قبل 126 يوماً التف المصريون حول الشاشات والإذاعات، مترقبين قرارات رئاسية هامة بحسب التنويهات الإعلامية التى استمرت طيلة يوم الحادى والعشرين من نوفمير الماضى. وبعد انتظار، اعتاد الشعب عليه، علا صوت الدكتور ياسر على المتحدث باسم رئيس الجمهورية ليعلن تعيين المستشار طلعت إبراهيم عبد الله نائباً عاماً ضمن عدد من البنود التى شملها الإعلان الدستورى المكمّل، وهو ما أحدث صدمة داخل الوسط القضائى لما تضمنه القرار من تجاوز صريح للمجلس الأعلى للقضاء المكلف قانوناً باختيار من يتولى هذا المنصب. واستمرت الهيئات القضائية طيلة ما يزيد على أربعة أشهر تندد بعزل النائب العام عبدالمجيد محمود وتعيين بديل له، للدرجة التى وصلت لمحاصرة أعضاء النيابة العامة لمكتب «عبدالله»، وهو ما بادلته الرئاسة بصمت مريب، إلى أن أصدرت محكمة استئناف القاهرة «دائرة طلبات القضاة» أمس حكمها الذى تمثل فى إلغاء قرار الرئيس محمد مرسى وإلزام المجلس الأعلى للقضاء بتحديد ثلاثة مستشارين لتختار من بينها الرئاسة نائباً عاماً جديداً، وهو ما اعتبره المتابعون للمشهد السياسى استرداداً لهيبة دولة القانون. ومع حالة التفاؤل التى أصابت الكثيرين بعد الحكم القضائى ظهر حزب الحرية والعدالة المنبثق من جماعة الإخوان المسلمين، ليقلب الطاولة ببيان يؤكد قانونية استمرار النائب العام الحالى طبقاً لما أصدرته محكمة استئناف الأزبكية فى هذا الشأن. وأوضح البيان الذى أوضح أن الشعب المصري أقر بغالبية تقارب الثلثين في دستوره الدائم على أن منصب النائب العام بطبيعته محصن ولا يجوز عزله، كما جاء به أن المادة 236 من الدستور تنص على إنفاذ ما ترتب علي الإعلانات الدستورية من آثار، ومن بينها إعلان 21 نوفمبر الذي بموجبه تم عزل النائب العام السابق، وهو ما يطرح تساؤلاً حول السيناريوهات التى من المتوقع أن تنفذها جماعة الإخوان المسلمين للإلتفاف على الحكم القضائى بعزل المستشار طلعت عبدالله. وفيما أكد قانونيون عدم قدرة «الإخوان» والرئاسة على الالتفاف على الحكم القضائى إلا بالطعن أمام محكمة النقض، يلوح فى الأفق أسلوب ضغط الشارع عبر إمكانية تنظيم مظاهرات يحشد لها أنصار الجماعة للمطالبة باستمرار النائب الحالى، وفى هذا الشأن لا يمكن تغافل ما قام به المنتمون للتيار الإسلامى من محاصرة المحكمة الدستورية العليا أوائل ديسمبر الماضى لمنع أعضائها من نظر الطعون المقدمة ضد تشكيل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور ومجلس الشورى. قال الدكتور شوقى السيد الفقيه الدستورى: إن الحكم بعزل النائب العام الحالى لم يكن مفاجأة لكون الرئيس قد اعتدى على السلطة القضائية قبل 126 يوماً عبر بنود إعلانه الدستورى المكمل، موضحاً ان الطعن أمام محكمة النقض هو السبيل الوحيد أمام رافضى القرار. وانتقد «السيد» بيان «الحرية والعدالة»، مؤكداً أن الحزب ليس طرفاً فى الأزمة لإصدار بيانات أو التعليق على الحكم، ولفت إلى أن ستين حزباً لم يبادروا بتأييد أو رفض إلغاء قرار تعيين النائب العام الحالى كما فعل حزب الأغلبية. وأشار إلى أن الأفكار الشيطانية ل«الحرية والعدالة» هى التى وضعت الرئيس فى هذا المأزق، فالأخير يأخذ بمشورة الأول، مما أدى إلى غضب شعبى وارتباك دستورى، وتابع:«على حزب جماعة الإخوان المسلمين أن يتوارى خجلاً عن المشهد السياسى». وأكد الفقيه الدستورى أن الحكم الأخير يعد رداً للعدوان على السلطة القضائية، مشيراً إلى أنه أعطى درساً لفقهاء السلطة ومستشارى السوء بحسب