مازالت ثورة مارس 1919 هى الثورة الأم في التاريخ المصري والتي هبت فجأة غداة اعتقال المحتل للمناضل الوطني المستشار سعد زغلول «9 مارس 1919»، ولم يهدأ أوارها إلا برضوخ المحتل لثورة الشعب بالإفراج عن وكيله وزعيمه الذي كان سبباً مباشراً في إشعال الفتيل الكامن، متمخضة عن آمال حبلى في رحم الثورة التي ولدت لنا بنين متطلع والمتمثلة في إنجازات عظمى كدستور 1923 وافتتاح البرلمان كباقورة طيبة لبدء حياة نيابية وتشكيل أول حكومة برلمانية في تاريخ مصر خلاف إنجازات اجتماعية واقتصادية رائعة كثورة هدى شعراوي الرائدة وطلعت حرب الناجعة.. فماذا تبقى إذن من آمال الثورة الأم آنذاك سوى استقلال وادي النيل ووحدته، لذلك كان تمسك مصر بمسألة السودان هو العقبة الكبرى إبان المفاوضات بين الجانبين المصري والبريطاني لنجاح المفاوضات وتحقيق الاستقلال التام. ويجئ انقلاب يوليو 1952 ليقوم المفاوض المصري، ولأول مرة، بإصدار اتفاقية الجلاء بتسليمه ورقة السودان، وبذلك قبل سلخ الجلد عن اللحم في الوقت الذي أطلقوا عليه بطل الجلاء، ولا أدرى هل كانت تلك بطولة أم خيبة أمل حيث أعلن زعيم الأمة مصطفى النحاس صارخاً بزنه سبق أن رفض تلك الاتفاقية منذ أكثر من ربع قرن تمسكاً بالسودان!! إن ثورة 1919 المجيد قد أخرجت مدرسة كبرى من الزعماء الوطنيين، لكن انقلاب يوليو 1952 البغيض قد أخرج لنا المخلوع الفاسد وعصابته اللصة الفاجرة ومازلت أؤمن بأن سعد زغلول هو أبو الزعماء ولم يأت من بعده زعيم قدر مصطفى النحاس، وأن ثورة 1919 هي الثورة الأم ولم يأت بعدها غير انتفاضة 18 يناير 1977 التي أجهضوها وثورة 25 يناير التي سرقوها!! وأن السبب الجذري فيما وصلت اليه مصرنا الحبيبة الآن من خراب ودمار هو استبداد وفساد انقلاب يوليو 52 ذو السبة والعوار! ويبين الأمين المدقق في تأريخ لتلك الفترة بأن شيئا ما فادحا قد أصاب التطور القومي الحضاري بالخلل، وان انفجار 25 يناير ما قام إلا لتصحيح المسار العظيم الذي سارت عليه خطى ثورة 1919 لولا وقوع البلاد تحت مراحل مستبدة مختلفة طوال ما يعرف تأريخا بعهد سلطة يوليو حتى فصلته عن تراثه الحضاري وكما لو أحدثت به انفصاما قوميا أدى اجتماعياً الى حالة من التمزق والتوهان، وذلك ما يفسر اللغز الحائر في سر ذلك الضياع الهائل والفوضى الهدامة والاضطراب المستمر المتجدد وبما يعطي فرصا شهوانية شريرة للهو الخفي الذي يجد استجابات ترضية كرد فعل واعتبار معا لاستبداد وفساد، وكبت وحرمان دام عقوداً متوالية من الزمن. لكن بشري: فأين الشعب السليب حريته منذ زمن طويل، ليس لديه خيار في الفرصة المقبلة، بعد أن يسترد توازنه، غير أن يختار - وقد عرف حكم العسكر والإخوان - حزبا من الأحزاب المدنية الحرة كالتي كانت قبل يوليو 1952 أي التي كانت من ثمار ثورة 1919 المجيدة. ولعلها فرصة حزب الوفد الجديد الذي يمتاز بالأصالة والعراقة وبما يحمل من تراث وطني حر وشريف.