الشعب المصرى متذوق للفن الأصيل.. وأغانى المهرجانات لا تعبر عنه عندما تكتب عن فن هو صاحبه، ولحن هو من صاغه، وتاريخ هو من سطره، يقف القلم حائرا أمام الورق، يتساءل كيف لأسطر أن تختزل فى عُجالة مسيرة خمسة عقود للفنان السعودى عبادى الجوهر، الذى صال وجال بالأغنية الخليجية حاملا معه عوده الذى يدندن معه أجمل الألحان والأغانى التى تعود بنا لليالى الطرب الساحرة. تاريخه الفنى المرصع بالنجوم حافل بالمحطات الفنية الناجحة والمُلهمة، التى سطرها بصوته وعزفه المتفرد على آلة العود حتى لقبه الفنان الكبير الراحل طلال مداح ب«اخطبوط العود»، فهو مدرسة فنية رسم من خلالها ملامح فنان متفرد فى الوطن العربى، وترك مرجعا ينهل منه الأجيال المتعاقبة. أعرب الجوهر عن سعادته بالتكريم فى الدورة ال30 لمهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية، مؤكدا أن التتويج تكريم للعطاء الفنى الممتد أكثر من نصف قرن من الزمان، قدّم خلالها كثيراً من الأعمال خلالها، منها 50 ألبوماً. التقت «الوفد» بأخطبوط العود عبادى الجوهر، للوقوف معه على مشاريعه الغنائية الجديدة، ومعرفة رأيه فى شكل الغناء الآن. وإلى نص الحوار: كيف رأيت مشهد تكريمك فى مهرجان الموسيقى العربية بدورته الثلاثين؟ - التكريم ليس بغريب على مصر الشقيقة، فهو الثالث لى من مصر، إذ حصلت سابقاً على الدكتوراه الفخرية من أكاديمية الفنون عام 2015، وجائزة أفضل مطرب خليجى بالنسخة الخامسة من مهرجان الأغنية العربية المصورة فى مونديال القاهرة للإعلام العربى، وجائزة خاصة من مهرجان الإسكندرية للأغنية عام 2014، والتكريم بمثابة تتويج لمسيرة فنية ممتدة لأكثر من خمسين عاما، قدّمت خلالها كثيراً من الأعمال، أكثر من 50 ألبوما غنائيا، و10 أسطوانات و7 ألبومات ريمكس و12 ألبوماً مشتركاً، كما شاركت فى 5 أغنيات وطنية، وأكثر من 250 لحنا قدمتها لكبار المطربين مثل طلال مداح وأصالة نصري، نجاء الصغيرة، رجاء بلميح، سميرة سعيد، أسماء المنور، رابح صقر، عباس ابراهيم، عبدالله رشاد، وانتصارا لتاريخى الفنى الكبير، لا يسعنى إلا أن أتقدم بالشكر الجزيل وعظيم الامتنان إلى القائمين على المهرجان. تأتى مشاركتك فى المحافل والتظاهرات الفنية فى مصر على استحياء.. لماذا؟ - مصر بلدى الثانى، عدم تواجدى فى معظم التظاهرات الفنية الخاصة بها لأمر خارج عن إرادتى، أنا فنان ألبى دعوة الأوطان العربية، نحن على تواصل مستمر مع فنانى مصر ومثقفيها ومبدعيها، وتأثرت بالتراث الغنائى المصرى الذى فرض نفسه على المنطقة العربية، فإنه لشرف لى أن أشارك فى مهرجان الموسيقى العربية بدورته الثلاثين، وألتقى بجمهوره الكبير الذواق والمتعطش للأصالة والطرب، كما أن حضورى وأعمالى الفنية مستقرة فى ذاكرة شعوب المصريين. عبادى الجوهر تاريخ فنى مرصع بالنجومية والنجاح.. فى كل خطوة تخطوها بثبات وثقة هل تكلفك مزيدا من الجهد الذهنى فى انتقاء أعمال تُضاف لمسيرتك؟ - الانتقاء ليس عملية بسيطة، لأن النجاح مسئولية، والتاريخ الذى صنعته بصوتى وألحانى يتطلب منى التأنى والتدقيق فى اختياراتى الفنية الجديدة، حتى لا أخذل جمهورى الذى وضع فيّ الثقة الكاملة ومنحنى النجومية، لهذا أختار الكلمات القريبة من الشعوب العربية وسهلة الفهم عليهم وليس خاصة بشعب محدد دون سواه، والخط اللحنى الذى يتناسب مع لونى الغنائى الذى اخترته فى بداياتى الفنية. اتجاهك للتلحين لعدم وجود ما يلائمك فى السوق الغنائى؟ - اتجهت للتلحين فى عام 1970، وبدأت فى التلحين لنفسى بداية بأغنية «أحبها»، وفى عام 1971 توجهت للقاهرة لتسجيل أغنية من ألحانى بعنوان «كأنك حبيبى» من كلمات الأمير بدر بن عبدالمحسن، واتجاهى للتلحين لأن ما كان يقدم لى فى هذه الفترة ليس اللون المناسب الذى يكملنى ويساعدنى على سلك خط مختلف عن الخطوط الموجودة، لهذا قررت أن أصنع شخصيتى المختلفة ولونا خاصا بى أتفرد به عن أقرانى من الفنانين، كما أننى قدمت أكثر من 250 لحنا لكبار الفنانين، ففى عام 1978 لحنت إحدى أشهر أغانى الفنان العظيم الراحل طلال مداح بعنوان «طويلة يا دروب العاشقين» من كلمات الأمير بدر بن عبدالمحسن. كيف تقرأ المشهد الغنائى الآن فى مصر؟ وهل لديك ملحوظات على الموضة الغنائية الجديدة التى اقتحمت السوق الغنائى؟ - أحترم جميع الأنماط الموسيقية التى تقدم، وإذ كنا نتحدث هنا عن أغانى المهرجانات فهى ليست جميعها غير لائقة، يوجد منها ما هو مناسب لطرحه على الساحة، وآخر غير مناسب، على المطرب أن يختار الشكل الغنائى الذى يناسبه دون أن يحيد عن عادات وتقاليد مجتمعه الشرقى، والظواهر الغنائية هى موضة ليست جديدة ولكن سُرعان ما تختفى لأن فى النهاية لا يصح إلا الصحيح، ظهرت العديد من الألوان والأشكال الغنائية لكن بقيت الأغنية الطربية والكلاسيكية خالدة فى الذاكرة مهما مر عليها من قرون وأزمنة. برأيك هل ظهور أغانى المهرجانات يرجع لانحدار الذوق العام فى مصر؟ - الشعب المصرى ذوّاق، ومصر بلد الفنون والحضارات، لا يصح أن أخزل تاريخ بلد عريق قدم لنا فنا راقيا استطاعت أن تعبر به كافة الأوطان العربية بتراثها الذى تربينا عليه كفنانين ونقدره وننهل منه فى أغانى المهرجانات، هى موضة أو حالة يحاول فيها المواطن أن يخرج من همومه ومشاكله فيها ليس إلا. وكيف ترى دور الأوبرا المصرية للتصدى للظواهر الغنائية الأقل احترافية؟ - الأوبرا هى الصرح الوحيد الذى يحافظ على هويتنا الشرقية والعربية، وتراثنا الغنائى، وفى الحدّ من انتشار الأغانى الهابطة. من المحلية للعالمية هكذا يمكننا تلخيص مشوار الأغنية الخليجية التى استطاعت أن تحجز لنفسها مكانة فى الغناء العربى .. كيف ترى ذلك؟ - بغض النظر عن انتمائى الخاص للأغنية الخليجية، فإن أى شخص يمكنه أن يلمس الطفرة التى شهدتها الأغنية الخليجية، التى كانت محصورة فى منطقة الخليج، وكيف استطاعت أن تتبلور وتخترق حاجز الخليج لتعبر الأوطان العربية، وتُلهم البلدان العربية الشقيقة لغناء مقاماتها ونقلاتها الموسيقية، وأعتقد أن الأغنية الخليجية ستواصل ازدهارها وتجتذب جمهوراً أكبر وأوسع بفضل خصوصيتها وشخصيتها المختلفة عن نظرائها، خاصة مع الانفتاح الثقافى والفنى الذى تشهده السعودية الآن. على ذكر الانفتاح الفنى والثقافى الذى تشهده المملكة العربية السعودية إلى أى مدى ساهم هذا الانفتاح فى الترويج للاغنية الخليجية؟ - ساهم بشكل كبير، وأعتبر أن ما يحدث على أرض المملكة يدعو إلى الفخر، حيثُ فتح نافذة للأغنية الخليجية لكى تحلق فى الفضاء تنثر فنونها فى مختلف الأوطان، وفخور بموسم الرياض الذى يحرص على التنوّع الفنى من خلال الجمع بين الثقافات حول العالم. كما أن قديما قبل ظهور الثورة التكنولوجية والانترنت ومنصات التواصل الاجتماعى كان المجتمع السعودى يعيش بمعزل عن الفنون العربية، لكن التظاهرات الفنية والفعاليات التى تحرص المملكة على اقامتها تقدم الفنون على طبق من ذهب لشعب المملكة المتعطش للفنون وللطرب. كيف ترى موضة غناء المطربين المصريين واللبنانين والسوريين باللهجة الخليجية؟ - أرى أن الأغنية الخليجية نجحت فى فرض نفسها على الساحة وحجزت لنفسها موقعاً متميزاً على الساحة. طلال مداح كان صاحب فضل كبير عليك.. فما الذى تغيَّر فى حياة عبادى الجوهر بعد رحيله؟ - «طلال» غيّر مسار حياتى، فهو أول من آمن بموهبتى، واقتنع بها وبطريقة عزفى على العود وقرر انضمامى لشركته «رياض فون» التى كانت تحرص على ضخ دماء جديدة فى السوق الغنائى السعودي. رحيله لم يؤثر على شخصيتى الفنية، وإنما شعرنى بالفقد، مفتقد وجوده فهو كان صديقا مقربا لى. أصحاب المواهب الجادة الآن لا تلقى دعما من شركات الإنتاج، بم تفسر ذلك؟ - الموهبة الحقيقية لا تحتاج لشركة إنتاج لتخرج للنور، خاصة فى ظل الثورة التكنولوجية التى نعيشها الآن، فأصبح بمقدوره الذهاب للمنصات الرقمية وتحقيق النجاح المرجو. بعد مسيرة غنائية حافلة تمتد لأكثر من خمسة عقود، ما الذى تغير فى شخصيتك؟ - ما زلت أشعر أننى فى بداية المشوار، أحرص على تقديم ما يلامس وجدان الناس من خلال النصوص الغنائية المميزة التى تعبر عن الناس وأحوال المجتمع، واختيار اللحن الذى توافق مع ذوق المجتمع والجمهور. موسيقار الجزيرة العربية، أخطبوط العود، سفير الحزن.. ألقاب رافقت الجوهر.. ما الأقرب لديك؟ - الألقاب التى منحنى إياها الجمهور جميعها تسعدنى، ولا أفضل لقباً عن سواه لأن عليّ أن أحترم ذوق الجمهور فى منحى اللقب أو الشكل الذى وجدنى فيه.