حين أقرت جامعة الدول العربية ممثلة باللجنة العربية الدائمة لحقوق الانسان يوماً لحقوق الانسان العربي, ظني انها كانت تعلق على ذلك اليوم ان يكون مشكاة علمٍ ومعرفةٍ ونشر ثقافةٍ تنعكس ايجابا على حياته العلمية والصحية والنفسية والاجتماعية والسلوكية وحتى العقلية والادراكية, وان يكون يوما تفاعليا للعرب بمشرقهم ومغربهم, غنيهم وفقيرهم, اسودهم وابيضهم الا انه لن يكون لذلك اليوم اثر إلا بتفاعل جامعة الدول العربية نفسها ومن اللجنة العربية الدائمة لحقوق الانسان عينها وهيئات وجمعيات حقوق الانسان ذاتها, وعندما اوصت اللجنة ان يكون شعار اليوم العربي للعام 2013 م (الحوار والتسامح) ازعم انها كانت تنظر بعين وبأحاسيس العرب وما يجري في عالمهم وعلى وجه الخصوص بسنيهم المتأخرة وعقودهم التي خلت والتي لا يحسدون عليها البتة, فما جرى للفلسطينيين فيما بينهم من فرقة وتناحر ادى الى انفصال بين الاخوة وذوي الارحام ليدمي القلب ويحزن الفؤاد, وما يجري الآن في ليبيا بعد ثورتهم لهو ايضا قطيعة رحم وفصل عرى المحبة والاخاء وما هو جارٍ في تونس وما هو حادث في سوريا بين شعب واحد وامة واحدة ومجتمع واحد من حرب اكلت الاخضر واليابس بل نارٌ مستعرة تشوي ما حولها وتقول هل من مزيد, وما يحدث بين الاخوة في البحرين وما هو كائن في اليمن السعيد لهو مثل آخر على التشتت والفرقة وما كان في لبنان فما هو عنا ببعيد, وما هو في العراق لهو ادهى وأمر وما نسمعه ونشاهده في مصر الكنانة وبيت العرب ومقر الازهر الشريف لهو الطامة الكبرى, فعالمنا العربي مليء بالجراح, نازف الدم, غارق في المحن فحري بالعرب ان يستيقظوا من سباتهم ويلحقوا بالأمم التي طوت صفحة الحروب والنزاعات والخلافات حيث لم تجد فيها الا الخراب والدمار فرمت ذلك خلف ظهرها واشرأبت الى مستقبلها تصنعه بنفسها بإرادة الله وتمضي نحو الامام لحفظ نسلها واقتصادها ومواردها وبناها التحتية. ولن تحلّ المشكلات سواء كانت داخلية ام خارجية الا بحوار متبادل بين الاطراف، حوار قائم على الانصاف والعدل والاحترام المتبادل وبعد النظر, وما نعيشه اليوم من ازمات في شتى مجالاتها نفسية واجتماعية واقتصادية وسياسية ناجم عن عدم معرفتنا بذواتنا ومطالبنا وغاياتنا فلنبدأ بالحوار اولًا مع الذات ومن ثم مع الآخر لكي نصل الى رؤية انسانية مشتركة قادرة على نقل سماحة ديننا وايصال عظمة حضارتنا التي تأسست وبنيت على قواعد الحق والفضيلة والعفو والمساواة ومن ثم ننتقل الى المطلب الرئيس- التسامح - فيما بيننا , اذ لا حياة كريمة بلا تسامح ولن يتأتى هذا التسامح الا بحوارٍ سامٍ وغايةٍ مشتركةٍ هادفة الى اقامة الحجة ورفع الشبهة والتعاون للوصول الى الحقيقة, فالحوار حاجةٌ انسانية لاندماجه مع الآخر والقضاء على الخلافات المذهبية في المجتمع . فاليوم السادس عشر من شهر مارس من العام 2013 م يومنا العربي لحقوق الانسان تحت شعار حوار يفضي الى التسامح والمحبة والاخاء والتعاون والصفاء ليعود ذلك على حضارتنا باليمن والخير والبركات ويعود على امتنا بما تحلم فيه اجيالها وتبقى ما شيدته اسلافها, حوارنا ليبدأ مع ذواتنا ليفضي بها الى آفاق رحبة وبالتالي تتفرغ الى ما يبني حضارتها فلن تكون هناك حضارة الا بحوار بنّاء ينشد التسامح, فالحوار والتسامح لا غنى عنهما في جو مشحون بالقلق والتوتر ,فحين دعا