«ينتظرني منذ سنوات.. أُمني نفسي باحتضانه وضمه إلي صدري.. أقبله لارتشف رحيق حبه.. أتعطر برائحته.. أتكحل بطلعته ونظرته الحانية.. كل ثانية مرت علينا منذ افتراقنا تزيدني شوقاً إليه.. حبيبي أعلم أنك في انتظاري لتمسك بيدي وتدخلني معك إلي الفردوس الأعلي.. ابني الحبيب معك جفت الدموع وتفجرت ينابيع الشوق إليك لأنك لم تمت فالشهداء يعيشون في أعماقنا وذكرياتنا، كم أشتاق إلي رؤيتك وسماع صوتك وكم أتمني أن تكون بين ذراعي الآن». إحساس مكلوم تحدثت به الفنانة الكبيرة مديحة يسري، عندما سألتها عن مشاعرها في عيد الأم، وإحساسها عن غياب ابنها بعد استشهاده في حادث سيارة أليم أودي بحياته، فكانت كلماتها متضمنة رسالة لكل أم شهيد.. ابني وابنك ينتظروننا علي باب الجنة.. قالت بشجن: أشعر اليوم بمشاعر أم الشهيد وأقول لها كلمة الدين التي قالها لي كبار المشايخ وقت اعتصار قلبي علي وفاة ابني الوحيد وبقائي وحيدة، أقول لها صبرك علي فراق ابنك هو ضمانك الوحيد للوصول إلي الجنة، عزائي الوحيد في غياب ابنك أنه ذهب إلي من هو أفضل منا، وضمن مكانه لذا فلتشعري بالفرح والسعادة وتنامي في هناء فخراً بضني قلبك. وتستطرد الفنانة الكبيرة مشاعرها: عندما توفي ابني «عمر» ماتت لدي روح الأمومة، شعرت أن الحياة توقفت، لم يعد لدي سند في الحياة وبعد سنوات أيقظت تلك المشاعر فتاة رقيقة اسمها «منة الله» تبنيتها من جمعية ابنتي للأيتام، وهي الوحيدة التي تمكنت من ملء فراغ الأمومة الذي افتقدته، يكفي أنها تحادثني عبر التليفون بعدما تنتهي من مذاكرتها لتطمئن عليّ، تبدأ مذاكرتها علي صوتي وينتهي يومها بالسلام علي والاطمئنان علي يومي، عندما تقول لي «يا ماما» فأنا أشعر بقلبي يرتجف، فهي ابنة تحتاج إلي الأمومة وأنا أم احتاج إلي من يستعيد لدي مشاعر الأم داخلي، يزداد من خلالها حبي لأبناء أصدقائي وصديقاتي العب بينهم دور الحكم، فأنا صديقة للصغير ألعب معه وقاض للكبير لأحكم بينهم، تلك هي مشاعر الأمومة إحساس ومشاعر تتولد لدي الأنثي التي يهبها الله تلك الموهبة، هناك من أعطاها الله نعمة الأبناء لكنها لا تشعر تجاههم بالأمومة وهناك من حرمها الله وعوضها بالإحساس وهناك من تعتقد الأمومة هي الدلع وترك الأبناء يفعلون ما يريدون لكن الأمومة هي أن تعطي الأم كل شيء من حب ونصيحة وتربية وثقة وتعلمهم الحياة والذوق وتعلمهم كيف يعيشون، الأم هي الشعور الطيب الذي يربي الأجيال، لذا أتعجب علي الأمهات اللاتي يتركن أبناءهن الذين لم يتخطوا سن ال 12 عاماً في المظاهرات، فماذا يفعل هؤلاء ضمن الرجال؟.. هم أطفال كيف ينزلون في الشوارع ويقابلون القنابل المسيلة للدموع؟.. الأم ستحاسب علي ذلك. علاقة مديحة يسري بالأم في السينما المصرية بدأت مبكراً علي عكس أغلب فنانات جيلها اللاتي كشفن عن تخوفهن من تجسيد دور الأم حتي لا يتم حصرهن في الأدوار الكبيرة عمراً، إلا أن مشاعرها الجياشة تجاه الأمومة وشخصيتها التي تمزج بين القوة والطيبة أهلها أن تجسد دور الأم وهي في سن ال 18 عاماً، ومن بين الأدوار التي تألقت فيها كان دورها في فيلمها «الخطايا» الذي قدمت فيه دور الأم للفنانين عبدالحليم حافظ وحسن يوسف عام 1962، وأطلق عليها الوسط الفني اسم «ماما مديحة» رغم أنها كانت الأصغر، وجسدت دور والدة نبيلة عبيد في فيلم «عريس ماما» وقدمت دور الأم لثلاثة أبناء في مراحل عمرية كبيرة وهم إبراهيم يسري وشيرين وحنان شوقي في «الإرهابي»، بررت نجاحها في دور الأم بإحساسها الراقي المندفع بتلك المشاعر، وإحساس كل من تفوق معها في تقديم دور الأم مثل الفنانات القديرات زينب صدقي وفردوس محمد وكريمة مختار.. وقالت: إنه الدور الذي تعيشه الممثلة وتخرجه من صدق مشاعرها، وهو ما افتقدته السينما المصرية الآن، الأم التي تبعث علي القيم والأخلاق وتطلب من ابنها أن يفعل الصحيح وتصل مشاعرها إلي المشاهد، ليست الأم التي تعلم أبناءها الرقص وتحدثهم بالألفاظ البذيئة. وتتحدث الفنانة الكبيرة عن دور صفية زغلول «أم المصريين» قائلة: تقمصت الشخصية وعشتها، قدمتها بطريقتها وكلامها بصعودها وهبوطها السلم، بحركاتها البسيطة ورجعت إلي دار الهلال وصورت بكاميرتي الخاصة أرشيفها لأعرف كيف أصبحت تلك المرأة هي أمَّا لكل المصريين، رغم أنها لم تلد. وأرسلت مديحة حمدي رسالة إلي المصريين قالت فيها: حزينة أنا علي مصر، وأراها في أسوأ مراحلها لكنني أقول الله كبير وقالها عز وجل في كتابه العزيز «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين».. واختتمت قائلة: أصبح الحديث في السياسة تجريحا وكنت أتمني ألا أتحدث فيها لكنني أحب الاعتدال فامتنعت واكتفيت بالدعاء لها، عندما يصبح الوضع السياسي في مصر يستحق الكلام ساتكلم.. لكن للأسف الآن الجميع يتكلم ولا أحد يستمع.