وصفه، وأضاف أن المكابرة والعناد هما ما أوصلا مؤسسة الرئاسة لهذا الموقف المحرج أمام الرأى العام. وشدد «السيد» على ضرورة اعتذار «مرسى» للشعب والقضاء بعد العدوان الفج الذى ارتكبه فى حقهما، موضحاً أن النائب العام السابق عبدالمجيد محمود يكفيه الحكم وليس طرفاً فى الأزمة. وحول الحكم الصادر من محكمة الأزبكية بقانونية تعيين «عبد الله» أكد خطأ إحالة الدعوى إليها من الأساس لكونها مختصة بالجنح وليس بالاستئناف. وقال الدكتور الشافعى بشير استاذ القانون بجامعة المنصورة، إن ما جاء ببيان حزب الحرية والعدالة ليست له قيمة قانونية، لأن نظر صحة عزل «محمود» جاء على ضوء ما كان موجوداً فى الدستور القديم المعمول به وقت الأزمة، مؤكداً فى الوقت نفسه أن دائرة طلبات القضاة لم يغب عنها النص الوارد فى الدستور الجديد. ووصف «بشير» البيان بكونه متحيزاً بطبيعة الحال لقرار الرئيس، مشدداً على أن الرئيس وجماعة الإخوان المسلمين ليس أمامهما أى وسيلة لمواجهة الحكم القضائى سوى الطعن أمام محكمة النقض خلال ستين يوماً من صدوره. واعتبر طعن الرئاسة على الحكم بمثابة فضيحة أخرى لها أمام الشعب، لافتاً إلى تصريحاتها الخاصة برفض الطعن على الأحكام القضائية خلال أزمة بطلان قانون الانتخابات البرلمانية، وهو ما سيظهرها فى موقف متناقض، وقال إن أفضل تصرف للرئيس هو احترام سيادة القانون «ولو لمرة واحدة فى حكمه» بحسب قول «بشير». وعن حكم محكمة الأزبكية أكد استاذ القانون أن الحكم الأخير صادر من دائرة مختصة بطلبات القضاة، وأضاف:«تلك الدائرة هى المختصة بنظر طلبات القضاة والحكم فيها وليس أى محكمة، أما الأزبكية فهى غير مختصة بالأمر من الأساس». وأكد أبو العز الحريرى القيادى بحزب التحالف الشعبى الاشتراكى، عدم قدرة جماعة الإخوان المسلمين علي الالتفاف على الحكم القضائى، مشيراً إلى أن أي تصرف من جانبها سيكون هزلياً ولا قيمة له. وأضاف «الحريرى» أن الدستور الجديد الذى تستند إليه الجماعة للتشكيك فى قانونية الحكم القضائى، بنى على باطل، مؤكداً ضرورة العودة إلى دستور 1971، مشيراً إلى أساليب الإخوان المسلمين بالضغط على سيادة القانون عبر محاصرة المحكمة الدستورية العليا لمنع أعضائها من إصدار حكم ببطلان تشكيل الجمعية التأسيسة لصياغة الدستور ومجلس الشورى. وأشار حسين عبدالرازق عضو المكتب الرئاسى لحزب التجمع والقيادى بجبهة الإنقاذ الوطنى، إلى عدم فاعلية أى تصرفات تصدر عن الإخوان المسلمين تجاه الحكم القضائى الأخير، لافتاً إلى أن عادة الجماعة فى تنظيم مظاهرات حاشدة للضغط لن تجدى هذه المرة لكون الرأى العام يؤيد إلغاء تعيين النائب العام الحالى، ووصف إقدامها على ذلك ب«المغامرة». وأوضح «عبد الرازق» أن منطوق الحكم القضائى لا يتضمن عودة المستشار عبدالمجيد محمود إلى منصبه، مشيراً إلى أنه يقضى فقط بإلغاء تعيين المستشار طلعت عبد الله. فيما قالت الدكتور كاميليا شكرى عضو الهيئة العليا لحزب الوفد إن أى تصرف للإخوان المسلمين ضد الحكم القضائى معناه الاستمرار فى حلقة مفرغة من مسلسل عدم سيادة دولة القانون. واستبعدت «شكرى» محاصرة أنصار الجماعة لمحكمة استئناف القاهرة على غرار ماحدث أمام «الدستورية العليا» قبل نحو أربعة أشهر، مشيرة إلى تآكل شعبية الإخوان المسلمين خلال الفترة الأخيرة لأسباب عديدة أهمها تصريحات قياداتهم غير المتزنة. وأوضحت عضو الهيئة العليا لحزب الوفد أن قيام الجماعة بالتظاهر أو محاصرة المنشآت سيضعف من موقفها أكثر ولن يؤتى بما تتمناه من أهداف.