إن شمول الأخلاق واستعلاؤها على القانون لا يعنى بالضرورة الإستغناء عن القانون0 فالحاجة إليه تظل قائمة بل وتزداد فى ظل تعقيدات الحياة المعاصرة وذلك لضبط حركة المجتمع 0 لأن أفراد المجتمع ليسوا كلهم سواء فى الإلتزام بالأخلاق بل يوجد من بينهم من يحتاج إلى قوة القانون لكى يؤدى ماعليه من حقوق وواجبات تجاه الآخرين قد تضييع ربما لو تركت للأخلاق وحدها فالحقوق التى شرعها الإسلام نحو الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء والمرضى والفقراء والمساكين والعجزة والخدم والموتى من الحقوق النادرة التى ينفرد بها الإسلام على جميع التشريعات سواء فى شفافيتها أو آثارها على المجتمع وما تحققه من ترابط وتكافل إجتماعى0 حيث لا توجد قوانين لحقوق الإنسان تكفل حق التساند والرحمة والعفو والتسامح مع أخيه الإنسان لا يوجد هذا إلا فى شريعة الإسلام 0 كما أن للقواعد القانونية ميزات لا تتضمنها القواعد الأخلاقية فالقانون مختلف عن الأخلاق لكن القانون يأخذ من جهة نظره ببعض المبادئى الأخلاقية فيتبناها0 كما أن غاية القاعدة القانونية نفعية أى تهدف إلى نفع المجتمع وحماية مصالحه والمحافظة على حقوقه أما الغاية فى الأخلاق فإنها غاليه مثالية تستهدف النزوع بالمجتمع نحو السمو والكمال 0 كما أن القاعدة القانونية لا تهتم إلا بالسلوك الظاهرى ولا تتعلق إلابه ولا تنظم سواه أما قواعد الأخلاق فإنها تركز على الضمير لتسمو به وليكن ذلك السمو دافعا لتهذيب السلوك وترقيته لأن غياية الأخلاق هى الوصول بالإنسان نحو الكمال0 هذا وأن أيضا مصدر الإلزام فى القاعدة القانونية محددة وواضح بنص أو عرف أو حكم مقررفى التشريع الإسلامى أما فى القاعدة الأخلاقية فإن هذا المصدر غير محدد لأنه يتمثل فى ضمير الأفراد وسلوكهم0 إن الجزاء فى القاعدة القانونية مادى كالسجن والحجز على مال المدين أما فى القاعدة الأخلاقية فإن الجزاء أدبى أو معنوى يتمثل فى تأنيب الضمير واستنكار المجتمع لمن يخالف قواعد الأخلاق فيه لكن لا توجد سلطة عليا تلزم الأفراد بإحترام القواعد الأخلاقية هذا وتبقى الإلتزامات الأخلاقية غير كافية عندما تكون هناك مقاومة قوية ضد أى إصلاح من شأنه أن يترتب عليه نقص نسبى فى الفوائد والإنقاذ الفعال لحقوق الإنسان الإقتصادية والإجتماعية ينبغى أن يشمل إمكانية وجود تنظيم دولى للعلاقات المالية والتجارية0هذا وهناك من يرى بأن الأخلاق لاتصلح لتنظيم أحوال المجتمع وأن النظم هى التى تسير شئون المجتمع وليس الأخلاق ونسى هؤلاء طبعا دور الأخلاق فى ضبط حركة المجتمع والإرتقاء به 0 نقول هذا وإن كانت الأخلاق لا تؤثر فى قيام المجتمع 0 فالمجتمع يقوم على أنظمة الحياة وتؤثر فيه الأفكار والعرف الناجم عن مفاهيم الحياة وأن المسير للمجتمع ليس الخلق بل الأنظمة التى تطبق فيه وكذا الافكاروالمشاعر التى يحملونها الناس وأن الخلق نفسه ناجم عن الأفكار ونتيجة لتطبيق النظام لذا لا يجب إبعاد الناس عن تفهم حقيقة المجتمع ومقوماته وتخذيره بالفضائل وهذا مما قد يؤدى