«راضى» ضحّى بعام من عمره وقرر الالتحاق بثانوى صناعى.. و«لبنى» فضلت التجارى على العام رانيا بدوى: أبناؤنا أصبحوا «فئران تجارب» ومخاوف الطلاب وأسرهم دفعتهم للبحث عن بديل المدارس الفنية المتطورة تفتح ذراعيها لاستقبال الهاربين من الثانوية العامة التعليم الفنى يستوعب 2 مليون طالب والأعداد مرشحة للزيادة حالة من الاحباط أصابت طلاب الثانوية العامة وأسرهم بعد إعلان النتيجة بسبب تدنى المجاميع وارتفاع نسبة الرسوب مقارنة بالأعوام الماضية، هذه الحالة لم تقف عند طلاب الشهادة الثانوية بل انعكس تأثيرها على طلاب المرحلة الثانوية بأكملها والإعدادية أيضاً، فبدأ الكثيرون منهم يعيدون النظر مرة أخرى فى استكمال المرحلة الثانوية وتغيير المسار والالتحاق بالتعليم الثانوى الفنى، فى الوقت نفسه آثر العديد من الحاصلين على الشهادة الإعدادية السلامة وفضلوا الالتحاق بالتعليم الفنى بكافة أنواعه بدلًا من الدخول فى معمعة الثانوية العامة التى أصابت الجميع بالإحباط. هذه الحالة من الهروب من الثانوى العام ستجعل التعليم الفنى أمام مهمة أصعب، فزيادة أعداد المتقدمين له تتطلب تطوير المنظومة بشكل كامل بما يضمن تخريج دفعات تجد لها مكاناً أفضل فى سوق العمل. «الوفد» رصدت رغبة العديد من الطلاب فى الهروب من الثانوية العامة واللجوء إلى الثانوى الفنى، حيث قالت لبنى ياسر، طالبة فى المرحلة الإعدادية، إنها بعد أن تقدمت بأوراقها إلى مدرسة ثانوى عام طلبت من والدها التحويل إلى مدرسة ثانوى تجارى، حيث التحقت بمدرسة السيدة زينب التجارية، وأكدت أن هذا أفضل بدلاً من بذل الجهد والتعب فى الثانوية العامة والنتيجة «حسب الحظ». فيما طالب راضى فتحى بالصف الأول الثانوى والده بنقله من ثانوى عام إلى أى مدرسة ثانوى فنى مضحياً بسنة من عمره بدلاً من ضياع 3 سنوات وفى النهاية يصبح مستقبله فى علم الغيب، وقال: سألتحق بالصف الأول الثانوى مرة أخرى فى مدرسة فنية أفضل من البقاء فى الثانوى العام. وشارك فى الحوار فتحى فهمى، أحد أولياء الأمور، مشيراً إلى أن ما حدث هذا العام من قلق وتردد بين الاختبار الإلكترونى والورقى أصاب الطلاب بحالة من الذعر والقلق، ما أدى إلى عدم تركيزهم فى الامتحانات، بالإضافة لمشاكل التصحيح الإلكترونى ما أدى إلى رسوب عدد كبير من الطلاب، لافتًا إلى أنه ينوى إعادة النظر فى دخول أولاده جميعًا للثانوية العامة والتفكير فى التعليم الفنى بمختلف أقسامه. فيما طالبت رانيا البدرى، ولية أمر، الآباء بعدم إلحاق أبنائهم بالتعليم الثانوى العام، وذلك بعد العذاب الذى طالها هى وأولادها، لافتة إلى أن القرارات المتخبطة هى السبب فى نزوح الطلاب من الثانوية العامة، مشيرة إلى أن الدروس الخصوصية بدأت من أول أغسطس ومع أن معظم المدرسين كانوا جزءاً كبيراً من رسوب الطلاب والملاحق وتدنى المجموع الكلى، فإن الناس كلها بدأت الدروس عند نفس المدرسين لتبدأ رحلة أخرى من الفشل، مؤكدة أن أولادنا أصبحوا فئران تجارب، ويقع عليهم ظلم كبير، فالمنظومة فاشلة بكل المقاييس، وتسبب الأذى النفسى والإحباط للأسر والأبناء. رحلة التعليم الفنى جدير بالذكر أن التعليم الفنى ظهر فى فترة حكم محمد على باشا، حيث سخر كل وقته لخدمة الطلاب والصناع والحرفيين وأرسل بعثات تعليمية إلى أوروبا لتحصيل العلوم العسكرية والطب وسك العملة والمعادن وتعلم فنون العمارة والصناعة والزراعة، وعلى مدار الأعوام كان التعليم الفنى هو السبب فى تقدم العديد من الدول الصناعية الكبرى مثل ألمانيا وأمريكا واليابان،، ولكن بمرور الوقت وتحديدًا فى سبعينات القرن الماضى واجه التعليم الفنى فى مصر مشكلات متراكمة وفصولاً من الإهمال، حتى أصبحت نظرة المجتمع له متدنية، وأصبحت المدارس لا تؤدى الدور المنوط بها سوى منح شهادات للطلاب بدون تدريس، وأصبح دخوله مقصوراً على الطلاب الحاصلين على درجات متدنية فى التعليم