قد يكون غريبًا عنوان هذا المقال الذى يطالب بالإحسان إلى شهر رمضان، بينما هو نفسه «شهر الإحسان» الذى يفيض بخيراته على العباد.. فمن يحسن لمن؟ والحقيقة أننا مطالبون بالإحسان إلى رمضان كما هو يحسن إلينا؛ فليس جزاء الإحسان إلا الإحسان.. لكن السؤال: كيف يكون الإحسان؟ وهل رمضان يحتاج إلى إحساننا؟ وقبل ذلك، لابد أن نعرف: كيف تكون الإساءة إليه، حتى نتجنبها؟ إن البعض يسىء إلى شهر رمضان حينما يأتى أفعالًا لا تتناسب مع جلال هذا الشهر، ولا مع الفريضة العظيمة التى خُصّ بها: فريضة الصيام؛ فيجعل الناسَ يربطون، مثلًا، بين رمضان وبين ضيق الصدر وسوء الخلق وعصبية التصرف.. فهذه إساءة للشهر الكريم وللفريضة الجليلة. كذلك من يرتشى أو يختلس الأموال أو يأكل حقوق الناس، وهو صائم؛ فإنه لا يعطى صورة صحيحة عن السلوك الواجب من الصائم. أما من يَصْدق فى حديثه، ويحسن فى أخلاقه، ويسارع فى نشر الخير، وهو صائم؛ فإنه سيجعل الآخرين ينظرون إليه على أنه نموذجٌ طيب للصائم، وانعكاسٌ حقيقى لأخلاق الصيام.. وهذا إحسان لشهر الإحسان. مَن يبر والديه ويحسن إلى جاره، ويعطف على الفقراء والمحتاجين، وهو صائم؛ فإنه يحسن إلى رمضان، ويجعل الناس يذكرون هذا الشهر على أنه عامل ٌكبير فى تغيير أخلاق الناس إلى الأحسن وليس الأسوأ، وشهرٌ للفضائل لا الرذائل، ومناسبة للرقى الروحى والاجتماعى. من يقوم على شئون أسرته ويرعى احتياجات زوجته وأبنائه، ويتجاوز عن المشكلات الأسرية، ويكون بلسمًا لمن حوله فى هذا الشهر الكريم، رغبةً فى مثوبة الله وعفوه.. فإنه يكون من المحسنين إلى هذا الشهر الكريم. ولهذا، ينبغى ألا يكون رمضان شهًرا عاديًا فى حياتنا، وإنما لا بد أن يترك أثره الطيب فى سلوكياتنا؛ مع الله تعالى ومع النفس ومع الناس. قال جابر بن عبدالله: «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء». فلنحسن إلى شهر رمضان، ولنبادله إحسانًا بإحسان، ولنجعل «الصورة الذهنية» عنه لدى الناس صورة نقية راقية؛ فهذا حقه علينا وواجبنا تجاهه. نسأل الله العون والقبول.