الغفلة عن الوسائل الحقيقية لرقى الحياة0 لكن مع هذا كله لايوجد قانون لحقوق الإنسان يكفل له حق إدخال السرور عليه ومشاركته فى السراء والضراء ويكفل له التعامل بالشرف والمروءة والبعد عن النفاق الإجتماعى والغش والخديعة والمكر وترويع المواطنين وأى قانون يرض الرحمة والعطف على الأيتام والمرضى والمسنين ويضيف إلى ذلك التواضع مع الفقراء والمساكين وحتى مع الخدم إلا فى شريعة الإسلام0كما أنه من الخلط والخطأ القول بأن الإسلام لم يضع الأسس والقواعد التى تضمن حقوق الإنسان وبأنه نظام أخلاقى فقط فالإسلام شامل وكامل فهو دين ورسالة تتضمن مبادئ عبادات الناس وأخلاقهم ومعاملاتهم وكذا حقوق الإنسان وكفالتها حتى وإن كانت بالنسبة للغرب هى نظام سياسى وقانونى متكامل يقوم على الحرية والمشاركة السياسية والتعددية وغير ذلك مما ينظمه دستور و تستمد منه القوانين أحكامها وتمارس عملها فى ظل سيادة القانون وحماية المجتمع 0 كما أن حقوق الإنسان لا يمكن أن تنفصل عن الجانب الأخلاقى وانتهاكات حقوق الإنسان فى أماكن كثيرة من العالم ترجع إلى خلل فى منظومة القيم والأخلاق السائدة لدى من ينتهكون هذه الحقوق سواء كانوا فى السلطة أو خارجها وليس لعدم وجود قوانين تمنع إنتهاك حقوق الإنسان 0فعندما سادت القيم والأخلاق الإسلامية فى المجتمع لم تعد هناك حاجة للقضاء والقضاة فقد تولى عمر بن الخطاب رضى الله عنه القضاء فى خلافة أبى بكر الصديق رضى الله عنهما لمدة عامين لم تأته شكوة واحدة فقرر إعتزال القضاء لأن كل فرد فى المجتمع يؤدى ما عليه من حقوق ولا ينتقص من حقوق الآخرين أو يتعدى عليها بأى صورة من الصور0 فهنا طبعا القيم الخلقية قد إرتقت إلى مستوى القواعد الشرعية الملزمة قضاء وبسلطان الدولة مؤيدة بجزاء دنيوى لحماية قيم إنسانية فى المجتمع وتدعيما للتكافل وتحقيقا للمقاصد الأساسية للشريعة فضلا عن حماية حق الغير0 كما أن حركة حقوق الإنسان هى فى الحقيقة قوة أخلاقية وليست مادية أو إجرائية ولا يمكن لمثل هذه القوة أن تفعل فى التاريخ إن لم تنغرس وتتجذر كفكرة فى وسط إجتماعى ثقافى يتفاعل معها 0 كما أن القوانين لا تحفظ إلا الحقوق المادية للإنسان0 أما الحقوق المعنوية فلا يمكن أن تحفظ أو تطبق بالقوانين لأن مردها إلى النفس الإنسانية وما جبلت عليه ومردها إلى القيم الأخلاقية التى يتربى عليها الفرد وهى التى تحث الإنسان على أداء الحقوق لأصحابها حتى ولو كانت هناك خصومة أو عداوة قديمة بينهما0 كما أن القوانين قد توفر العدل وقد لا توفره فى أحيان كثيرة ولكنها لا تستيطع بحال من الأحوال أن تصل إلى دجة الفضل التى توفرها القيم الأخلاقية0ولذلك فدرجة القيم الأخلاقية فوق درجة القانون0 فهناك الفضل الذى يقوم على المسامحة والتراضى وهو طبعا بتنازل كل فرد عن جزء من حقوقه لأخيه وهو مدعاة لدوام الألفة والمحبة بينهما ولكى يظل المجتمع متماسكا وهى أشياء طبعا لا تستطيع القوانين أن تحققها0 وهذا مما يحعلنا نقول بأن الأزمات الطاحنة التى تواجهها البشرية اليوم وتزيد من معاناة ملايين البشر هى فى جورها أزمة أخلاقية بالدرجة الأولى0 ومن هنا طبعا قد كان الإهتمام الكبير بالأخلاق فى الإسلام 0 فإرساء دعائم الأخلاق الفاضلة هو الهدف لبعثة نبى الرحمة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم لذا فقد قال : صلى الله عليه وسلم إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق0 كما أن الأخلاق هى فى الحقيقة ذات صلة وعلاقة وثيقة بالوازع الدينى التى يتكون فى ضوء علاقة الإنسان بربه 0 لذا فإن الإسلام يهدف من إهتمامه بالأخلاق وتأكيده عليها إلى الترقى بالإنسان وجعله فى أسمى مكانة بما يحمل بين جنبيه من نفحة علوية ليكون خليفة الله فى أرضه بما أسبغ عليه من نعمه الظاهرة والباطنة0 كما أن الأخلاق الدينية الصحيحة تعين على ترسيخ القيم الإيجابية فى المجتمع كتآخى والتعاون واحترام الذات البشرية وحفظ الحقوق0 و الحقوق فى الحقيقة تضمنها القوانين ولكن تطبقها الضمائر الحية التى تستشعر مراقبة الله عزوجل فى كل صغيرة وكل كبيرة 0 والدليل على ذلك أن كثرة القوانين لم تستطع أن تخلق مجتمعا فاضلا ولم تفلح فى الحفاظ على حقوق الإنسان من الإنتهاكات الجزئية أو الإهدار بالكلية 0 وكم من أناس عندنا أعتقلوا بلاذنب إقترفته أيديهم وحصلوا على أحكام قضائية تبرئ مساحتهم 0 ولكن غياب الضمير والأخلاق وانعدام الوازع الدينى حال دون الإفراح عنهم وإعادة حقوقهم المسلوبة إليهم 0ويبقى القول بأن التنشئة السليمة للفرد على الكتاب والسنة واستشعاره لمراقبة الله عز وجل هى التى تمنع الفرد من الإعتداء على حقوق الآخرين0 أما القوانين التى توضع لضمان حقوق الإنسان فتنتهك من قبل واضيعها والقائمين على تطبيقها نظرا لغياب الضمير والحس الأخلاقى فى التعامل مع الآخرين حتى ولو كانوا مخطئين0 كما أن قانون الأخلاق فى الإسلام هو قانون عام فالعلاقات الدولية فى الإسلام يجب أن تقوم على الفضيلة سواء كان هناك معاهدة أو لم تكن لأن المعاملة بمقتضى قواعد السلوك الفاضل حق لكل إنسان يستحقها بمقتضى الإنسانية التى هى فى الحقيقة وصف مشترك بين كل بنى آدم0 والقرآن الكريم المنزل من السماء يأمر بالتقوى وتقوى الله قوامها الإستمساك بالفضيلة والمعاملة بالمثل فى الإسلام يجب أن تكون دائما فى دائرة الفضيلة الإسلامية فإذا كان الأعداء من اليهود والكفرة يمثلون بالقتلى من المسلمين فإنه لا يسوغ للمسلمين فعل ذلك0 وما يميز القيم الأخلاقية عن القوانين هو شمول الأخلاق واستعلاؤها على القوانين لأن هناك حقوقا للإنسان لا يمكن تشريعها بقوانين وهى حقوق أوجبها الشرع 0 كما أن الأخلاق هى عبارة عن مجموعة المبادئ والمعاييرالمحددة لمعانى الخير والشر الموجودة فى ضمير الجماعة غايته السمو بالنفس نحو مثل أعلى لسعادة الإنسان والمجتمع 0 كما أن القاعدة الأخلاقية تحتوى على السلوك الإنسانى السليم المبنية على القيم المطلقة والتى هى موجودة فى الفطرة0 كما أن مصدر القاعدة الأخلاقية الفطرة وضمير المجتمع والقاعدة الأخلاقية طبعا هى أوسع من القاعدة القانونية0