تجار يشترون الكيلو ب5 جنيهات من المنازل ويعيدون تدويره «بودرة سحرية» تمنحه اللون الذهبى وتحوله إلى سائل مسرطن إقبال كبير من المطاعم على شرائه.. وجشع الأرباح وراء الكارثة مصانع المقرمشات وعربات الفول الأكثر استعمالاً للزيوت القاتلة خبراء: يدمر الجهاز الهضمى.. ويؤدى للإصابة بالسرطان انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى إعلانات شراء زيت الطعام المستعمل ب5 جنيهات للكيلو.. ويدعى مروجو تلك الإعلانات أن الهدف من تجميع الزيوت المستعملة هو المحافظة على البيئة فى المقام الأول، وثانيًا إعادة تدويرها واستخدامها فى صناعة الجلسرين والصابون السائل وصابون غسل الأيدى أو بيعها لمصانع الوقود الحيوى. ورغم الهدف النبيل لتلك الإعلانات، فإن هناك أمرًا مخيفًا فى كواليس الحكاية هو إمكانية إعادة تدوير الزيوت واستخدامها مرة اخرى فى عربات الفول والمطاعم المنتشرة فى شوارع مصر وفى عدد غير قليل من الصناعات الغذائية. حتى أقطع الشك باليقين خضت تجربة تتبع الزيوت المستعملة، وكانت البداية من خلال أحد الإعلانات التى تشترى زيت الطعام ب5 جنيهات للتر، واتصلت للتأكد من مصداقية الإعلان فأجابنى المسئول عن الصفحة أن السعر المذكور صحيح وفى حالة زيادة الكمية يزيد السعر إلى حد أقصى 6 جنيهات ونصف الجنيه، وأخبرنى بأنه سيجعل أحد المندوبين يتواصل معى لتحديد ميعاد الاستلام، حيث إن لكل منطقة مندوبًا. وفى اليوم التالى اتصل المندوب بالفعل ليسألنى عن العنوان والكمية الموجودة لدى وطلب إرسال صورة لكمية الزيت على «الواتس آب» ففعلت، وبعد فترة قصيرة من الوقت حضر المندوب إلى عنوان منزلى الذى أعطيته له، فبدأت حديثى معه بالتأكيد على أننى لأول مرة أبيع تلك الزيوت وأن الظروف الاقتصادية صعبة وجميعنا يسعى لكسب ما يساعده على توفير المتطلبات المنزلية.. سرعان ما اكتسب المندوب الثقة فى وبدأ يتحدث معى «على راحته» – كما يقولون- فقال إن التجارة فى الزيت المستعمل المشروع مربح، إضافة إلى أن ست البيت يمكنها أن تبيع الزيوت بعد استخدامها والحصول على أموال نظير ذلك. «الشركة بتشترى أى كمية وبأى جودة» هكذا بدأ وليد حديثه، قائلاً: «أشترى الزيت المستعمل بأى كمية سواء كانت قليلة أو كبيرة، وسعر الكيلو 5 جنيهات، والسعر يزداد فى حالة زيادة الكمية، وبعد ما أشوف الكمية وشكلها». سألته عن الفائدة من شراء الزيت المستعمل، وكيف يتم استغلاله والاستفادة منه؟ فأجاب أنه يتواصل مع بعض شركات الصابون والجلسرين لشرائه أو يستخدم فى الوقود الحيوى ويقوم ببيع الزيت لهم لكى تتم إعادة تدويره مرة أخرى، حينها بادرته بسؤاله عن المطاعم التى تستخدم الزيوت المجهولة المصدر فأجاب: «أنا أخاف الله وأراعى ضميرى ولا أبيع الزيوت للمطاعم، ولكن هناك من يفعل ذلك ليكسب أكثر»، سألته عن المسافة التى يقطعها يوميًا من أجل جمع تلك الزيوت وتوصيلها لمكان التصنيع فأجاب: «أنا أسكن بحى مصر القديمة، وأقوم بتجميع الزيوت من عدة مناطق منها السيدة زينب والعتبة والدراسة والأزهر ووسط البلد وذلك داخل سيارة «فان» وبعد أن يقوم بجمع الكمية يأتى إليه أحد الأشخاص بسيارة نقل لتحميل الكمية خاصة أن المطاعم تبيع كميات كبيرة وذلك يكون مرتين فى الشهر». بحثت عن سر تجميع تلك الزيوت وكيف يتم بيعها مرة أخرى للمحلات أو تعبئتها مرة أخرى وكان السر فى تراب التبييض أو ما يسمى