الأخلاق جمع خُلق؛ والخُلق: «هيئة للنفس راسخة تَصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر، بدون حاجة إلى فكر وروية؛ فإن كان الصادر عنها أفعالاً حسنة كانت الهيئة: خُلقًا حسنًا؛ وإن كان الصادر منها أفعالاً قبيحة كانت الهيئة: خلقًا سيئًا» (الجرجانى فى كتابه «التعريفات»). و«الأخلاق» ضرورة للاجتماع الإنسانى.. بدونها يتجرد الإنسان من إنسانيته! ولا يمكن ترك المجتمع بلا أخلاق، أو لمحددات القانون فقط؛ لأن هناك مساحة يصعب تنظيمها بالقانون، وهى مساحة المروءة والعطف والاحترام والتراحم.. هذه مساحة لا بد من مَلْئِها بالأخلاق وليس بالقانون.. القانون قد يمثل الحد الأدنى لضمان الحقوق؛ بينما الأخلاق توفر الوازع لدى كل شخص ليلتزم بالقانون وليسمو على ثغراته، وليرتقى بالحد الأدنى إلى المراتب العليا. كما أن الأخلاق ركيزة إسلامية أساسية؛ بل عليها مدار الرسالات السماوية، وجاء الإسلام لِيتمِّمَها؛ فالتزام الأخلاق هو التزام بالدين نفسه الذى جاء برسالة أخلاقية راقية، وفى الحديث الشريف: «إنما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخْلاقِ» (السلسلة الصحيحة). وأيضًا: «إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ، أحسنُكم أخلاقًا» (رواه البخاري). و«الحضارة» لا تقاس بإنجازها الكمّى وعمرانها المادى، وإنما بتراكمها الخُلقى وعمرانها النفسى والأخلاقى، ومعرفة ما تسهم به لخدمة الإنسان من حيث هو إنسان؛ إسهامًا يعلو على النظرات العنصرية والتصنيفات الضيقة. وعلينا أن ننتقل بخطابنا الأخلاقى من مرحلة القيم والحديث النظرى عنها، والمباهاة بما لدينا عنها فى تراثنا الحضارى.. إلى مرحلة السلوك وتفعيل هذه القيم فى حياتنا وواقعنا. وقد عاب القرآن الكريم انفصال القول عن الفعل؛ وحذّر من ذلك؛ فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (الصف: 2، 3) ولا شك أن هذا يتطلب منا الاهتمامَ بغرس الأخلاق عند الطفل منذ الصغر، وتكاتفَ برامج التربية والإعلام فى ذلك، وأن تكون الأسرة قدوة حسنة للطفل؛ لأن فاقد الشىء لا يعطيه. وللأسف، فإن ضغوط الحياة المعاصرة تُلقى بظلال قاتمة على الجانب الأخلاقى، وتجعل التمسك به يحتاج إلى عزيمة قوية.. بالرغم من أن الأخلاق تكون أشد أهمية فى المنعطفات والأزمات.. لكن علينا ألا نكف عن المحاولة..