لعلنى أذيع سراً لأول مرة.. رواه أنور السادات في جلساته شبه اليومية مع بعض الصحفيين والسياسيين. قرر عبدالناصر التنحي لزكريا محيي الدين بالذات.. لأنه الوحيد من أعضاء مجلس الثورة الذي له ميول أمريكية معروفة.. وعلاقته بالسفير الأمريكي ليلة قيام الثورة وبعدها كانت متعددة وواضحة.. لقد كان عبدالناصر علي يقين بأن لا نصر ولا جلاء عن سيناء إلا بعلاقات طيبة مع أمريكا.. وأمريكا لم تعد تثق به بعد طول معاداته لها.. لذا كان جاداً في التنحى.. واثقاً بأن زكريا محيي الدين هو الرجل المناسب لمرحلة ما بعد نكسة 1967.. ولما حدثت الانتفاضة وما حدث خلالها من إهانة لشخص زكريا محيي الدين.. ثم محاولة الاعتداء عليه عندما ذهب إلى منزل عبدالناصر.. قرر زكريا محيي الدين الإقامة الدائمة في منزل العائلة الريفى في كفر شكر حتى وفاته. وتمر الأيام.. ومحمد فوزي يحاول (ترميم) الجيش.. والاستعداد لمعركة أكثر المتفائلين لم يتوقع نجاحها.. في نفس الوقت بدأ المرض يسرى في جسد عبدالناصر.. لذا فاجأ عبدالناصر في جنح الليل بلا حراسة ولا سكرتارية ولا أي شخص.. فاجأ عبدالناصر فيللا السادات في الهرم ويدق جرسها ويستقبله السادات كما هو وهو يستعد للنوم.. وكان الحديث حول مستقبل البلد عموماً.. والمعركة في مقدمة الحديث وفى نهايته.. ليدرك عبدالناصر أن السادات يؤمن إيماناً عميقاً بأن (الحل في يد أمريكا).. نفس ما كان يريده عبدالناصر بالتنازل لزكريا محيي الدين بالذات.. لذا في صباح اليوم التالى.. أو علي الأصح في اليوم نفسه.. فقد طال الحديث في فيللا السادات ولكن الكل كان حريصاً على أن يغادر عبدالناصر الفيللا قبل خيوط الفجر.. خاصة المسافة بعيدة من الهرم إلى منشية البكرى!! أقول في صباح نفس اليوم.. كان القرار الجمهورى السادات (نائب أول) رئيس الجمهورية.. وكان هناك علي صبري وحسين الشافعى نائبين أيضاً.. كان القرار مفاجئاً للسادات نفسه. لم يكن عبدالناصر يفكر لحظة بأنه سيحدث بعد شهور قليلة والسادات سيحل محله.. ولكن القرار كان هدفه السريع أن يكون السادات همزة الوصل بينه وبين أمريكا.. ثم مجرد صدور هذا القرار كان يحمل رسالة لأمريكا لأن البديل كان علي صبري الشيوعى حتي النخاع. وتمر الأيام.. ويسقط عبدالناصر فجأة بعد توديعه أمير الكويت بالمطار.. ويتولى أنور السادات الرئاسة ويعلن أكثر من مرة أن 90 فى المائة من الحل في يد أمريكا.. وبدأت المخابرات الأمريكية عملها في البداية للتأكد من النوايا.. ثم يبدأ جس النبض الدبلوماسى كالعادة.. يحضر كيسنجر السياسي الداهية سراً كما زار الصين من قبل سراً أيضاً.. ملك إعادة العلاقات المقطوعة.. ويمهد لزيارة نيكسون لمصر.. أول رئيس أمريكي يزور مصر في التاريخ. نعم جاء - ولا أقول زار- جاء روزفلت إلي القاهرة عام 1945.. ولكنه جاء مع تشرشل وستالين سراً في جنح الليل ليجتمعوا في فندق مينا هاوس البعيد دون أن يشعر بهم أحد.. والسبب أن القاهرة كانت أقرب عاصمة بعيدة عن الحرب. حاول الملك فاروق حينما علم بالزيارة لكي تستعد لها مصر حاول أن يكون في استقبالهم في مطار ألماظة العسكرى سراً أيضاً.. ولكن السفارة الأمريكية رفضت تماماً.. وبعد محاولات مستميتة وافقوا أن يقابلوه منفردين.. كل في جناحه بالفندق علي أن يحضر بلا ضجة ولا أحد معه!! المهم نعود إلى زيارة نيكسون للقاهرة.. كان الخبر مفاجأة ضخمة للشعب كله حينما تم نشره.. ولأن السادات صحفى قديم طلب من الصحف والتليفزيون أن تعيد وتزيد في الكتابة عن الزيارة لتهيئة الناس لاستقبال أول رئيس أمريكي في التاريخ. وبالفعل كانت بوادر الاستقبال مبشرة.. وفي صباح يوم وصوله امتلأت الشوارع بل شرفات منازل شارع العروبة.. بل أمام باب قصر القبة.. وتم تجهيز سيارة مكشوفة.. فرفض حرس أمريكا ركوب هذه السيارة وأصر رجالنا لأنها تعليمات السادات.. وبعد محاولة وأخذ ورد.. طلب رئيس حرس أمريكا كتابة تعهد من رئيس مصر بالمحافظة علي حياة رئيس أمريكا.. قصة مشهورة.. وكان استقبالاً مشهوراً.. أطرف ما فيه الورد الذي تم إلقاؤه علي الرئيسين ووصفها نيكسون في خطابه بأن الشعب حول السيارة لحديقة!! أبرز ما قاله نيكسون في خطابه من شرفة قصر القبة.. إن المسئولين عادة يستطيعون التمييز بين استقبال حكومي واستقبال شعبى من القلب.. وأنا سعيد بقلوب المصريين. بعد عودته مباشرة.. إسرائيل افتعلت له فضيحة نيكسون جيت لتطيح به.. ذكريات.