تحل اليوم الذكرى ال47 لرحيل كوكب الشرق وملكة الأغنية المصرية والعربية فى كل العصور.. أم كلثوم لسنا بصدد عرض تقرير عن رحلة كوكب الشرق فى عالم الغناء على مدى أكثر من 50 عامًا، رحلة تألق وصعود مستمر لعالم المجد منذ عام 1923، حينما حضرت للقاهرة لأول مرة حتى رحيلها 1975. ولكن التأثير الذى تركته فى عالم الغناء كان كبيرًا وعظيمًا.. صوت يعتبر بحق معجزة من السماء يعبر عن الرقى الشديد وعظمة الغناء الحقيقى وكيف حولت الغناء بعبقريتها من «الركاكة» إلى قمة الرقى وسمو المشاعر. كان الغناء قبل أم كلثوم وعبدالوهاب فى حالة من الهبوط الشديد فى كل شىء، جاءت أم كلثوم لتحوى مسار الغناء العربى بمعان وألحان راقية وصوت إعجازى كان بحق هدية من السماء. ولأنها كانت مؤسسة فنية قائمة بذاتها جمعت حولها عباقرة التأليف والتلحين أحمد رامى ورياض السنباطى وزكريا أحمد ومحمد القصبجى وزكريا أحمد. فى مراحلها الأولى اعتمدت على الأغانى الخفيفة ببعض القصائد منها: «النوم يداعب عيون حبيبى. لو كنت أسامح، غنى لى شوى، الفوازير» وغيرها ولكن تستطيع القول إنها بدأت مرحلة النضج مبكرًا فى أوائل الأربعينيات حينما أبدعت فى أغنية «رق الحبيب» تأليف أحمد رامى وألحان محمد القصبجى، وكانت قد قامت ببطولة 6 أفلام من عام 1935، حتى عام 1947، وهى «نشيد الأمل، سلامة، عايدة، دنانير، وداد» وأخيرًا «فاطمة» مع أنور وجدى وفردوس محمد ولا ننسى إبداعاتها فى مرحلة الأربعينيات أيضًا فى أغنيات «أنا فى انتظارك، حلم، ياللى كان يشجيك أنينى، ليلة العيد، ولد الهدى، شمس الأصيل». وفى مطلع الخمسينيات وحالة الارتباك فى الحياة السياسية غنت «مصر تتحدث عن نفسها» تأليف حافظ إبراهيم ألحان رياض السنباطى وشهدت تلك الحقبة العديد من الروائع الخالدة منها: «سهران لوحدى، يا ظالمنى، الحب كده، أروح لمين، ليلى ونهارى، أقولك إيه عن الشوق، ذكريات». ومع بداية عام 1960 تجلت عبقرية أم كلثوم فى سعيها للتطوير حينما استعانت بالملحن الشاب بليغ حمدى وهو بلا شك فلتة وموسيقار فذ بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وضعت أم كلثوم كل ثقتها فى هذا الموسيقار الشاب ليبدع معها فى البداية رائعة «حب إيه اللى انت جاى تقول عليه» تأليف عبدالوهاب محمد، لحن لها بعد ذلك روائع خالدة فى وجدا الملايين «ظلمنا الحب» ورائعة «كل ليلة وكل يوم» و«أنساك، بعيد عنك حياتى عذاب» وثلاثية الشاعر الفذ مرسى جميل عزيز «سيرة الحب، فات الميعاد، ألف ليلة وليلة، الحب كله» وأخيرًا «حكم علينا الهوى» ولا ننسى رائعة بيرم التونسى وزكريا أحمد «هو صحيح الهوى غلاب». كان الحدث الأبرز فى تاريخ كوكب الشرق فى فبراير 1964، ولقاء السحاب مع موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب الذى طال انتظاره برائعة «أنت عمرى» تأليف أحمد شفيق كامل وحققت الأغنية نجاحًا أسطوريًا بمعنى الكلمة، ولحن لها «عبدالوهاب» بعد ذلك روائع خالدة «انت الحب، أمل حياتى، فكرونى، هذه ليلتى، أغدا ألقاك، ودارت الأيام» وأخيرًا رائعة «ليلة حب» ولا ننسى تعاونها مع الموسيقار محمد الموجى الذى لحن لها «للصبر حدود» وأغنيات «رابعة العدوية» و«اسأل روحك». كانت أم كلثوم دائمًا تبحث عن التطوير والتجديد المستمر واستعانت بالعازف الشاب على الجيتار عمر خورشيد فى سنواتها الأخيرة وكان بحق «فلتة» فى عالم العزف على الجيتار