يعد مسجد عمرو بن العاص واحداً من أقدم وأهم المساجد التى تقع فى إفريقيا والشرق الأوسط، وله رونق خاص به يتميز عن غيره من المساجد وذلك كونه تحفة معمارية على التراث الإسلامى، رائحته مميزة عن أى مسجد آخر داخل العاصمة وطلته فريدة للمريدين والزائرين، فهو يعد إحدى أقدم العمائر الإسلامية فى مصر، يزوره الجميع من داخل وخارج البلاد. وفى ظل التطوير الذى يشهده المسجد فى الفترة الحالية، نأخذكم فى جولة تاريخية للتعريف بالمسجد والإطلاع على أسراره التاريخية التى جاء بها الصحابى الجليل عمرو بن العاص ليكون نواة لبناء المساجد فى مصر والشرق الأوسط. مكان مسجد عمرو بن العاص يقع مسجد عمرو بن العاص بمنطقة الفسطاط بميدان عمرو بن العاص فى حى مصر القديمة، ويعد أول جامع بنى بمصر بعد أن فتحها عمرو بن العاص عام 20 هجرياً أى عام 641 ميلادى. عاصر الجامع أكثر من 13 قرناً من التغيرات، إذ نشأ متواضعاً ثم ازدهر وذاع صيته فى العالم، ولا يصل إلى مصر عالم أثرى أو زائر غريب حتى يبادر إلى زيارة هذا الجامع العتيق. بنى الصحابى عمرو بن العاص المسجد عام 21 هجرى /641 ميلادية، وكان الجامع حينها مشرفاً على نهر النيل، وقد عرف بعدة أسماء ومنها «الجامع العتيق» و«تاج الجوامع» حتى استقر على اسمه الحالى جامع عمرو بن العاص. كان الجامع بمثابة مركز للحكم ونواة للدعوة للدين الإسلامى بمصر، ومن ثم بنيت حوله مدينة الفسطاط، وهى أولى عواصم مصر الإسلامية، وكان الموقع الذى اختاره عمرو بن العاص لبناء هذا الجامع يطل على النيل فى ذلك الوقت كما كان يشرف على حصن بابليون الذى يقع بجواره. ويتكون الجامع من صحن أوسط مكشوف تحيط به أربعة أروقة ذات أسقف خشبية بسيطة، وأكبر هذه الأروقة هو رواق القبلة، ويوجد فى صدر رواق القبلة محرابان مجوفان يجاور كلاً منهما منبر خشبى، كما توجد بجدار القبلة لوحتان ترجعان إلى عصر المماليك. كما يوجد بالركن الشمالى الشرقى لرواق القبلة قبة ضريحية يعود تاريخها إلى عبدالله بن عمرو بن العاص، ما صحن الجامع فتتوسطه قبة على ثمانية أعمدة رخامية مستديرة الشكل، وكانت نوافذ الجامع القديمة مزخرفة بزخارف جصية ما زالت بقاياها موجودة بالجدار الجنوبى، أما عقود الجامع فى رواق القبلة، فإنها ترتكز على أعمدة رخامية ذات تيجان مختلفة استجلبت من عمائر قديمة. كما أن للجامع مدخلاً رئيسياً بارزاً يقع فى الجهة الغربية ويتوج واجهات الجامع من الخارج من أعلى شرفات هرمية مسننة، وللجامع مئذنة أخرى ذات قمة مخروطية تعلو أحد مداخل الواجهة الرئيسية، وفقاً لما قاله الطاير. دور مسجد عمرو بن العاص التاريخى فى نشر الإسلام. لم يقتصر دور جامع عمرو بن العاص على أداء الفرائض الدينية فحسب، بل كانت تعقد فيه محكمة لفض المنازعات الدينية والمدنية، بالإضافة إلى أنه كان المكان الذى تجمع الأموال لليتامى والفقراء، فضلاً عن كونه نواة لنشر الإسلام فى مصر والدول الإفريقية المجاورة لها. وكانت تقام فى الجامع حلقات الدروس لإرشاد العامة إلى ما ينفعهم فى أمورهم الدينية والدنيوية، وازدادت الحلقات إلى 110 حلقات، وأطلق على أماكن حلقات الدروس بالجامع اسم زوايا، وقد بدأت الحلقات بتدريس المذاهب كالشافعى والحنفى والمالكى. وفى عهد الدولة الفاطمية، كان الجامع بمثابة مقر احتفالات المناسبات الدينية، حيث كانت تقام به الاحتفالات فى الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، والاحتفال بالمولد النبوى الشريف بحضور قادة الدولة المصرية وقتها. المدلول من هذا السرد المبسط عن الجامع الأقدم فى إفريقيا، هو التعريف بتلك التحفة الفنية والمعمارية الإسلامية، التى ستظل قائمة متجددة تزداد رونقاً وبهاءً للناظرين المتعبدين.