قُبيل الحراك المصري في يناير عام ،2011 صدر في القاهرة كتاب بعنوان مثير هو “لماذا لا يثور المصريون”، ومؤلفه الروائي والطبيب علاء الأسواني . في تلك الآونة الحرجة كان بعض المثقفين والناشطين، ومنهم الأسواني، يرون أن الظروف الموضوعية مواتية للتغيير، وأن شيخوخة النظام لا تتيح تمديد صلاحيته . لكن سؤال د . الأسواني هو بحد ذاته يحمل إجابة، وكأنه يعلن دهشته من عدم الثورة، أو من تأجيلها، لكن ما إن حدثت حتى تبدّل المشهد جذرياً، وتحول الصمت المشحون بالحذر والترقب إلى صخب لا يهدأ، ومرّ عامان ومصر في حالة مستمرة من الغليان، بحيث أوشك الفاصل بين الحيوية السياسية بمعناها التقليدي، والفوضى أن يضيع، وولدت مجدداً الحاجة إلى كتاب يحمل عنواناً مضاداً هو “لماذا لا يهدأ أو يستقر المصريون”؟ إنها أحجية بالتأكيد، ولا يمكن حلّها بالعودة إلى مرجعيات فكرية من طراز ما كتبه غوستاف لوبون قبل قرن عن سايكولوجيا الجماهير، أو حتى ما كتبه جان جاك روسو قبل ذلك، هي الأحجية الثانية لأبي الهول، وثمة الآن اشتباك صاخب حول فهمها أولاً، ومن ثم محاولة تفكيكها . إذ لا يمكن لبضعة أشهر فقط أن تكون الفاصل التاريخي بين شعب لا يثور وشعب لا يهدأ، ففي الحالتين ثمة تطرف ومغالاة في التوصيف، رغم أن هذا التوصيف ليس من اختراع مؤلف بقدر ما هو انعكاس لمشاهد أصبحت يومية ومتكررة، إن لم تكن متصاعدة في بعض المناسبات . ومن عاشوا في مصر أثناء صدور ذلك الكتاب لا بد أنهم شاهدوا عن كثب مقدمات للحراك، سواء من خلال “حركة كفاية” التي بدأت قبل عقد من يناير، أو من خلال أحزاب معارضة، لكن كل تلك المقدمات مجتمعة لم تكن مؤهلة لإطاحة نظام . والمسألة ليست فيزيائية أو من صُلب الطبيعة كي نقول إن أحوال البشر تشبه الحديد الذي ينقسم إلى صَلب ومُطاوع، فالتاريخ بمجمل إفرازاته له نواميس أخرى . وكذلك التكوين النفسي للشعوب، فهي نتاج ألفيات وليس قروناً فقط، وما تدخره من احتياطيات يصعب على أي حاسوب أن يحصيه، لهذا كانت المفاجأة في نهار مصري بارد من شهر يناير، حيث تحول إلى يوم شديد الحرارة من فَرط الانفعالات، وانتهى الفصل الأول من تلك الدراما بتنحي الرئيس . وهذه الدراما المصرية لم يكتبها سيناريست محترف وضليع من طراز الراحل أسامة أنور عكاشة، بل هي من كتابة شعب، وبلغته الأليفة، وإن كانت موسيقاها التصويرية بخلاف كل المسلسلات هي رصاص مطاطي وحيّ وقنابل مسيّلة للدموع والذكريات الشجية معاً، مادام المسرح الأول للأحداث هو ميدان يشبه القلب في وسط العاصمة المصرية، ومنه وإليه تتدفق الشرايين من مختلف الأحياء، سواء كانت راقية أو من العشوائيات . إن مهمة من يتولى كتاباً آخر بعنوان مضاد لكتاب الأسواني أعسر بأضعاف من مهمة الكتاب الأول، لأن السؤال الآن هو عن عدم هدوء المصريين أو توصلهم بمختلف الأطراف والأطياف إلى حد أدنى من الوئام الوطني الذي يتيح معالجة أزمات صعبة ومتزامنة، بقدر ما هي مُزمنة بدءاً من الأمن حتى الاقتصاد . لقد وجدت أحجية أبي الهول من يحلها، لأنها ذات صلة بالإنسان الفرد الذي يمر بمراحل النمو الثلاث، بدءاً من تعثره وهو يحبو على أربع، حتى اتكائه على العصا في النهاية، أما الأحجية الجديدة فهي ذات صلة بأكثر من تسعين مليون مصري، وبانفجار أكثر من تسعين مليون مكبوت مؤجّل . نقلا عن صحيفة الخليج