الملك عبدالله بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين للتسامح في مؤتمر حوار الاديان في نيويورك كان يسعى الى تعزيزه وتوثيق عراه. واكد يحفظه الله في المؤتمر العالمي للحوار الذي نظمته رابطة العالم الاسلامي في العاصمة الاسبانية مدريد في 17/7/2008م ان الاسلام هو دين الاعتدال والوسطية والتسامح وان رسالته تدعو الى الحوار البناء وتبشر الانسانية بفتح صفحة جديدة يحل فيها الوئام بإذن الله محل الصراع. وما دعوته ايده الله للحوار والتسامح الا ايمان منه بتعدد الآراء والافكار والرؤى وايمانه المطلق بحق الجميع بالمشاركة والمساهمة في تحليل احداث الماضي وتقييمها والحكم عليها وادراكه بحق كل انسان ذكرا او انثى ان يكون عضوا فاعلا ومؤثرا في العملية الحياتية له ولأسرته ولمجتمعه ووطنه, واذا كان الملك عبدالله دعا الى الحوار والتسامح العالمي بين افراده ومجتمعاته ومن خلال دياناتهم واصبح حوارا عالميا بين شعوب الارض فان العالم العربي اليوم وفي يومه العربي لحقوق الانسان لهو احوج ما يكون الى تطبيق وتنفيذ هذه الدعوة الكريمة من لدنه حفظه الله, دعوة الحوار والتسامح ونبذ الخلافات وترسيخ الحب عوضاً عن البغضاء والكراهية فكم نحن في هذا الجزء من العالم نتوق الى هذه الدعوة والى هذا المبدأ, حوارٌ يفضي الى التسامح والمحبة لينشأ ابناؤنا وبناتنا متحابين متآلفين تجمعهم كلمة سواء, فالحوار مطلب ديني وضرورة انسانية اذ لا حياة كريمة خالية من القلق والخوف والتوجس إلا بحوار هادف يسعى الى التسامح. ولقد ظل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يدعو في مناسبات عدة الى احلال السلام محل النزاعات والصراعات واتخاذ الحوار منهجا لتقريب المسافات بين اتباع الرسالات الالهية وذلك ايمانا منه حفظه الله بالأهمية القصوى التي يكتسبها الحوار الحضاري في عالم اليوم الذي يعيش بأجواء ملبدة بالتوتر واتساع دائرة التحديات التي تواجه البشرية وادراكا منه بخطورة مظاهر التعصب العقدي والعرقي والمذهبي وما يصاحبها من مظاهر العنف ورفض الآخر, واكد حفظه الله لندوة الاسلام وحوار الحضارات في عام 1423 ه على اسس الحوار وركائزه قائلا: ان هذا ما نسعى اليه بوعي انساني وحضاري الى أن يرانا العالم ونراه ليتفهم فضائل الاسلام وإنسانيته, واشار حفظه الله في الندوة السعودية الفرنسية لحوار الحضارات عام 1430ه ان حوار الاديان والثقافات رسالة بليغة واضحة المضمون لجميع شعوب العالم بأن الاسلام دين المحبة والاخاء والسلام. ان الحوار والتسامح هو السبيل الامثل لرقي الحضارات ومن اجل ذلك كله تم اشهار اول اكاديمية متخصصة في قياس اهتمامات وتوجهات المجتمع لتكون بيت الخبرة الاول لتعزيز الحوار والتواصل بين متخذ القرار والمستفيد منه وهذه الاكاديمية ستسهم في تدعيم مسيرة مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني والقائمة على نشر ثقافة الحوار ومهاراته وقيمه الداعية الى التسامح والوسطية والاعتدال وتقبل الآخر وتعزيز ثقافة الحوار كأسلوب حضاري. والمؤمل من جامعة الدول العربية ان تُفعل اليوم العربي لحقوق الانسان بنشر ثقافة ذلك اليوم وتعلق الرايات البيضاء وتطلق حمام السلام وترفع اغصان الزيتون ليكون يوم محبة وصفاء. ودام عالمنا العربي في حبٍ ووئامٍ وتسامحٍ وسلام. نقلا عن صحيفة الرياض السعودية