بعد غياب 10 سنوات.. رئيس «المحاسبات» يشارك فى الجلسة العامة ل«النواب»    الأوبرا تحتفل باليوم العالمي لحرية الصحافة على المسرح الصغير    سعر الذهب اليوم بالمملكة العربية السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 9 مايو 2024    ارتفاع كبير.. مفاجأة في سعر الحديد والأسمنت اليوم الخميس 9 مايو بالبورصة والأسواق    بتحريض من الكونجرس، الشرطة تخلي مخيم طلبة متضامنين مع غزة بجامعة جورج واشنطن    الفصائل الفلسطينية تشارك في مفاوضات القاهرة    موعد مباراة روما وباير ليفركوزن في الدوري الأوروبي والقنوات الناقلة    ميدو يكشف مفاجأة بشأن شيكابالا حال التتويج بالكونفدرالية    حرارة قاسية وتدهور الرؤية.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم في مصر    بكلمات مؤثرة.. منى زكي تنعى والدة كريم عبد العزيز    مصطفى خاطر يروج للحلقتين الأجدد من "البيت بيتي 2"    ما الأفضل عمرة التطوع أم الإنفاق على الفقراء؟.. الإفتاء توضح    مواد مسرطنة في القهوة منزوعة الكافيين احذرها    حقيقة تعديل جدول امتحانات الثانوية العامة 2024.. اعرفها    «المصريين الأحرار»: بيانات الأحزاب تفويض للدولة للحفاظ على الأمن القومي    شوبير يكشف مفاجأة بشأن تجديد عقد علي معلول في الأهلي.. خلاف حول الراتب.. عاجل    معلومات عن ريهام أيمن بعد تعرضها لأزمة صحية.. لماذا ابتعدت عن الفن؟    انتخاب أحمد أبو هشيمة عضوا بمجلس أمناء التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    جريمة تهز العراق، أب يقتل 12 فردا من عائلته ثم يتخلص من حياته (صور)    مصدر: حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية منفتحون نحو إنجاح الجهود المصرية في وقف إطلاق النار    الزمالك يشكر وزيرا الطيران المدني و الشباب والرياضة لدعم رحلة الفريق إلى المغرب    زعيمان بالكونجرس ينتقدان تعليق شحنات مساعدات عسكرية لإسرائيل    إبراهيم عيسى: الفكر السلفي معطل للاقتصاد المصري وخطر على الدولة    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 9 مايو في محافظات مصر    بعد إصدار قانون التصالح| هذه الأماكن معفاة من تلك الشروط.. فما هي؟    إعلام فلسطيني: غارة إسرائيلية على حي الصبرة جنوب مدينة غزة شمالي القطاع    محافظ الإسكندرية يكرم أبطال سلة الاتحاد عقب فوزهم بكأس مصر    ميدو يوضح رأيه في اعتراض الزمالك على حكام نهائي الكونفدرالية    6 طرق لعلاج احتباس الغازات في البطن بدون دواء    إنتل تتوقع تراجع إيراداتها خلال الربع الثاني    ارتفاع ضحايا حادث «صحراوي المنيا».. مصرع شخص وإصابة 13 آخرين    "الفجر" تنشر التقرير الطبي للطالبة "كارولين" ضحية تشويه جسدها داخل مدرسة في فيصل    سواق وعنده 4 أطفال.. شقيق أحمد ضحية حادث عصام صاصا يكشف التفاصيل    أحمد موسى: محدش يقدر يعتدي على أمننا.. ومصر لن تفرط في أي منطقة    خوان ماتا: عانيت أمام محمد صلاح.. وأحترمه كثيرا    محمد فضل: جوزيه جوميز رفض تدريب الأهلي    برج الأسد.. حظك اليوم الخميس 9 مايو: مارس التمارين الرياضية    محمود قاسم