فخور بإحياء ذكرى والدى فى أقرب البلدان إلى قلبه «مصر» «عظيمة يا مصر».. المصريون عشقوا «الصافى» وأهدوه الجنسية والدى استخدم الفن لنشر القيم الإنسانية لبناء الإنسان كنواة للأوطان إذا أحببتم أن تتعرفوا على حضارة برمتها اسمعوا أغانى وديع الصافى وديع الصافى، المولود فى عام 1921، والمتوفى فى مثل هذا الشهر لعام 2013، لم يزل يغرد متنقلا بين قلوب مستمعيه برشاقة وانسيابية أخاذة تقبض على الوجدان، صدى مواويله و«أوفه» الشهيرة، مازالت تترد فى كل شارع جعلت له حضوره الخاص، فما شدا به وقدمه فى مسيرته الفنية الحافلة، من أغانٍ متنوعة الألوان والقوالب الغنائية، جعلت منه المطرب الذى تستمع له مختلف الأجيال، يكفى أن تستمع لكورال الصباح فى المدارس وهم يتغنون برائعته «عظيمة يا مصر» فيرتجف القلب من شعوره بالصدق لعشق الرجل تراب مصر التى وهبته جنسيتها إيمانا بمشاعره. احتفى مهرجان الموسيقى العربية بمئوية الفنان القدير فى حفل جماهيرى كبير استعاد به أحلى ما غنى «صوت الجبل»، فى حوار من القلب يأخذنا أنطوان فى رحلة عمره يحكى خلالها عن إبداع والده. فى البداية سألته: «مئوية وديع الصافى» ليلة حققت نجاحًا كبيرًا ضمن ليالى مهرجان الموسيقى العربية.. حدثنا عن التفاصيل؟ - سعدت كثيرا بردود أفعال الجمهور خلال الاحتفال بالمئوية الأولى لوالدى، والمشهد أعاد لى حضوره وإحياءه لحفلات المهرجان التى حضرتها معه وكانت روحه كانت حاضرة معنا، وأنا سعيد بلقاء جمهور وديع الصافى فى مصر، بقيادة المايسترو سليم سحاب وسعدت بالحفل الذى لاقى حفاوة شديدة من الجمهور والسفراء والسياسيين. وديع الصافى حبيب المصريين كما نطلق عليه.. حدثنا عن علاقته بمصر كما عاصرته؟ - مصر هى أول دولة عربية هاجر اليها وظل بها عاما كاملا، عشق الشعب المصرى وطيبته وتواضعه ولسانه الطيب وفنانيه وكان لديه حنين دائم لمصر فكانت جملته: من يحب وطنه يحب أوطان الغير، والمصريون وصل لهم هذا الحب فبادلوه الحب والوفاء لشخصه ولفنه، وغنى لهم من قلبه، ويظل لعشق الموسيقى محمد عبدالوهاب منذ عام 1944 وحتى رحيله غلاوة خاصة فى قلبه. أغنية «مصر العلا وضمير العرب» إحدى أهم أغنيات الفنان الراحل.. حدثنا عن تفاصيلها وأسرارها وكيف خرجت؟ - «اذا مصر قالت نعم فاسمعوا.. مصر العلا وضمير العرب» قدمها فى عام 1994، وكانت بداية وجوده فى مصر، وكان صديقنا الشاعر شكرى نصرالله فى زيارة للقاهرة آنذاك، وطلب منه أن يكتب له أغنية يقدمها فى حب مصر، وكانت خلفيته صحفية سياسية فقالت «إذا مصر قالت نعم فاسمعوها، مصر العلا وضمير الأرض» وقتها شعر الصافى برد الدين للوفاء تجاه مصر وأراد أن يشعر العالم بدورها الريادى عربيا من خلال الفن، وهذا سر نجاح العمل. «أغنية عظيمة يا مصر» حققت نجاحًا عالميًا منقطع النظير. ما كواليس هذه الأغنية.. وكيف حققت هذا النجاح؟ - هذه الأغنية نابعة من حث الوفاء، عند هروبنا من حرب لبنان فى أوائل 1976، اتصل والدى بصديقه حسن الحامولى، وطلب منه ترشيح شاعر لتقديم أغنية لمصر توضح عشقه لها، وبالفعل تواصل مع الشاعر احمد علام، وفور قراءة الأغنية سجلها وكتب لحنها، ليقدم مارش حماسى طربى انتشر فى كل أنحاء العالم، واستقبلها المصريون بحب، وكانت المدارس تقدمها فى نهاية العام فى الحفلات المدرسية، وأخذت رواجا سريعًا وكبيرًا، فأهل مصر لا يضيع معهم المعروف. حدثنا عن علاقتك به فنيا وإنسانيا بعد كل هذه السنوات؟ - عندما توفى جدى «لوالدتى» تأثر والدى بغيابه لأنه كان المسئول عنه فى كل شيء، وبعد رحيله ب6 أشهر جاء لوالدى فى المنام يشير الى اسمى «انطوان طانس» وجاءت نسبة لاسمه، فاعتبرنى والدى جبرًا للخاطر من الله وأصبحت المقرب له بين الجميع، وأثرت على نفسى وارتبطت به روحيا وصممت حياتى لمساندته، داعماً له وأوجهه للإنتاج الابداعى فقط، وكلما كبرت فى العمر زادت اختصاصاتى وتعمقى بوضعه الحياتى والصحى والعائلى، حتى أصبحت مفتونًا بوالدى وهذا ما قادنى الى دراسة هندسة الصوت بالولايات المتحدة وتعمقت بالموسيقى وأصبحت رفيقه ومستشاره وعازفًا فى فرقته ومدير أعماله. فى رأيك ما سر بقاء الفنان القدير حتى الآن؟ - «وديع كينونته الفن» استخدم صوته وألحانه لنشر قيم وعادات وطبيعة الانسانية التى لم تنشر من ذى قبل، فكان رائد الفنانين فى تقديم أعمال تصف البيئة والمجتمع والحياة اليومية وهموم الانسان وأفراحه ومميزاته وكذلك جماليات العمل فكان هذا مشروع عمره وكانت رسالته: استخدام الفن لنشر قيم انسانية تساعد على بناء الانسان كنواة للأوطان والمجتمعات. وابتدع «الصافى» ما يسمى بالأغنية الوطنية، فهو أول من ذكر لبنان فى أغنية «طل الصباح 1947»، وصفه عاصى الرحبانى قائلا: إذا أحببتم «أن تتعرفوا على حضارة برمتها اسمعوا أغانى وديع الصافى»، وانبهر به «عبدالوهاب» قائلا: «ما هذا الصوت»، وهذا الاجماع الكبير المطلق من كل فناني العصر أراه أمرا نادرا، لأنه فنان متجدد، وثروة انسانية، وقيمة فنية، كما اشترك فى مشواره الفنى مع كل فناني العصر فى لبنان زكى نصيف وروبير خياط وفليمون وهبى وعاصى الرحبانى وتوفيق الباشا وكل المطربات المشهورات خرجن من عباءته صباح ونجاح سلام ونور الهدى وفيروز واكتشف مواهب اخرى فكانت رحلته انسانية من خلال الفن. الركائز التى وضعها والدك أساسا لابداعه؟ - «الفن الصادق هو ما يبقى»، كان صادقا مع نفسه ينتقى الكلمة الهادفة والمبتكرة الخفيفة والصور الشعرية الجميلة فكان شاعرا بالفطرة، يبذل مجهودًا لاختيار أغنياته، غنى عن الثوابت كحب الوطن والأرض والعزة الالهية وحب الآخر وحب الأب لعائلته وحب الأخوة والجيران، كلها أعمال أبقت عليه قاسما مشتركا فى كل الأزمنة، ذلك ما غنى لأجله وهذا سر بقائه الى الأبد فضلا عن فنه واختيار النغم الملائم للكلمة فى كل مرة، ويضاف اليه أداؤه الساحر الذى جعل كل مطربي العصر مازالوا يتغنون بأعماله. وجعل الجمهور يحبه حبًا مطلق. ما هى أهم المراحل التى تراها مؤثرة فى حياة والدك؟ - طفولته فى القرية المليئة بالثقافة والحضارة فيها خليط فريد من نوعه، فى ضيعتنا الارتجال شعرى حتى لو كانت الناس امية، وجدى لوالدى أهم شاعر فى الجبل، يقول المواويل الجبلية بشكل مبدع، والأسرة كلها أصواتها ممتازة، ما جعله فنانًا عاش فى وسط غنائى كامل أسس لمشواره، فتعلق بالوطن والمزيج الموجود فى لبنان الذى اختزله بهذا التنوع وهذا الكم الكبير من الألوان المختلفة، وهذا الشيء أثر عليه فى نشأته وخلق منه مكانة كبيرة أحبه وأطلق عليه الجمهور «أبو الأغنية اللبنانية» فنيا لحنيا وغنائيا. باعتبارك الأقرب لصوت والدك وحققت نجاحا لبنانيا وسوريا.. مَن مِن المطربين المصريين تتمنى تقديم دويتو معه؟ - أتمنى تقديم دويتو مع فنان مصرى يجيد الغناء التقليدى فأنا أملك ألحانًا مميزة وأعتمد على الهوية الأصلية لتراثنا الفنى وأشملها بالتجديد. كيف ترى الوضع فى لبنان الآن على المستوى السياسى والفنى؟ - الوضع السياسى والفنى واحد، الغرب استطاع أن يخرب ودخل مجتمعاتنا من خلال الفن أولا، عندما دخلت الاستثمارات فى الفن المبسط، خربوا الذوق العام، لأن الفنان هو قائد لذوق الشعوب وأخلاقها.