فى أعقاب ظهور جمال مبارك، نجل الرئيس الراحل، ورفاقه فى لجنة السياسات، ظهرت فكرة المتحدث الرسمى فى الوزارات وأجهزة الدولة. التجربة استوردها القائمون على أمانة السياسات فى ذلك الوقت، ليقلدوا النظام فى أوروبا وأمريكا الذى يعتمد على المتحدث الرسمى فى التصريحات والبيانات الصحفية والرد على تساؤلات الصحفيين. هذه الفكرة كان لها وجهان ظاهر وباطن.. الظاهر هو تطوير وتنظيم العلاقة بين الصحفيين والمؤسسات الصحفية من ناحية وقيادات الدولة والوزراء وكبار المسئولين على غرار الدول المتقدمة.. أما الباطن فكان له عدة محاور، الأول هو محاولة تعويض غياب صفوت الشريف وزير الإعلام والمتحدث الرسمى باسم الحكومة، وهو المنصب الذى انتزعه بعد صراع طويل مع طلعت حماد وزير شئون مجلس الوزراء فى حكومة المرحوم كمال الجنزورى. والمحور الثانى كان وضع سياج حديدى على الوزراء والمسئولين، خاصة أن أغلبهم كانوا وزراء تكنوقراط ولم يكن بينهم وزير سياسى باستثناء عدد محدود.. والمحور الثالث كان تحجيم الصحفيين وتحجيم دورهم من خلال إبعادهم عن صانع القرار والحصول على المعلومات من خلال وسيط. أذكر أننا توجسنا خيفة من الفكرة فى بداية تطبيقها.. وحاولنا إجهاضها فى مجلس الوزراء عندما جاءوا بالدكتور مجدى راضى ليكون متحدثاً رسمياً كبداية لتطبيق التجربة. وأمام إصرار أمانة السياسات وقتها تم تعميم التجربة على مختلف الوزارات. والآن وبعد مرور ما يقرب من 15 عاماً على التجربة يأتى الحكم عليها تحت عنوانين هما المتحدثون الصامتون والمتحدثون الواعدون.. الصامتون فشلوا فى ممارسة مهام منصبهم، وأحاطوا أنفسهم بسياج حديدى، وانفصلوا عن الواقع، وأصبحوا عبئاً على وزرائهم، ومارسوا عملهم بكل عجرفة وكبرياء، وكان أبرزهم خالد مجاهد، متحدث الصحة وصانع الأزمات.. وبسبب هذه النوعية من المتحدثين قرر بعض الوزراء التخلى عن فكرة المتحدث وقرروا القيام بمهام هذا المنصب، وكان أول من فعل هذا الدكتور طارق شوقى، وزير التعليم. أما المتحدثون الواعدون الذين سنتحدث عنهم لاحقاً وعددهم محدود جداً، فقد أضافوا لموقعهم، ويتركون كل يوم بصمة جديدة، ومن أبرزهم هانى يونس الذى أنصفه خصومه قبل أصدقائه.. وإلى الحلقة الأولى: الدكتور طارق شوقى اتخذ قراراً جريئاً بالعودة للنظام القديم، وإلغاء المتحدث الرسمى، وأصبح يتعامل مع الصحفيين دون وسيط، وتخلص من عبء المنصب ومشاكله. هل تسير وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد على خطى وزير التعليم الدكتور طارق شوقى وتتخلص من المتحدث الرسمى صانع الأزمات.. وتتواصل بنفسها مع الإعلاميين دون وسيط؟ خالد مجاهد.. صانع الأزمات أكثر من خمس سنوات قضاها خالد مجاهد، المتحدث الرسمى لوزارة الصحة، فى منصبه ولا يزال حتى الآن مثيراً للجدل بسبب تعنته مع الصحفيين وتهميشه دورهم الأمر الذى وصل فى إحدى الوقائع إلى خطف موبايلات الصحفيين فى قنا أبريل الماضى، أما المعتاد فهو حذف أى صحفى يختلف معه أو ينتقده من جروب الوزارة. «مجاهد» أيضاً اعتاد خلال رحلة العناد مع الصحفيين حجب المعلومات ومنع أى مسئول فى الوزارة من التحدث مع الصحفيين الا بإذن منه وبالطبع لا يرد على أحد منهم ولا نعرف حتى الآن من يسانده ويعطيه هذه الصلاحيات! كان «مجاهد» قد قفز على هذا المنصب بقرار من وزير الصحة السابق الدكتور أحمد عماد فى أكتوبر عام 2015 وتوقع الكثيرون رحيل مجاهد مع وزيره أحمد عماد فى يونيه 2018 ولكن المفاجأة استمراره فى منصبه بل تصعيد وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد له «رغم علمها قبل توليها المنصب بمدى كراهية الصحفيين له» ومع ذلك أبقت عليه بل قامت بترقيته فى فبراير الماضى ليصبح مساعداً لوزيرة الصحة والسكان للإعلام الصحى والتوعية والتواصل المجتمعى. و«مجاهد» لمن لا يعرفه لا يعلم أبسط قواعد العمل الإعلامى فى واحدة من أهم الوزارات الخدمية، وسبقه فى هذا المنصب أساتذة كبار مثل الدكتور عبدالرحمن شاهين والدكتور خالد عبدالغفار. ولابد أن نتحدث عن الغموض الذى أحاط بقصة صعوده للمنصب منذ أيام وزير الصحة أحمد عماد الدين راضى، الذى استعان به من معهد الكبد، متحدثاً باسم الوزارة رغم أنه خريج بتقدير عام لا يتجاوز المقبول، وتم تكليفه على إدارة القصاصين بمحافظة الإسماعيلية فى سبتمبر 2011، وهى من إدارات الحد الأدنى وفق تصنيف إدارة التكليف بوزارة الصحة والسكان لعام 2011. قدم «مجاهد» التماساً بتعديل التكليف على شركة «فاكسيرا» للمصل واللقاح، وتم قبول الالتماس رغم عدم انطباق الشروط التى وضعتها إدارة التكليف لتعديل تكليفه عليه. الأمر المثير واللافت للانتباه، والذى يحتاج لإجابة من جامعة عين شمس، هو أنه أثناء البحث فى السيرة الذاتية ل«خالد مجاهد»، وجد أن بطاقته الشخصية، التى صدرت فى سبتمبر 2011، أى نفس شهر تكليفه على القصاصين بالإسماعيلية، مكتوب فى خانة الوظيفة أنه طبيب بشرى بمستشفيات جامعة عين شمس. وفى مايو 2013، ظهرت نتيجة حركة النيابة، وكانت نيابة «مجاهد» بمعهد السمع والكلام فى إمبابة، لكن تم تعديلها على معهد الكبد، وتم تعيينه بعد انقضاء حركة النيابة فى أبريل 2014. كان «مجاهد» فى ذلك الوقت دائم التردد على الوزارة، ونجح فى إقناع الدكتورة هناء عامر، مساعد الوزير السابقة، بأن يحصل على فرصة تدريب فى مكتبها، دون أن ينتدب من معهد الكبد، وبعد أن استقالت «عامر» فى منتصف 2015، ذهب للدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث السابق، وعرض عليه أن يأتى يوماً أو يومين يتابع حالات فيروس سى، بوصفه طبيباً فى معهد الكبد، دون أن ينتدب أو تكون له أى صفة داخل المكتب الإعلامى، أو يمارس عملاً فى هذا الشأن. الغريب هنا أنه فى تلك الأثناء، وخلال عام ونصف العام، فقط مدة عمله بالمعهد، حصل «مجاهد» على قرارى مجازاة برقمى (168) و(213) لسنة 2015، وبدلاً من التشديد عليه بالالتزام وتعلم مهنة الطب وقواعدها، كافأه وزير الصحة أحمد عماد، فى منتصف سبتمبر 2015، بتعيينه متحدثاً رسمياً، بدلاً من واحد من أبرز من عملوا فى هذا المنصب، وهو الدكتور حسام عبدالغفار. ومنذ ذلك الحين، والعاملون بإدارة الإعلام يعانون جراء فشله فى إدارة ملف الإعلام، مع تهديده الدائم لهم، ما أدى فى النهاية إلى الإطاحة بهم جميعاً. لم يستسلم العاملون بالمكتب الإعلامى لغطرسة خالد مجاهد، وقدموا عدداً من الشكاوى للنيابة الإدارية، التى بدورها أصدرت القرار رقم 541 لسنة 2016، وينص على «وقف متحدث الوزارة عن العمل احتياطياً ثلاثة أشهر، مع صرف نصف راتبه خلال مدة الوقف، لحين انتهاء التحقيقات فى الوقائع المنسوبة إليه بالقضايا أرقام 3٫219٫533 لسنة 2016 التى قد تشكل فى حقه جرائم تأديبية تمثلت فى شكاوى عدد من العاملين بالمكتب الإعلامى بوزارة الصحة يتضررون فيها من محاباة خالد مجاهد، المتحدث الرسمى للوزارة، لمديرة مكتبه وتقاعسه عن اتخاذ الإجراءات القانونية تجاهها، ومحاولة تستره على غيابها غير المبرر عن العمل خلال الأشهر من يناير حتى يونيه 2016، وذلك بالتلاعب فى كشوف الحضور والانصراف، واصطناع مأموريات وهمية لتمكينها من الحصول على مستحقاتها المالية كاملة. وعلى مدار أكثر من خمسة أعوام تقدم الصحفيون المكلفون بتغطية أخبار الوزارة بالكثير من الشكاوى لكل الجهات الرسمية والرقابية، كما تقدموا لنقيب الصحفيين الدكتور ضياء رشوان، وفى كل مرة كان يعد بالالتزام بقرارات نقابة الصحفيين ويعود للمراوغة وممارسة تعنته وتعجرفه ضد الصحفيين. آخر واقعة لمجاهد كانت خطفه موبايلات الصحفيين فى قنا أبريل الماضى أثناء متابعتهم زيارة وزيرة الصحة، وتقدموا بشكوى رسمية لنقابة الصحفيين واجتمع مجلس نقابة الصحفيين، وأصدر بياناً قال فيه إنه استعرض خلال اجتماعه، باهتمام كبير وقلق بالغ، ما ورد فى المذكرة المقدمة من الزملاء الصحفيين بمحافظة قنا، بخصوص ما جاء فيها من قيام الدكتور خالد مجاهد، المتحدث الرسمى لوزارة الصحة، بمنع الصحفيين من تأدية عملهم لتغطية الزيارة وحظره قيامهم بتصوير تحركات الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة والسكان، أثناء زيارتها للمحافظة. وأوضح مجلس النقابة فى بيانه أن هذه الشكوى تكررت فى سياقات ومناسبات سابقة، حاولت فيها النقابة حلها ولم تصل إلى نتائج إيجابية. وأصدرت نقابة الصحفيين 4 قرارات فى هذه الواقعة تشمل: أولاً: الإعراب عن رفضها واستنكارها لمنع المتحدث الرسمى لوزارة الصحة الزملاء من ممارسة عملهم وحقهم فى الحصول على المعلومات والتغطية وحضور المؤتمرات والاجتماعات العامة والتصوير، الذى يكفله الدستور فى المادتين (68) و(71) منه، والقانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام فى المواد (10) و(11) و(12) منه. ثانياً: مطالبة الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة والسكان، بالتحقيق فى الواقعة