لقد أدرك الصحابة الأبرار الفضل العظيم لشهر رمضان عند الله تعالى، فكان ذلك سببا فى اجتهادهم فى العبادة ما بين صيام وقيام وتفطير صائم وعطف على الفقراء والمساكين، مع ما كانوا فيه من جهاد لأعداء الله لتكون كلمة الله هى العليا، وهكذا حوى تاريخهم صورا مشرقة وقدوات مباركة فى كل أحوالهم من عبادة وجهاد وتزكية للنفوس ونفع للناس. الإفطار مع المساكين من عجيب أحوال ابن عمر - رضى الله عنهما - أنه كان لا يفطر فى رمضان إلا مع المساكين، ويحافظ على ذلك باستمرار، فإذا منعهم أهله عنه لم يتعش تلك الليلة! وكان رضى الله عنه إذا جاءه سائل وهو على طعامه اخذ نصيبه من الطعام وقام فأعطاه السائل فيرجع وقد أكل أهله ما بقى فى الجفنة من الطعام فيصبح صائما ولم يأكل شيئا! ولم يكن هذا التصرف من ابن عمر - رضى الله عنهما - خاصا به وحده بل كان هديا وسمتا للصحابة والتابعين فى رمضان. وفى ذلك يقول أبو السوار العدوى، رحمة الله: «كان رجال من بنى عدى يصلون فى هذا المسجد ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده إن وجد من يأكل معه أكل وإلا أخرج طعامه إلى المسجد فأكله مع الناس وأكل الناس معه». وروى عن بعض السلف قوله: «لأن أدعو عشرة من أصحابى فأطعمهم طعاما يشتهونه أحب إلى من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل».