لمجرد التذكرة.. تقدمنا الاقتصادي يتوقف تماما علي انضباط الشارع المصري.. وسيادة »ثقافة العمل«.. و»حكم القانون«.. حتي ولو كان ذلك يغضب من أدمنوا الصياح والهياج..!! لابد من وقفة حاسمة وباترة.. وباترة.. لتقف مصر بشبابها الطاهر في مواجهة أولئك الذين ينطبق عليهم المثل الشعبي.. »سكتنا له.. دخل بحماره«!! أولا ركائز أساسية للاقتصاد المصري المنشود: بعيدا عن الأيديولوجيات المطلقة.. فإن بناء الدولة الحديثة لابد أن يستفيد من التجارب التي مر بها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عبر حوالي سبعة عقود من الزمن، وهي تجارب أسفر بعضها عن أزمات وبعضها الآخر عن نتائج ايجابية مذهلة..!! وفي الوقت ذاته شهد العالم عبر السنوات العشرين الماضية تقدما خياليا في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات انعكس في جزء كبير منه علي الأداء الاقتصادي لمختلف دول العالم.. الأمر الذي أبرز التعبير الذي يعايشه العالم.. ألا وهو »العولمة«.. مع ملاحظة أن هذا التعبير لا يتنافي مع »المواطنة«.. وإنما يعني أننا نتعامل مع العالم في إطار ما يحقق لوطننا أكبر العائد وأقصي الفائدة..، خاصة أن التطبيق الصحيح »للعولمة« يتضمن بالدرجة الأولي اضافات ذات قيمة كبيرة لإمكاناتنا وقدراتنا الاقتصادية وغير الاقتصادية..!! وبالتوازي مع »العولمة«.. هناك حوار - يكاد يكون عالميا - حول »الاقتصاد الحر« وهو تعبير يجب أن نعي أنه ليس »بكفر« ما دمنا نتفهم تماما أنه - كغيره من التعبيرات الاقتصادية - ليس مطلقا، وإنما يعني في حقيقته استهداف أقصي العائد مع توزيع هذا العائد علي مجموع الشعب في أحسن صورة.. ومن هنا فقد برزت في السنوات الأخيرة مترادفات كثيرة لهذا التعبير، نذكر منها: »الطريق الثالث«، »المشاركة بين العام والخاص«، »الاقتصاد الحر ذو الأنياب الإنسانية« »الاقتصاد الحر ذو البعد الاجتماعي«، »الاقتصاد الحر لمصلحة الشعب«..!! تعبيرات تصل بنا في النهاية إلي تحقيق فلسفة أن الاقتصاد الأمثل يديره الإنسان.. لمصلحة الإنسان.. ولمصلحة المجتمع حاضرا ومستقبلا..!! ومن ثم فإن الشباب الطاهر الذي حقق ثورة 25 يناير عليه أن يعي تماما أنه عليه أن يعبر بالاقتصاد المصري عنق الزجاجة الذي أسفر عنه التطبيق الخاطئ لمفهوم الاقتصاد الحر 1- الاقتصاد الحر لا يعني تقليص دور الدولة، بل علي العكس إن هذا الاقتصاد يتطلب من الحكومة أن تقوم بدور أكبر في الأداء الاقتصادي مشاركة وتوجيها وتقنينا ورقابة..!! 2- والاقتصاد الحر لا يعني مجرد تحقيق معدل نمو اقتصادي متزايد، وإنما يعني أساسا توزيع عائد هذا المعدل توزيعا عادلا لينال كل الشعب.. ونكرر.. كل الشعب.. نصيبه من عائد الموارد.!! 3- والاقتصاد الحر لا يتوقف عند »القلة النسبية« للموارد، وإنما يعتمد بصفة أساسية علي حسن إدارة هذه الموارد.. في إطار من »الانتاجية العالية«، »الانتاج المتزايد«، »القدرة التنافسية« جودة وسعرا وتسويقًا.. وكلها مواصفات يمكن تحقيقها للاقتصاد المصري المنشود..!! ثانيا المقدمات الرئيسية للتطور الاقتصادي المستهدف: علي الرغم من أن السنوات الإحدي عشرة التي سبقت ثورة 25 يناير شهدت فسادا سياسيا امتد ليطول الكثير من الجوانب الاقتصادية، إلا أننا يجب أن نقر أنه لدينا بنية اقتصادية أساسية نستطيع - وأقصد يستطيع شباب الثورة الحقيقي - أن يبني عليها انطلاقة اقتصادية قوية. وقد يكون من المهم أن نذكر بعض جوانب هذه البنية الأساسية ممثلة فيما يأتي: 1- شراكة قوية بين قطاع عام وقطاع خاص، ولو أننا نعترف بأن الأول في حاجة إلي جهد مكثف للتطوير والتحديث والدعم، والثاني في حاجة إلي كثير من التقويم خاصة وأن الواقع قد أثبت أن أقلية فقط من رجال الأعمال هم الذين طالهم الفساد والعفن بينما الغالبية هم من الرجال والسيدات الشرفاء الذين يجعلوننا نتذكر أئمة الاقتصاد المصري في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي أمثال طلعت حرب وأحمد عبود والبدراوي عاشور وغيرهم..!! 2- شبكات لا بأس بها في العديد من مقومات »البنية الأساسية« مثل الطرق والمواصلات والاتصالات - التقليدية والحديثة - والكهرباء والمياه والصرف الصحي. ومع الاعتراف بأن هناك عيوبا خطيرة في بعض هذه الشبكات، إلا أننا يجب أن نعترف أيضا أن هذه العيوب ترجع لدرجة كبيرة إلي سوء الإدارة وسوء التخطيط وسوء التوزيع.. أي أن التقويم متاح، خاصة وأن لدينا الكثير من الدراسات حول هذه الجوانب، كما أنه لدينا العقول اللازمة للإصلاح.. وهي عقول مسلحة بالعلم الحديث والتكنولوجيا المتقدمة. 3- جهاز مصرفي أثبتت الأزمات - ومنها الأزمة المالية العالمية في 2008 أنه جهاز قادر علي الوفاء باحتياجات السوق ائتمانا وادخارا واستهلاكا.. وكل ما هو مطلوب السير قدما في خطط مدروسة وواضحة لتطوير القطاع وتحديثه بل ولزيادة »شراسته« في المواجهة..!! 4- بنية قانونية نعترف بأنها تحتاج إلي مزيد من الفكر والتشريع ثم التطبيق.. إلا أن أسس هذه البنية موجودة وتصلح تماما للبناء عليها حتي تكتمل المظلة التشريعية التي يمكن في ظلالها تحقيق الانطلاقة الاقتصادية المستهدفة..!! 5- علاقات اقتصادية عربية ودولية زادت ثورة شباب 25 يناير من قوتها ومن احتمالات مستقبلية أكثر شروقا..!! هناك اختلالات في بعض هذه العلاقات.. إلا أن اخلاص الشباب وأمانته والتزامه ومعرفته.. كلها من العوامل التي تؤكد قدرتنا علي تحقيق نجاحات كبري من هذه العلاقات.. سواء بالنسبة للاستثمار أو التبادل التجاري والخدمي أو الحصول علي التكنولوجيا المتقدمة في مختلف المجالات..!! 6- ثروة بشرية كبيرة.. اثبتت وجودها.. إلا أنها تحتاج منا المزيد والمزيد حتي نستطيع تفجير طاقاتها الكامنة.. وهي - في نظري - طاقات مهولة تستطيع أن تصنع المعجزات.. لو أعطيناها ما تسحتقه من رعاية تأهيلا وتدريبا ورعاية حياتية..!! تستطيع هذه الثروة - في الداخل وفي الخارج - أن تحقق من خلال - ثقافة عمل صحيحة - ربطا بين الانتاجية والأجر.. وهو ربط قد تعجز عن تحقيقه التشريعات والحوارات.. وبالتالي نستطيع أن تحقق عقدا مثمرا متينا بين أصحاب العمل وبين العاملين.. ليكون الجميع شركاء في بناء المستقبل..!! 7- موارد متنوعة: زراعة، تعدين، صناعة، سياحة، موقع استراتيجي.. هذا التنوع يمنح مصر قدرات اقتصادية ثرية.. إذا أحسنا استثمار هذه الموارد بالتوازي دون أن يكون أحدها علي حساب الآخر..!! لكل من هذه الموارد وظيفته ومعطياته بالنسبة للبناء الجديد.. وهو ما سنعرض له في مقالات قادمة.. بإذن الله..!! وفي جميع الأحوال فإن الانطلاقة الاقتصادية يجب أن ترتكز علي: »1« الارتفاع بمعدل الانتاجية، »2« زيادة الانتاج، »3« عدالة توزيع العائد »خدمات أجور«. ويجب أن نعي أن هذه الركائز الثلاث لن تتحقق إلا في ظل الوعي بالفلسفة الاقتصادية التي تقر بأن: »1« الرؤية المستقبلية دون عمل لا تخرج علي كونها »أحلام يقظة«، »2« العمل بلا رؤية مستقبلية لا يخرج عن كونه »هباء منثورًا«.. ومن ثم »3« فإن العمل الاقتصادي المثمر يعتمد علي وجود رؤية مستقبلية »استراتيجية« يصحبها مجموعة برامج تنفيذية تستهدف مكونات الرؤية المستقبلية وهي برامج متتالية ذات مواصفات المتواليات »الهندسية«..!! مثل هذه »الفلسفة الاقتصادية« هي »العقد« الذي تلتقي حوله إرادة الدولة حكومة وقطاع عام وقطاع خاص.. أصحاب عمل وعمال..!! إن الأمر ليس مستحيلا.. بل وليس صعبا..!! إنه يتطلب إرادة مصرية خالصة.. ويتطلب وعيا مصريا حقيقيا.. ويتطلب عملا مصريا صحيحا.. وكلها من مواصفات شباب ثورة 25 يناير!! ولنا عودة إلي بعض التفاصيل التي قد تفيد في مسيرة الشباب.. في مقالات قادمة..!! وعليكم أن تقولوا معي: تحيا مصر.. وتحيا مصر.. وتحيا مصر.