واتخاذ ما يلزم لرد اعتبار الزملاء الذين تعرضوا لها، بما يحفظ لهم حقوقهم القانونية والمهنية والنقابية فى ممارسة عملهم؛ لإتاحة المجال لهم لتوصيل حقيقة الجهود الكبيرة التى تقوم بها الوزارة للمجتمع المصرى فى مجال الصحة عموماً، وفى مواجهة جائحة كورونا بشكل خاص. ثالثاً: قيام الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة والسكان، باتخاذ ما يلزم من الإجراءات العملية بالتعاون مع النقابة والمؤسسات الصحفية، من أجل تسهيل عمل الزملاء الصحفيين فى التغطية المنتظمة والفعالة لأنشطة الوزارة الكبيرة والواسعة والمهمة فى الحفاظ على صحة المصريين جميعاً. رابعاً: ينتظر مجلس النقابة نتائج التحقيقات التى ستجريها وزيرة الصحة فى هذا الشأن لاتخاذ إجراءاته اللازمة لحفظ كرامة الزملاء الصحفيين. وأكد البيان الذى أصدره نقيب الصحفيين أن الشكاوى من متحدث الصحة متكررة وسبق أن وقعت فى مناسبات أخرى. وكان الصحفيون من مراسلى صحف ومواقع إخبارية فى قنا تقدموا بشكوى للنقيب ضياء رشوان بشأن منعهم من تأدية عملهم وتغطية زيارة الوزيرة إلى قنا، حيث قام المتحدث باسم وزارة الصحة بخطف موبايلاتهم عند نقل وقائع زيارة الوزيرة فى مستشفى صدر قنا، الأمر الذى كان بمثابة اعتداء جسدى رغم الحقوق التى منحها لهم الدستور والقانون عند تأدية مهام عملهم، وانسحبوا بعدها احتجاجاً على ما حدث معهم. رغم كل هذا تحول خالد مجاهد إلى دولة داخل دولة، وأصبح عبئاً على الوزيرة النشيطة الدكتورة هالة زايد.. وبدلاً من مساعدتها فى إبراز نجاحها، يتفنن فى إرباكها بالعديد من الأزمات التى يصنعها.. ويبدو أن «مجاهد» خط أحمر لا يستطيع أحد الاقتراب منه، وأثبت أن تجربة المتحدث الرسمى هى عبء على الوزير وحرب على الصحفيين والإعلاميين. متحدث "التعليم".. خرج ولم يعد تجربة المتحدث الرسمى فى وزارة التعليم.. تجربة غريبة تستحق الرصد والتحليل.. فالوزارة تحولت إلى مقبرة للمتحدثين.. وزارة لا يعيش فيها متحدث، حتى إن المتحدث الأخير الدكتورة أمينة خيرى لم تمكث فى موقعها أكثر من شهر واحد، وخرجت بعدها من المنصب ولم تعد. وفى انقلاب على فكرة المتحدث الرسمى عاد الدكتور طارق شوقى إلى النظام الطبيعى فى مصر قبل أن يستوردوا لنا الفكرة من الخارج.. عاد الوزير ليكون هو المتحدث الرسمى للوزارة لما يحققه ذلك من التفاعل والتواصل المستمر مع الصحفيين، ويقطع الطريق على الشائعات والتأويلات المغلوطة التى يرتكبها بعض المتحدثين. الدكتور شوقى اختار الطريق الصحيح على الرغم من أنه أولى الوزراء بمن يعاونه فى التعامل مع الصحافة والإعلام ومواجهة الأزمات. وسبق الدكتورة أمينة خيرى، أحمد صابر الذى مكث أكثر من 6 أشهر، ثم جاء بعده الإعلامى أحمد خيرى لكنه لم يمكث طويلاً، فلم يتحمل أكثر من عام واحد فقط، ثم تقدم باستقالته عن طريق «الفيسبوك» وانتقده الكثيرون وقتها لأنه لا يجوز لمن يشغل هذا المنصب أن يستقيل بهذه الطريقة.