جميلة هى ممشوقة القوام ملابسها والمجوهرات التى ترتديها تدل على حالتها المادية الميسورة جداً. ولكنها حزينة، هى زائغة النظرات عندما تراها تشعر بأنها حضرت إلى هذا المكان مجبرة. بدت تحتضن حقيبة يدها ذات البراند العالمى وكأنها تخبئ خوفها ومشاعرها. أمام قاعة جلسات قضايا الأحوال الشخصية بمحكمة مصر الجديدة رأيتها زوجة صغيرة لا يتجاوز عمرها الثلاثين عاماً، حضرت إلى المحكمة بصحبة أبيها ومحاميها بعد أن طلب رئيس المحكمة حضورها شخصياً لتكشف سبب طلبها الخلع من زوجها بعد 4 سنوات زواج بعد أن قام محاميها برفع دعوى الخلع وتقديم المستندات. لم تنتظر كثيراً أمام القاعة، بعد أن تساقط العرق من يديها من شدة التوتر فأحسن حظها كان رقم دعواها هو الأول فى رول القضايا المنظورة ذاك اليوم. وبصوت جهورى كعادته، نطق حاجب المحكمة اسمها وطلب منها المثول أمام القاضى. تقدمت إلى المنصة منكسة الرأس تنظر إلى الأرض فهى لم يجل بخاطرها يوم أن تقف هذا الموقف المخزى وطلب منها القاضى شرح أسباب دعواه الخلع زوجها. قالت: «سيدى القاضى كل ما أريد أن أقوله إننى أعيش وزوجى غرباء تحت سقف واحد، لا يربطنا سوى موعد الطعام أو بعض الأشياء الأخرى». غير ذلك هو يعيش فى عالمه الخاص وأنا اخترت مجبرة أن تخلق لنفسى عالم خاص نحن من كنا لا نتوقف عن الكلام والاتصالات وهذا قبل زواجنا. لا أنكر سيدى أن الحب بيننا قبل الزواج كان حديث الجميع، شاب ذو تعليم عال ومثقف ومن أسرة ميسورة، وأنا كما كان يقال فتاة جميلة وذات خلق ومن أسرة ميسورة أيضاً، التقينا معاً بترتيب العائلة، وعشنا قصة حب جميلة تحاكى بها الجميع نعم كنا مثلاً لكل شباب وفتيات العائلتين. والجميع كان يعتبرها مثالاً للزواج المثالى فهو جمع بين زواج الصالونات الوقور وبين الحب الأسطورى وتكلل حبنا بالزواج والكل كان يتوقع له النجاح الباهر، فهو مبارك من الجميع. لكن الأمور لم تسر كما تمنيت.. تخلل الفتور علاقتنا، لم نرزق بأطفال رغم زواجنا منذ 4 سنوات، وهذا الأمر لا يقلقنى لأن الله هو الذى يهب الأبناء وهو الذى يجعل من يشاء عقيماً، كما أن تقارير الأطباء أكدت أنه لا مانع لحدوث الحمل. رغم ذلك فإن حياتى مع زوجى تباعدت كثيراً سيدى القاضى، أصبح بيننا حاجز صنعته التكنولوجيا بأساليبها المختلفة، فهو يقضى معظم يومه فى العمل ثم يعود ليلقى ببصره على جهاز الكمبيوتر أو الهاتف، حتى ساعات متأخرة من الليل، بعدها ينام ويستيقظ فى العاشرة صباحا ليذهب كعادته للعمل وهكذا طوال أيام الأسبوع فيومنا يمر دون أن نتحدث وقد وصل بى الحال لأن أحسب عدد الكلمات التى ينطقها زوجى فى المنزل فى اليوم والتى تعد على أصابع اليد الواحدة. لا تستغرب سيدى هذا ما حدث علمنى زوجى الصيام عن الكلام. حاولت كثيراً الحديث معه، طلبت منه أن يشاركنى حياتى ولا يتركنى كقطعة ديكور فى المنزل، لكنه كان يكتفى بالإيماء برأسه بالموافقة، ثم يعود لعادته، حتى