وأيضًا عازف الأورج هانى مهنى ومجدى الحسينى. ولكن تعتبر قصيدة «الأطلال» حالة فريدة فى تاريخ أم كلثوم، وتعتبر من أعظم الأغنيات فى تاريخ الأغنية والقصيدة العربية تأليف الدكتور إبراهيم ناجى ألحان العملاق رياض السنباطى وغنتها لأول مرة فى مارس 1966، وغنتها بعد ذلك فى أكثر من حفل خاصة حفل باريس. حدث ولا حرج عن وطنية أم كلثوم ليس فى أغانيها الوطنية الصادقة فقط بل تفاعلها مع هموم ومشاكل مصر عقب نكسة 1967، حينما قررت أن تقيم حفلات فى العديد من الدول فى أنحاء العالم ويخصص دخلها لصالح المجهود الحربى، وتقول للعالم كله صوت مصر لن يصمت أبدًا وقامت بأفضل دعاية لمصر وكان دورها لا يقل عن الجنود على الجبهة، فنانة أصيلة بمعنى الكلمة، وأصيبت بصدمة هائلة بعد رحيل الزعيم جمال عبدالناصر ولكنها لم تتوقف عن الإبداع، وشهدت سنواتها الأخيرة حالة تألق غير عادية بعد أن تخطت السبعين عامًا، حيث أبدعت روائع خالدة «من أجل عينيك»، «الحب كله»، «يا مسهرنى» ألحان سيد مكاوى، والأغنية التحفة «القلب يعشق كل جميل»، تأليف بيرم التونسى وألحان رياض السنباطى، و«أقبل الليل» و«أغدا ألقاك» ورائعة «ليلة حب» وهى آخر أغنية غنتها فى آخر حفلاتها مساء الخميس 3 يناير 1873، وآخر أغنياتها كانت رائعة «حكم علينا الهوى»، تأليف عبدالوهاب محمد وألحان بليغ حمدى وسجلتها باستديو 35 فى مارس 1973. منعها المرض من مواصلة الغناء حتى رحيلها يوم الاثنين 3 فبراير 1975، مهما قيلنا ستبقى أم كلثوم فى وجدان الملايين بفنها العظيم وصوتها الفريد، هى البلسم الذى يخفف عنا مشاكل الحياة، صوتها يجعلنا نعيش فى عالم آخر من السحر والفن الأصيل. 47 عامًا مرت على رحيلها ومازال صوتها يعيش بنا كل يوم وليلة، ونتذكر مع صوتها الزمن الجميل والفن الشامخ والأغنيات ذات المعانى الراقية التى ستمو بالمشاعر والأحاسيس. أم كلثوم تبقى المادة الخام للفن الراقى مهما مرت السنوات، فأغانيها دائمًا خارج التقييم، صالحة لكل زمن، أغنياتها الطويلة عبارة عن تحف فنية رائعة، مقطع واحد منها يكفى للسلطنة والاستمتاع، أى جملة معبرة، أو حملة موسيقية تكفى لتعيش فى عالم آخر مختلف، من ينسى مثلًا رائعة «سيرة الحب» و«ألف ليلة وليلة» وهى تقول: «لا عمر كاس الفراق المر يسقينا، ولا يعرف الحزن مطرحنا ولا يجينا، وغير شموع الفرح متشوف ليالينا يا حبيبى» ما هذا الجمال والروعة. عظمتها فى قصيدة «الأطلال» وهى تقول وعيناها تدمع: «وإذا الدنيا كما نعرفها وإذا الأحباب كل فى طريق» ونردد دائمًا حين نسمعها «عظمة يا ست». أم كلثوم كانت الكوكب الذى أضاء سماء الأغنية المصرية والعربية طوال القرن العشرين، وحتى بعد ما يقرب من نصف قرن من رحيلها، وهذا فى حد ذاته معجزة لتؤكد أن الفن الحقيقى لا يموت وصوت أم كلثوم يحيا فى داخلنا دائمًا. أرقام فى حياة كوكب الشرق 1898 مولدها بقرية طماى الزهايرة. 1923 جاءت إلى مصر لأول مرة. 1930 قامت ببطولة أول أفلامها وداد. 1947 آخر أفلامها فاطمة. 1960 أول أغنية من ألحان بليغ حمدى «حب إيه». 1964 لقاء السحاب مع عبدالوهاب فى أغنية «أنت عمرى». 1966 قدمت رائعتها الخالدة الأطلال. 1967 إقامة حفل تاريخى فى باريس. 1970 غنت رائعتها ودارت الأيام. 1973 آخر حفلاتها بأغنيتى «ليلة حب» و«القلب يعشق»، وآخر أغنية فى مارس من نفس العام «حكم علينا الهوى». 1975 وفاتها بمستشفى المعادى.