لم تتجاوز مدة حكم الرئيس محمد مرسى ثمانية شهور حتى الآن، خلالها شهدت البلاد تردياً سياسياً لم يسبق له مثيل منذ فجر التاريخ، حتى أيام الاستعمار بكل أشكاله وألوانه، لم يقع مثل هذا التردى الذى آلت إليه البلاد بهذا الشكل المزرى.. الرئيس انشغل بتطبيق سياسة «الجماعة» التى ينتمى إليها، ونسى أنه رئيس لأكبر دولة فى المنطقة.. مصر التى عرفت نظام الدولة فى الوقت الذى كانت فيه دول العالم لا تعرف نظام المؤسسات. انشغال الرئيس بجماعته، أفقده شرعيته السياسية والأخلاقية، لأن الإخوان وتابعيهم من التيارات الدينية الأخرى، لا يمثلون مصر، إنما يمثلون فصيلاً صغيراً من فصائل وشرائح باقى المجتمع، والدنيا حول الرئيس تموج بالغليان السياسى، وهو لا يرى ولا يسمع إلا صوت جماعته التى ينتمى إليها.. ولأن الجماعة لا تعرف أصول السياسة وليس لديها الكوادر المؤهلة للخوض فى الغمار السياسى، باتت البلاد على وشك «اللادولة»، ولذلك لم يعد غريباً على الناس هذا «اللامعقول» الذى تمارسه فصائل التيارات الدينية، الذين خرجوا من تحت الأرض وعاثوا فى الأرض كل هذا الفساد.. أخطاء الرئيس تتزايد يومياً بشكل خطير، والمعارضة الوطنية تتلقى يومياً تهديدات بشكل سافر لإيقافها عن عملها.. وفى ظل هذه الأوضاع يصر الرئيس على إجراء الانتخابات البرلمانية بقانون باطل ويزعم تحصين مجلس النواب ضد الطعن، فى حين أن حصانة البرلمان مشروطة بتنفيذ تعديلات المحكمة الدستورية، وهذا ما دفع الدكتور محمد محيى عضو الشورى إلى أن يقيم أول دعوى قضائية ببطلان قانون الانتخابات وطالب فيها بإلزام الرئيس بإعادة القانون إلى المحكمة الدستورية تطبيقاً لنص المادة «177» من الدستور والذى يلزم المحكمة الدستورية بالرقابة السابقة. والمعروف أن نص المادة يقضى أنه إذا قررت المحكمة عدم مطابقة نص أو أكثر لأحكام الدستور وجب إعمال مقتضى قرارها، وهو نص وجوبى لا مجال للاجتهاد فيه كما فعل الشورى. والمعروف أيضاً أن مجلس الشورى الإخوانى، الذى انتقلت إليه سلطة التشريع، لا يصلح أصلاً لهذه المهمة، ويوم قلت إن الإخوان هم أول الناس الذين فرحوا بحل البرلمان لأنهم فى نهاية الأمر يريدون أن تنتقل سلطة التشريع إلى الشورى الذى يضم بين أعضائه من الإخوان من لا يصلح أصلاً لمهمة التشريع. كنت أقصد أن الإخوان يتمنون أن يسيطروا على كل القوانين، وإصدارها بما يتوافق مع أفكار «الجماعة».. وهذه هى النتيجة الآن التى نحن بصددها، الشورى يصدر قانوناً معيباً للانتخابات مخالفاً الدستور، بل ضارباً به عرض الحائط، ويجتهد بغير علم ويرفض إحالة القانون مرة أخرى إلى المحكمة الدستورية. والرئيس يبارك ذلك، إن لم يكن موجهاً إلى هذا الشأن وضارباً بالقانون والدستور عرض الحائط، فالرئيس هو رئيس كما قلت لأتباعه فقط وليس لكل المصريين، ولا يعنيه من قريب أو بعيد حالة الغليان السياسى التى تموج بها البلاد. ولا يقبل نصحاً ولا إرشاداً.. ويوم نجح فى الانتخابات الرئاسية، الكل ارتضى بشرعية الصندوق، وليست هى «صكاً» بأن يقوم الرئيس بفعل أى شىء يتعارض مع القانون، ويوم أصيب المواطنون بخيبة أمل فى رئيسهم، ثاروا عليه ورفضوا هذه «الهرتلة» السياسية.. وما يحدث الآن من عصيان هو نتيجة طبيعية لكل ما تفعله الجماعة من تصرفات حمقاء فاقت الحدود والتصورات. إذا تصورت مؤسسة الرئاسة أنها بسياسة القمع والإرهاب يمكن أن تحنى رؤوس المصريين فهى واهمة فهذا لن يحدث أبداً.. ولن يعدل الناس عن موقفهم، إنما الذى يجب أن يصحح كل هذه الأوضاع المعكوسة هو الرئيس بتطبيق القانون واحترام الدستور.. وثورة مصر العظيمة ضد النظام السابق ليست ببعيدة.. وفيها عبرة لكل صاحب عقل رشيد وفكر لبيب.