ب«سليكات الأمونيوم» وتحمل اسم «super one» ثم تأتى مرحلة استخدام ماكينة التكرير التى تعيد شكل الزيت مرة أخرى إلى اللون الذهبى أو كما يطلق عليه زيت مبيض وهو الأكثر خطورة على الصحة، وهناك أكثر من صفحة على شبكات التواصل الاجتماعى تتبع مصنعًا واحدًا للترويج لمثل هذا الزيت.. العجيب أيضاً أن هناك دراسات جدوى منتشرة على صفحات الإنترنت عن فكرة إقامة مشروع مربح من إعادة تدوير زيوت الطعام. وأكد لنا المندوب أن معظم ربات البيوت لا يقمن بجمع الزيوت لأن الكمية المخزنة لديهن ليست كبيرة ولكن المطاعم هى الأكثر تجميعًا، والدليل على وجود تلك الزيوت بالأسواق هو الحملات التى تشنها وزارة التموين ومباحث الشرطة لضبط العديد من المصانع التى تقوم بإعادة تكرير كان آخرها فى الشرقية، حيث تم ضبط صاحبة مخزن زيوت طعام، بدائرة مركز شرطة الزقازيق لقيامها بتجميع زيوت الطعام منتهية الصلاحية يضم 6500 طن زيوت طعام منتهية الصلاحية وغير صالحة للاستهلاك الآدمى، وفى القاهرة تم ضبط مصنع بالشرابية لتصنيع وتعبئة زيت الطعام وبحوزته كميات كبيرة من زيوت الطعام مجهولة المصدر وغير الصالحة للاستخدام الآدمى وإعادة تكريرها لطرحها بالأسواق وعثرت قوات الأمن داخل المصنع على 17 جركن زيت طعام بإجمالى 340 لترًا، و50 جركن فارغًا معدًا للتعبئة، وماكينة لتعبة الزيوت، و2 أنبوبة بوتاجاز صغيرة الحجم، و100 زجاجة فارغة معدة للتعبئة، جميعها مجهولة المصدر وبدون مستندات تدل على مصدرها وغير صالحة للاستخدام الآدمى. ويبقى سؤال مهم: هل تصل تلك الزيوت لأصحاب المطاعم وتحديدًا عربات الفول المنتشرة فى جميع الأحياء، وهل يتم مزجها مع زيوت أخرى؟ أحمد سيد يعمل صنايعى بإحدى عربات الفول والطعمية سألناه عن الزيت المستخدم فى قلى البطاطس والطعمية فأجابنا: «أنا معرفش نوع الزيت المستخدم فى القلى إيه لأننا مش هنشترى زجاجات زيت صغيرة لأن حجم إناء الزيت كبير فصاحب العربية يشترى جركن حوالى 20 كيلو، ويتم تغيير الزيت كل صباح وأثناء اليوم تقل الكمية فأضيف إليها كمية أخرى. الزيت ده بيسوى الأكل أحسن من باقى الزيوت الغالية وعيبه الوحيد أنه بيتجمد فى الشتا شوية»، مؤكدًا أن تغيير الزيت يكون حسب تعليمات صاحب المكان وكلما وجد لونه أغمق أضاف له زيتًا آخر. توجهنا إلى مطعم آخر ووقفنا أمام «قلاية» الزيت ولاحظنا أن لون الزيت أصبح داكنًا وتنبعث منه رائحة كريهة تشبه الرائحة المنبعثة من الحرائق، ورغم ذلك قام البائع بسكب جالون من البطاطس لتحميرها وبعد أن انتهى، أضاف كمية أخرى إلى الزيت لاستكمال باقى عملية التحمير والمؤسف أن «جركن الزيت» لا يحمل أى بيانات. تحدثنا إلى محمود حسن «بائع فول وطعمية» عن خطورة الزيت فرد قائلاً: «مش عاجبك الزيت لا تشترى». وأضاف: «أنا أقلى الطعام حوالى 50 مرة فى اليوم من 7 الصبح إلى 5 المغرب وجركن الزيت دلوقتى ب200 جنيه ووزنه 20 كيلو والزيت طالما سخن ولم تنطفئ النار من عليه فهو صالح للاستخدام وهناك محلات آخر اليوم بتصفى الزيت من الشوائب وترمى نصه وتسيب النص التانى تضيف عليه زيت آخر لليوم التالى». الدكتور محمد سعد، أستاذ الكيمياء الحيوية والبيئة بجامعة القاهرة أجرى دراسة على مراحل عمرية من 25 حتى 55 عامًا فى عدة محافظات منها القاهرة والإسكندرية ودمياط وبنى سويف وطنطا والمنيا وأسوان أثبتت أن الفرد الواحد يستهلك 1.6 كيلو