عن المركز القومي للترجمة صدرت الترجمة العربية لكتاب «عرب لا نراهم»، من تأليف الإيطالية باولا كاريدي، وترجمة مروة علي فوزي، ومراجعة سوزان إسكندر، وقدم للكتاب في طبعته العربية الكاتب والروائي علاء الأسواني. يتناول الكتاب، كما يتضح من عنوانه الفرعي الطويل، «العرب الذين نعرفهم.. أولئك الذين ليسوا إرهابيين»، صورةَ العرب كما تشكلت وترسخت في أذهان الأوروبيين، وهي صورة نمطية تشكلت في ظل عوامل وتفاعلات عديدة، أدت إلى وصم العرب جميعا بالتطرف والإرهاب، وهو ما تحاول مؤلفة الكتاب دحضه، والتأكيد على أن العرب ليسوا جميعا إرهابيين، كما أن الذين يعتدون على البلدان العربية والإسلامية ويغزون العراق ويقتلون أبناء هذه البلاد من الأمريكان وحلفائهم، لا يمثلون الحضارة الغربية ولا مجموع الشعوب الغربية بحال من الأحوال.
وفي تقديمه للطبعة الإيطالية من الكتاب، التي ترجمت إلى العربية، وصدر بها الكتاب، يؤكد الأسواني على أهمية تجاوز الصورة النمطية للآخر والعودة إلى إنسانيته المفقودة، بعيدا عن التفسيرات السطحية الساذجة أو المغلوطة، مشيرا إلى أن هذا الكتاب يُظهر للجمهور الأوروبي أن المعتدلين الحقيقيين في المجتمعات العربية لهم وجود بارز وملموس، ولكن تطحنهم الصورة النمطية، ولا يعرف أحد في أوروبا أو أمريكا عن حياتهم شيئا.
ويلفت الأسواني النظر في مقدمته إلى أن ثمة فرقاً بين صورة العرب في أمريكا وبين صورتهم في أوروربا، ومن خلال سرده لجوانب من خبرته الشخصية في السفر إلى بلدان عديدة، أدرك ما سماه «عملية التزييف الكبيرة وراء الصورة النمطية» التي تحكي عن الآخر دون اعتبار لإنسانيته، بل تتغافل عن حقيقة كونه إنساناً من الأساس، كما إنه انتبه للمرة الأولى إلى أن الصورة النمطية من أي نوع كانت من الممكن أن تكون مريحة للغاية لأنها تمنح تصورا سابق التجهيز للعالم، وتمنح موقفًا واضحًا دون الحاجة إلى تفكير، وبالتالي تكوين صورة جامدة زائفة تجافي الحقيقة عن الآخر.
أما مؤلفة الكتاب، باولا كاريدي، فهي مؤرخة وصحفية إيطالية حاصلة على الدكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية، وتعيش في العالم العربي منذ العام 2001، فتشير في مقدمتها إلى خبرتها الشخصية بالعالم العربي لافتة الى أن هناك طابورا من العرب غير المرئيين، الذين لا يعرفهم الغرب، كما لو أن إدوارد سعيد لم يكتب كتابه الشهير (الاستشراق) قبل أكثر من ربع القرن.
وتؤكد باولا في كتابها أن الإسلام الذي يتم تصديره للغرب طول الوقت، هو الإسلام المعادي للغرب وللمسيحية، ذلك الإسلام الذي يتبع نظريات الحملات الصليبية البالية في العداء، وإسلام القاعدة، والإسلام السياسي الأكثر أصولية، بينما ظل خافيًا عن أعين الغالبية في الغرب تلك الصور الثرية عن العالم العربي المتعدد.
ويتضمن الكتاب ما يمكن قراءته بوصفه نبوءات للثورات التي شهدتها مصر وتونس، حيث يضم فصولا كتبت بطريقة التحقيقات الصحفية التي تعالج عدة موضوعات، منها مثلا قضية الحجاب إذ تحلل المؤلفة خلفيات ظهور بعض مذيعات قناة الجزيرة بالحجاب وبعض نجمات السينما المصرية، وعلى رأسهن حنان ترك، وتربط الحجاب بالخلفيات الثقافية والدينية في المجتمعات العربية، كما تفرد المؤلفة فصلا عن حركة كفاية المصرية، وعن حركة التدوين السياسي والفضاء الافتراضي للمعارضة السياسية في مصر وفي تونس التي تحظي بمكانة خاصة في الكتاب؛ إذ خصصت المؤلفة مساحة كبيرة لتناول أثر الإنترنت في تغيير المزاج السياسي للشباب التونسي، لافتة إلى مغزى تحول الشباب التونسي إلى أبناء متمردين بعد أن ذاقوا طعم الحرية الإلكترونية، كذلك يتضمن الكتاب فصلا خاصا عن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية الذي التقت المؤلفة به وقت أن كان قياديا في حركة الإخوان المسلمين، وتناقش في فصول الكتاب الأخرى الكثير من القضايا المثارة الآن بشأن المستقبل السياسي لمصر، وموقع قوى الإسلام السياسي بداخله والجدل الدائر بشأن إمكانية التوافق بين مختلف القوى السياسية حول علمانية الدولة المصرية.