين أتباع لآتون إله الشمس وأتباع آمون وأوزوريس. وتمر الأيام وتفشل الثورات تلو الثورات، الثورة علي رمسيس الثالث، ثورة الأقباط علي العرب نهاية العصر الأموي، الثورات علي المماليك الثورة الأولي والثانية علي الفرنسيين ثورة عرابي ضد الإنجليز ثورة سعد زغلول ثورة 23 يوليو وأخيراً ثورة يناير التي اختطفتها جماعة الإخوان المسلمين، تلك الجماعة التي كانت تحظي بمصداقية شعبية لم تتح لمثلها وكان المأمول فيها أن تقدم لعموم المصريين نموذجاً للحكم الإسلامي الذي من المفترض أن يشهد بعظمته القاصي والداني الفقير والغني، لكن صراعها علي الحكم أنساها كيف تحكم وما هي أولويات المصريين، بالإضافة إلي أن سعيها للمغالبة لا المشاركة خصم من رصيدها الضخم في قلوب المصريين، كما أن ترددها في اتخاذ القرار روج لعموم الاحتقان والانقسام وتراجع دولة القانون لصالح دولة البلطجة وكأن الأيام تأبي إلا أن تعيد إنتاج مرارة الثورات التي لم تكتمل والفشل المتكرر للنخب السياسية المتصارعة ليبقي السؤال الذي يجب أن نفتش له عن إجابة: هل الثورة حرام علي المصريين؟