جرام من الغذاء، فيها 93% من المطهيات، بها 35% مقليات، واستهلاك الزيوت بها يصل إلى 22 كيلو فى السنة. واحتلت المقليات، فى الدراسة، النصيب الأكبر من المخاطر لأنها تدخل فى كل الأطعمة المنزلية، أو التى تُطهى خارج المنزل «التيك آواى»، ووجد أن استهلاك الإنسان ارتفع من المقليات يوميًا من 35% إلى 42%، مما يمثل خطرًا على الكبد والجهاز الهضمى، إضافة إلى تخزين السموم فى أماكن تخزين الدهون. وأكدت الدراسة أن استخدام المقليات يؤدى لارتفاع نسبة الكوليسترول والسكر فى الدم، وترسب الدهون على الكبد، مما يؤثر على القلب والشرايين، ويؤدى للإصابة بأورامٍ سرطانية بمختلف أنواعها، وشيخوخة مبكرة». وأشارت الدراسة إلى أن الزيوت المستعملة، تحتوى على مركبات ضارة ناتجة من تفاعل «الأحماض الأمينية» والسكريات الموجودة بالأغذية، نتيجة تعرض المواد الغذائية لحرارة «القلى»، التى تصل إلى 160 درجة وتؤدى هذه المركبات إلى تكوين مركب «الأكريلاميد» المسرطن و«البوليمرات»، ثم يتحول الزيت إلى الصورة المؤكسدة، وتتسبب فى تدمير أغلب الأحماض الدهنية الموجودة ويؤدى ذلك إلى التأثير على الكبد، وتؤدى إلى شيخوخته، إضافة لإنتاج خلايا مسرطنة، وتأكسد الروابط الزوجية بالأوكسجين والرطوبة ودرجة الحرارة العالية، فتنتج مركبات ضارة تؤثر على جدار الأوعية الدموية، وعضلة القلب، والكبد، والقدرة الذهنية والبدنية والعصبية للإنسان. الدكتور محمد عزالعرب أستاذ الأمراض الباطنة ومؤسس وحدة أورام الكبد بالمعهد القومى للكبد يؤكد أن إعادة تدوير زيت الطعام بعد استخدامه ليعاد تكريره مرة اخرى واستخدامه مضر جدًا بالصحة بسبب التغيرات الكيميائية التى تحدث به نتيجة تكسر روابطه أثناء الغليان ثم تحلل المادة الغذائية فيه التى ينتج عنها عملية تأكسد والتى يتكون منها مجموعة من الشوائب المضرة، كما أن تكرار استخدامه يسبب إفسادة نتيجة تعرضه للضوء والأكسجين فى الوقت نفسه أثناء القلى، وبالتالى تتغير خصائصه من حيث اللون والطعم والرائحة، وبالتالى يصبح غير صالح للاستخدام مرة أخرى. وأشار عزالعرب إلى أن استخدام الزيت أكثر من مرة يزيد من فرص زيادة الخلايا السرطانية داخل الجسم ولا تظهر إلا بعد سنوات، منها سرطان القولون والبنكرياس والمعدة، كما أن تلك الزيوت ترفع نسبة الكوليسترول فى الدم، وتكون الدهون الثلاثية الضارة التى تعمل على ارتفاع ضغط الدم وانزيمات الكبد مما يؤدى إلى تصلب فى الشرايين وحدوث جلطات وحذر عز العرب من أن بعض المصانع والمطاعم تعيد استخدام الزيوت أكثر من مرة رغم تعرضه لدرجة حرارة أكثر من 200 درجة وهو ما يؤثر أيضاً على الكلى والكبد. تجدر الإشارة إلى وجود نحو 32 مصنع زيت، تابعة للقطاع العام والخاص، وهى قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتى حال توافر البذور الزيتية وزراعتها، لكن الخامة الرئيسية، وهى بذرة الذرة وعباد الشمس والصويا فى مصر لا تكفى إنتاج ما يحتاجه المصريين من زيوت، ولهذا تستورد مصر 2 مليون طن زيوت مقابل إنتاج الزيوت الناتجة عن زراعة المحاصيل الزيتية المصرية البالغة 15 ألف طن بنسبة لاتتجاوز 1%، 666 ألف طن يتم إنتاجها محليًا، ويبلغ إجمالى كميات الزيوت والبذور الزيتية التى يتم استيرادها من الخارج تبلغ 5.7 مليون طن سنويا بقيمة 25 مليارًا و100 مليون جنيه منها مليونا طن زيوت، و3.7 مليون طن بذور زيتية.