اقتنعت أنه لا حل معه، وأننى يجب مجبرة أن أعيش حياتى الخاصة إلى أن يرزقنى الله بطفل يعوضنى عن جحود زوجى. مرت الأيام ونحن على هذه الحالة، اتخذت من الهاتف صديقاً وبدأت أقضى معظم وقتى فى البيت للحديث مع أصحابى ومتابعة كل ماهو جديد على السوشيال ميديا.. حتى بعدت المسافات بيننا، وأصبحنا غرباء تحت سقف واحد نحن أزواج ولكن غرباء رغم أن الله سبحانه وتعالى أمر بالمودة والرحمة ولكن هيهات زوجى فى وادٍ وأنا فى وادٍ مظلم وحيدة بلا ونس أصابنى الحزن على فشل حياتى الزوحية وموت حبى بين جنبات قلبى. وبدا الاكتئاب يأكل جسدى، ورغم كل ذلك كنت أحاول إحياء ما مات من حبى وحياتى. ولكن القشة التى قصمت ظهرى وأهانت كرامتى ودفعتنى إلى وضع حد لمأساتى، فقد اكتشفت منذ أيام سيدى القاضى رسالة غامضة أرسلها زوجى إلى صديقة له.. أخبرها خلالها بأنه غير سعيد بالزواج بى، وأنه ليس الشخص الذى يتحمل المسئولية، وأن حياة العزوبية أصبحت تراوده من جديد. لم تقف الرسالة عند ذلك فقط، بل إن زوجى حمد الله على عدم رزقه بطفل منى حتى الآن، واعتبرها إشارة إلى عدم استكمال حياته الزوجية والعودة إلى العزوبية من جديد دون أن يكون الأطفال فيها سبباً لاستكمال الحياة الزوجية التى سلمها ويشعر بأنها عبء ثقيل عليه. لم أتحمل كثيراً، واجهته بهذه الرسالة، أكد صحتها وأنه كتبها فى وقت كان الضغط عليه كثيراً، واليوم هو سعيد معى ولا يفكر فى الانفصال والعودة للعزوبية كما كان يحلم عند إرسال الرسالة إلى صديقته. حقيقة لم أصدق زوجى سيدى وهو من أسكت لسانى عن الكلام معه برغبته إصراره غير معلن ووضعنا فى سجن جميل منسق ممهد ومجهز بتفهم الأثاث وكل رباعيات الحياة.نعم حول منزل الزوجية إلى سجن دون أسوار. دون تردد طلبت منه الطلاق لكنه كعادته لم يجب وأهمل حديثاً كعادته وهو متأكد أنه سيعود ويجدنى مع أثاث المنزل وأجهزته كما اعتاد ولكن لم يكن بدرى أننى قهرت الصمت وثورت على الإهمال ورسالته إلى صديقته كانت منقذى. تركت البيت وذهبت إلى منزل أبى، مكثت أشهراً هناك ولم يكلف نفسه بالاتصال بى، أو الرد على طلبى بالطلاق. لم يحاول سيدى القاضى التقرب منى بعد كل ما حدث وتبرير أفعاله أو اعتذاره على ما اقترفه فى حقى على مدار 4 سنوات، بزوجى لا يؤمن بأن الزواج مودة ورحمة وحوار لا ينقطع وأمن وأمان بل إنه تجاهلنى تماماً. حتى فوجئت برسالة منه إلى هاتفى، يخبرنى بأنه لن يطلقنى، وإذا أردت الطلاق على التنازل عن كل حقوقى يا لها من رسالة قاسية أى حقوق التى يتحدث عنها هذا الرجل الأموال الأثاث جدران المنزل الباردة. ليست تلك حقوقى التى أبحث عنها سيدى ولكن زوجى لا يفهم ولا يعى. أخبرته بأننى لست فى حاجة إلى حقوق، لكن لقب رجل مخلوع يليق بك.. لذلك حضرت هنا طالبة خلع هذا الزوج الذى لم يشعرنى فى يوم من الأيام أننى زوجة. انتهى القاضى من سماع الزوجة وبعد مداولة القضية أكثر من جلسة.. أصدر حكمه بخلع الزوج.