رغم اختلافى مع الرئيس مرسى فى العديد من قراراته، إلا أننى أتفق معه فيما يتخذه من مواقف تجاه إيران وتركيا وأمريكا وإسرائيل، فهو يلعب معهم بذكاء يحسد عليه، وإن اختلفت طريقة اللعب من دولة لأخرى حسب قوتها وأهدافها، ومدى تناغمها أو تقاطعها مع مصالح جماعة الإخوان المسلمين التى يلتف الرئيس بعباءتها. ولأن المجال لا يتسع هنا لتوضيح كل المواقف مع تلك القوى الدولية والإقليمية المؤثرة، سأتوقف عند التقارب المصرى-الإيرانى، الذى بات يمثل إزعاجًا شديدًا لأبناء العم سام فى أمريكا، وحلفائهم فى تل أبيب. ويبدو أن الإدارة الأمريكية أخطأت فهم إشارات جماعة الإخوان المسلمين، وظنت أنه بالإمكان استغلال الحالة السياسية والاقتصادية التى تمر بها مصر فى تطويع الإخوان لخدمة المصالح الأمريكية فى المنطقة، وهو ما يفسر وقوف واشنطن بجانب الإخوان ودعمهم حتى صعودهم إلى السلطة على جثة نظام مبارك والمجلس العسكرى. لقد اعتقد الأمريكان أن مصر الإخوانية (السنية والسلفية) ستكون بوابة مغلقة وعصية أمام المد الإيرانى الشيعى فى المنطقة، وتخيلت أن مصر لا يمكن أن تشبه العراق وسوريا وجنوب لبنان وبعض دول الخليج والمغرب العربى، وسرعان ما تحطمت آمال الأمريكان أمام التطبيع السياسى الاقتصادى المصرى-الإيرانى الذى بدأه الرئيس أحمدى نجاد بزيارته للقاهرة، وتوج بإقلاع أول طائرة مصرية إلى طهران بعد 34 عاماً من القطيعة، عادت من هناك محملة بعشرات السائحين والدبلوماسيين الإيرانيين. وتكمن أسباب القلق الأمريكى من هذا التقارب فى أن إيران هى الدولة الإقليمية الوحيدة القادرة على منافسة إسرائيل نووياً، وأنها تريد الوصول إلى القاهرة، لتكمل حلقة السيطرة على قلب الشرق الأوسط وهو ما يتعارض مع مصالح واشنطن وتل أبيب.. وتراهن الولاياتالمتحدة الآن على الرفض الداخلى المصرى للمد الشيعى، وتتابع عن كثب خلافات الإخوان مع السلفيين، الذين لن يقبلوا بأى تقارب يمكن أهل الشيعة من التغلغل فى مصر على حساب أصول العقيدة الإسلامية والسنة النبوية. كل المؤشرات تؤكد أن الاختلاف المذهبى الكبير بين السنة والشيعة لن يدع للإيرانيين أن يهنأوا لثمار هذا التقارب كثيرًا، وأن يحققوا حلم العودة لقاهرة المعز لدين الله الفاطمى، لنشر التشيع مجدداً بعد أن قضى عليه صلاح الدين الأيوبى بغلق الأزهر لتطهيره من التطرف الدينى المذهبى، حتى يعود منبرًا وقلعة للاعتدال والوسطية. وبغض النظر عن الاختلاف والثمار فإن ما يهمنا هنا مصلحة مصر، فلماذا لا نستفيد اقتصاديًا وسياحيًا من إيران(؟!!) وما الذى يضير أهل المحروسة إذا جاءها من «قم» ومدن الشيعة الأخرى الآلاف يومياً؟! فمصر التى فشل الفاطميون فى تشييعها على مدى قرنين من الزمان هى مصر الجديدة بعد 25 يناير، التى يدرك شعبها أهداف النظام الإيرانى ومآربه ويرفض وبكل قوة إساءات الشيعة للرسول وزوجاته والصحابة.. فالمصريون يعلمون أن هدف «الرافضة كما يلقبهم البعض استعادة مصر وتصدير التشيع من خلالها، واستكمال حلقات بدأوها فى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى انطلقت على يد حسن شحاتة خطيب مسجد كوبرى الجامعة بالقاهرة، واستمرت حتى الآن عبر مشايخ بعض الطرق الصوفية الذين استثمروا الحرب الأمريكية على العراق ونزوح الآلاف من بغداد باتجاه مصر عام 2003 للترويج لفكر التشيع، وأصبح للشيعة جبهتان، الأولى برئاسة محمد الدرينى، والثانية بقيادة محمد النفيس، وكلاهما يسعى إلى إنشاء حزب سياسى للشيعة فى مصر مستغلاً العلاقة القوية التى تربط نظام مرسى بحركة حماس. وقد يسأل كثيرون.. لماذا يقصد الإيرانيون مصر الآن؟ وهو ما نجيب عليه الأسبوع القادم بإذن الله.