الاعدادى. ولكن خلال السنوات الماضية بدأ التعليم الفنى يسير بخطى ثابتة وواضحة للنهوض مرة أخرى، وذلك لتخريج فنيين مهرة، حيث وضعت الدولة تطويرهذا النوع من التعليم صوب أعينها من خلال العمل على مواكبة المناهج والكوادر البشرية من الخريجين لمتطلبات العصر، حيث كلف الرئيس السيسى بإنشاء هيئة مستقلة لاعتماد جودة التعليم الفنى، وإنشاء أكاديمية لتأهيل وتدريب معلمى التعليم الفنى، بعدد من الفروع فى المحافظات. من ناحية أخرى، أكد الخبراء أن التعليم الفنى سيستقبل أعداداً كبيرة من الطلاب خلال السنوات القادمة ولهذا يجب أن تستعد المدارس الفنية لاستقبال هؤلاء الطلاب وتأهيلهم تأهيلاً جيداً وهو ما أكده مصطفى كامل، الخبير التربوى، مشيراً إلى أن أحد أسباب نجاح المنظومة التعليمية، هى ارتباطها باحتياجات المجتمع، وفى الوقت الحالى أصبح أصحاب الشهادات الجامعية عاطلين عن العمل، ما يضطرهم إلى البحث عن تخصصات أخرى، لذا توجهت الأنظار إلى التعليم الفنى، لذلك لا بد أن يبدأ التطوير من تطبيق نظام المنفعة المزدوجة من خلال عمل مدرسة داخل كل مصنع، ومصنع داخل كل مدرسة، للخروج بأفضل النتائج، وتخريج جيل من الطلاب المدربين والمؤهلين لسوق العمل بكافة تخصصاته، وأشار إلى ضرورة إدخال القطاع الخاص فى منظومة التعليم الفنى لتحمل جزء من المسئولية المجتمعية، كما تتطلب المرحلة الحالية تغيير ثقافة المصريين الذين يتعاملون مع طلاب المدارس الفنية على انهم طلاب درجة ثانية أو دون المستوى». وتابع «كامل» أن الدولة بالفعل توسعت فى المدارس الفنية وإعادة إحيائها وتطويرها من جديد، بالإضافة إلى أن هناك بعض الشركات الكبرى والمصانع، ساهمت وشاركت فى إنشاء مثل هذه المدارس المتطورة، وذلك تحت إشراف التربية والتعليم لتدريب الشباب أثناء التعليم فى تلك المصانع، فضلًا عن أنهم عند تخرجهم يحصلون على فرص العمل المناسبة لتخصصاتهم، وخير مثال على ذلك مدارس شركة العربى، ومدارس التكنولوجيا ومدرسة الضبعة النووية، وغيرها من المدارس التى تلبى احتياجات المجتمع. والتقط طارق رشيد مدرب سابق معتمد من الأكاديمية المهنية للمعلمين أطراف الحديث، مؤكدًا أن المعلمين دائمًا ما كانوا ينصحون أولياء الأمور، الذين لم يحصل أولادهم على مجموع لدخول الثانوى العام، أن أفضل طريق لدخول الجامعات هو التعليم الفنى، بل أصبح التعليم الفنى متطوراً، خاصة بعد أن دخلت مجموعة مدارس تناسب سوق العمل، مثل مدارس WE وغبور وشركات المياه. وتابع «رشيد»، إننى طالبت فى الفترات السابقة، بتحجيم الدخول للتعليم الثانوى من الأبواب الخلفية، مثل فصول الخدمات أو المنازل أو المدارس الخاصة، لافتًا إلى أنه هل من المعقول طالب حاصل فى الإعدادية على مجموع 150 أو حتى 210 يتمكن من الانتساب إلى الثانوية العامة، مؤكدًا أن ولى الأمر فى الماضى، كان يرفض دخول بناته فنى تمريض، ولكن اليوم أصبح دخول مدارس التمريض بمجموع أعلى من الثانوية العامة، مطالبًا ببعض التعديلات فى الثانوى الفنى للارتقاء أكثر وأكثر بمستوى التعليم فيها، وأهمها: تحديث الأجهزة بالورش وإضافة تخصصات جديدة يتطلبها سوق العمل، وزيادة أعداد المدارس الصناعية، فضلًا عن تدريب المدرسين على أحدث طرق التدريس، وتوفير فرص عمل للطلاب بعد التخرج أو توفير مشروعات صغيرة لهم لاستفادة المجتمع منهم وحل مشكلة البطالة، بالإضافة إلى تطوير الصناعات النسيجية وتحديث الماكينات والتوسع فى انتشارها بالمدارس الصناعية وربطها بالمصانع، كما يمكن إعادة فكرة المعمل التجارى فى المدارس التجارية، حيث يضم هذا المعمل، أجهزة عد النقود، وأجهزة الترقيم والطباعة وماكينات فرم المستندات وماكينات التجليد، حيث يتدرب الطالب فى هذا المعمل على طريقة استخدام وصيانة هذه المعدات. واختتم كلامه قائلًا: لسنا بحاجة لشهادات وإنما بحاجة لعمالة مدربة ومؤهلة تقود الصناعة، لذلك يجب توفير قواعد بيانات