وسط إجراءات أمنية غير مسبوقة دخل القاضي الجليل وخلفه زميلاه عضوا اليمين واليسار إلي قاعة المحاكمة الكبري بأكاديمية الشرطة، وهنا صرخ الحاجب «محكمة» فوقف الجميع إجلالاً واحتراماً.. وهنا انتقلت الكاميرات نحو الجالس في القفص.. لنري الرئيس مرسي يجفف عرقه وحوله أنجاله أحمد وأسامة وعمر وعبدالله، يحاولون إخفاء والدهم عن عيون الكاميرات.. نظراتهم زائعة.. وأرجلهم ترتعش.. فهذه هي المرة الأولي التي يدخلون فيها قفص الاتهام.. أما مرسي فقد كان رابط الجأش ولا يبالي لأنه تعود علي القفص والبرش كثيراً. وفجأة رفع رئيس المحكمة عينيه من الأوراق التي أمامه ونادي علي المتهمين وأثبت حضورهم ثم طلب النيابة للمرافعة فوقف رئيس النيابة الشاب وبدأ حديثه: سيدي القاضي: اليوم ننظر قضية ليست عادية، قضية بها استغلال النفوذ كأسوأ ما يكون الاستغلال.. فهذا الرجل الذي شاءت الظروف أن يعتلي منصة الحكم في مصر.. يتصرف في البلاد والعباد وكأنها عزبة ورثها عن أجداده يعين المساعدين والمستشارين ويوزع المناصب والعطايا علي أعضاء جماعته، حتي إنه خلال أقل من ثمانية شهور من حكمه خطف أكثر من ثلاثة عشر ألف وظيفة ومنحها لأعضاء جماعته وأهله وعشيرته، بخلاف الوزراء والمحافظين ومساعديهم ومستشاريهم، وصرف لهم ملايين الجنيهات من أموال الدولة دون رادع من ذمة أو ضمير.. ولم يقتصر الأمر علي ذلك وإنما سمح لقواته وميليشيات جماعته بإسالة دماء المصريين في الشوارع وأمام قصور الحكم.. حتي أصبح كل بيت مصري يضم إما شهيداً أو مصاباً.. مزق وحدة الأمة، وشق صفوف الشعب، وحوله إلي شيع وأحزاب كله يحارب كله.. واتهامات الكفر والخيانة طالت جميع معارضيه، هذا من الأب القابع في القفص أمامكم.. أما أولاده، فهذه مأساة أخري، فقد أساءوا الأدب، وتطاولوا علي العباد وسبوا الأبرياء، واستغلوا نفوذ والدهم أسوأ استغلال.. ولعل حكاية توظيف أحدهم في وزارة الطيران المدني، وهي الفضيحة التي هزت عرش أبيهم لم تكن الأخيرة في سلسلة تجاوزات العائلة.. حتي فوجئنا بالابن الأصغر الذي يحتمي بسلطات والده وجاهه، ها هو يتطاول علي رجال الشرطة الشرفاء.. ويهينهم.. ويهدد ويتوعد الضابط الشاب قائلاً له أمام العباد: «وحياة أمك لقلعك الميري، وأقعدك جنب أمك في البيت». أنا لا أجد سيدي القاضي ما يمكن أن أصف به سلوك هذا الشاب الذي استغل مكانة والده أسوأ استغلال وأساء الأدب أسوأ إساءة، وما أن انتهي المتهم من فعلته حتي توجه بصحبة والده إلي مسجد «الفاروق» بالتجمع الخامس، وأنا هنا سيدي القاضي أذكرك وأذكرهم بما فعله «الفاروق» عمر مع القبطي الذي تسابق مع نجل عمرو بن العاص فسبقه القبطي فما كان من نجل عمرو إلا أنه ضربه علي رأسه ويقول له: أتسبق ابن الأكرمين يا هذا؟ فلما ذهب القبطي إلي عمر بن الخطاب شاكياً له ما فعله الأرعن بن عمرو فاستدعي بن الخطاب عمرو بن العاص وابنه، وقال للشاب القبطي: اضرب ابن العاص نفسه علي صلعته، فاستغرب الشاب لأن نجل ابن العاص هو الذي ضربه وليس أبيه.. فقال عمر للقبطي: هو لم يضربك إلا استناداً لسلطة أبيه.. فالعدل أن تضرب أبيه نفسه لأنه لم يحسن تربية ابنه! وهنا صرخ رئيس النيابة الشاب وأشار لمحمد مرسي داخل القفص وقال: سيدي القاضي منذ أيام قليلة تعدي هذا الشاب الأرعن نجل الرجل الكبير علي الضابط الشاب أحمد حمدي وأهانه أمام المارة وتوعده بالفصل والتشريد.. واستناداً إلي موقف بن الخطاب وحكمه.. أرجو من المحكمة أن تسمح للملازم الشاب أحمد حمدي أن يسب والد الشاب الأرعن.. لأنه ما سب الضابط إلا استناداً لسلطة أبيه.. وهنا تكهرب الجو، وسادت همهمات شديدة داخل القاعة، ومن داخل القفص، ورفع القاضي الجلسة للمداولة، وبعد أقل من ساعة عاد القاضي إلي المنصة ونطق بحكمه: حكمت المحكمة بأن يقتص الملازم أول أحمد حمدي من المتهم عبدالله محمد مرسي بأن يسب الضابط والد المتهم بنفس السباب الذي أطلقه عليه نجل الرئيس.. وهنا أخذت أصفق كالمجنون.. ولم أدر بنفسي إلا بضربة قاسية من المدام علي أم رأسي وهي تصيح: هو أنت البعيد اتجننت مرة ترفص برجلك.. ومرة تصقف بإيدك.. فصحوت من نومي مذعوراً من شدة الضربة وقلت لها: حرام عليكي يا ولية.. حتي الأحلام حرمتيها عليّ.. حسبي الله ونعم الوكيل.