إن الناظر فى أحوال الناس اليوم يجد أن بعض المسلمين إلا من رحم الله يفصل بين العبادة والأخلاق والسلوك خاصة فى هذا الشهر الكريم فبعض الناس وللأسف يحرمون أنفسهم من الطعام والشراب وملذات الحياة فى رمضان وليس لهم من وراء ذلك إلا الجوع والعطش والحرمان!!! فلا يثاب على صيامه فرُب صائم كما قال النبى ليس له من صيامه إلا الجوع،فكيف يكون صائما من يقضى ليله ونهاره فى هتك أعراض الناس ونهش لحومهم والقيل والقال؟ وكيف يكون صائما من يشهد بالزور أو يرتشى أو يغش أو يطفف المكيال والميزان أو يحتكر أو يخون الأمانة أو يأكل من حرام؟ وكيف يكون صائما من يظلم أو يعتدى أو ينافق أو يسفك الدماء بغير حق؟ وكيف يكون صائما من يأكل أموال اليتامى ظلمًا ويمنع إخوته حقوقهم فى الميراث؟ وكيف يكون صائما من يعق والدايه ويقطع رحمه؟ وكيف يكون صائما من يؤذى جيرانه؟ وكيف يكون صائما من يأكل أو يساعد على أكل أموال الناس بالباطل؟ فالصيام مدرسة سلوكية تربى المسلم على القيم والأخلاق التى تهذب نفسه وسلوكه فلا انفصال بين العبادة والأخلاق والسلوك فكل عبادة تحمل فى جوهرها قيم أخلاقية مطلوب أن تنعكس على سلوك المسلم المؤدى لهذه العبادة وأن تتضح جليا فى شخصيته وتعاملاته مع الغير وبذلك تحقق أهدافها ومقاصدها فالصيام من غاياته العظمى تحقيق التقوى كما قال الله تعالي: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون» البقرة «183» ولا تتم التقوى عند العبد إلا إذا حسن خلقه مع خلق الله تعالى ولهذا جمع النبى بين الوصية بالتقوى والوصية بحسن الخلق حين قال: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» رواه الترمذي، وإقرارا لهذا المعنى قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِى أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَه» رواه البخاري. فصيام رمضان مدرسة متميزة يفتحها الإسلام كل عام للتربية العملية على أعظم القيم، وأرفع المعانى فمن اغتنمها فأحسن الصيام كما أمره الله فقد نجح فى الامتحان ومن لم يترب فى هذه المدرسة فهو كالطالب يدخل المدرسة ويخرج منها ولم يتعلم القراءة والكتابة فلابد وأن يتميز المسلم فى صيامه وأن يصوم صوما حقيقيا.