للتعليم الفنى تحدد الأهداف والتحديات واتجاه وخطط الدولة وبناء عليها يتم وضع خطط النهوض بهذا النوع من التعليم. تغييرات جذرية وبحسب دراسة أعدها المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، أنه تم تجهيز 6079 مدرسة فنية وتطوير 4098 فصلاً وإنشاء 11 مدرسة تكنولوجية تطبيقية خلال الأعوام الستة الأخيرة، وتسعى وزارة التعليم إلى الوصول ل100 مدرسة على الأقل بحلول 2030. وبدأت الوزارة منذ مارس 2019 فى تنفيذ خطط تطوير مناهج التعليم الفنى فى مصر، حيث تقوم بإجراء تحول جذرى فى برامج التعليم الفنى لكى تصبح ملبية لاحتياجات سوق العمل كما تنص المادة 20 من الدستور المصرى الصادر عام 2014. ومن أهم المتطلبات فى خريجى المدارس الفنية إتقان «الجدارات» وهى مجموعة المهارات والمعارف والسلوكيات التى يجب أن يتمتع بها الخريج لإتقان مهنته المستقبلية. وجرى تطبيق هذه المناهج المطورة فى 105 مدارس موزعة على جميع محافظات الجمهورية وعلى مختلف نوعيات التعليم الفنى الصناعى والزراعى والفندقى والتجارى، لخلق ثقافة تطبيق منهجية الجدارات عند كل المعلمين، فيما جرى بالفعل تدريب أكثر من 3 آلاف معلم حتى الآن، وتم الانتهاء من تحديث مناهج بقية المهن وتصفية المهن غير المطلوبة فى 400 مدرسة إضافية خلال العام الدراسى الماضى، فيما تتوسع الوزارة فى تطبيق برنامج تطوير التعليم الفنى العام المقبل فى عدد أكبر من المدارس. وفى شهر يونيو الماضى من العام الحالى، عرض الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، استراتيجية تطوير التعليم الفنى ودور التكنولوجيا الحديثة فى تطبيقاتها، مؤكدًا أن التعليم الفنى يحظى بأهمية استثنائية من جانب الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، وذلك من خلال التوجيه بإنشاء المزيد من مدارس التكنولوجيا التطبيقية فى التخصصات الصناعية والاستثمارية؛ أملًا فى توطين الصناعات الكبرى، لتصبح السوق مفتوحة أمام الشباب المصرى. ولفت وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى إلى خصائص منظومة التعليم الفنى والتدريب المهنى ( TVET ) فى مصر، التى تعد وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى هى الجهة الرئيسية المسئولة عنها، التى تقدم خدمات التعليم الفنى النظامى فى مرحلة التعليم قبل الجامعى، مشيراً فى هذا السياق إلى أن عدد طلاب التعليم الفنى بها خلال العام الدراسى الحالى 2020/2021 تخطى مليونى طالب. ونوّه الدكتور طارق شوقى إلى أن وزارة التربية والتعليم بدأت اعتباراً من يوليو 2018 فى تبنى استراتيجية واضحة لإصلاح وتحويل وتطوير التعليم الفنى، حيث تم بناء هذه الاستراتيجية على خمس ركائز تتمثل فى تحسين الجودة عن طريق إنشاء هيئة مستقلة لضمان الجودة والاعتماد فى مجالات التعليم الفنى والتقنى والتدريب المهني؛ لافتًا إلى أن تشغيل هذه الهيئة يؤدى إلى إحداث طفرة حقيقية فى جودة خريجى التعليم الفنى، وقد أطلق الاسم المختصر «إتقان» على هذه الهيئة الجديدة. وتعتمد استراتيجية التطوير على مشاركة أصحاب الأعمال فى تطوير التعليم الفنى عن طريق إبرام شراكات بينهم وبين الوزارة تهدف إلى إنشاء مدارس جديدة للتعليم الفنى سُميت باسم «مدارس التكنولوجيا التطبيقية»، وهى مدارس تجمع بين نظام المجمعات التكنولوجية المتكاملة ونظام التعليم المزدوج، بحيث تحصل برامج المدرسة على الاعتماد الدولى عقب تخرج الطلاب مباشرة. وأكد شوقى أن الوزارة تجرى حالياً مباحثات مكثفة مع بعض الشركات الأوروبية حول إنشاء مدارس فنية متقدمة فى مجالات التعليم الفنى، على أن تتم الدراسة فيها بمنهجية STEM لإتقان المهارات المرتبطة بالتكنولوجيات المتطورة وللمساعدة على التميز فى الابتكار والإبداع، إضافة إلى ضرورة تزويد الطلاب بمهارات الاتصال باللغات الأوروبية من أجل تعزيز القدرة التنافسية فى أسواق العمل الأوروبية.