ل«البوابة نيوز»: السرب حدث فني تاريخي تناول قضية هامة    تعرف على سعر الفراخ البيضاء والبيض بالأسواق اليوم الخميس 9 مايو 2024    مندوب الجامعة العربية بالأمم المتحدة: 4 دول من أمريكا الجنوبية اعترفت خلال الأسبوع الأخير بدولة فلسطين    رئيس هيئة المحطات النووية يهدي لوزير الكهرباء هدية رمزية من العملات التذكارية    استشاري مناعة يقدم نصيحة للوقاية من الأعراض الجانبية للقاح استرازينكا    وزير الصحة التونسي يثمن الجهود الإفريقية لمكافحة الأمراض المعدية    وكيل الخطة والموازنة بمجلس النواب: طالبنا الحكومة بعدم فرض أي ضرائب جديدة    متحدث الوزراء: المواعيد الجديدة لتخفيف الأحمال مستمرة حتى 20 يوليو    «زووم إفريقيا» في حلقة خاصة من قلب جامبيا على قناة CBC.. اليوم    عبد المجيد عبد الله يبدأ أولى حفلاته الثلاثة في الكويت.. الليلة    مستشهدا بواقعة على صفحة الأهلي.. إبراهيم عيسى: لم نتخلص من التسلف والتخلف الفكري    بالصور.. «تضامن الدقهلية» تُطلق المرحلة الثانية من مبادرة «وطن بلا إعاقة»    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لنا في كل أمر يسراً وفي كل رزق بركة    دعاء الليلة الأولى من ذي القعدة الآن لمن أصابه كرب.. ب5 كلمات تنتهي معاناتك    طالب صيدلة يدهس شابا أعلى المحور في الشيخ زايد    رئيس جامعة القناة يشهد المؤتمر السنوي للبحوث الطلابية لكلية طب «الإسماعيلية الجديدة الأهلية»    محافظ الإسكندرية يشيد بدور الصحافة القومية في التصدي للشائعات المغرضة    وزير الخارجية العراقي: العراق حريص على حماية وتطوير العلاقات مع الدول الأخرى على أساس المصالح المشتركة    متحدث الصحة يعلق على سحب لقاحات أسترازينيكا من جميع أنحاء العالم.. فيديو    أول أيام شهر ذي القعدة غدا.. و«الإفتاء» تحسم جدل صيامه    بالفيديو.. هل تدريج الشعر حرام؟ أمين الفتوى يكشف مفاجأة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظلموا أبى بسبب قنديل أم هاشم
نهى يحيى حقى فى حوار ل الوفد:
نشر في الوفد يوم 14 - 07 - 2021


رأيته جالساً مع البواب أمام البيت ويدخنان السجائر
رفض العنف والتشدد الدينى.. ولم ينبهر بالحضارة الغربية
يرى أن «ثورة 19» نقلة حضارية وبداية مصر الحديثة
مصر عاشت فترة سوداء فى زمن الجماعة والمرشد
من يتابع مسيرة الأديب الراحل يحيى حقى وكتاباته ومن كتبوا عنه من تلاميذه ومريديه، سيلاحظ أنه مهموم إلى حدٍ كبير بالأدباء الشباب، حتى إنه يمكننا القول إنه كان الراعى الأول لكل الكتاب الجدد الذين يتوافدون عليه فى أى مكان أو وظيفة شغلها، كما أنه كان يخالط العامة فى المقاهى والمجالس الشعبية بكل أشكالها ومستوياتها، بالتزامن مع عمله فى أروقة الدبلوماسية، حيث السفراء والوزراء ورؤساء الجمهوريات والملوك والتشريفات.
ولد الأديب الكبير عام 1905 بحارة «الميضة» بجوار مقام السيدة زينب، وكان والده مغرماً بالشعر العربى، وأمه كانت شديدة التدين. واصل تعليمه حتى تخرج فى مدرسة الحقوق سنة 1925 وعمل وكيلاً للنائب العام بالصعيد ثم أميناً للمحفوظات بالخارجية وسفيرًا لمصر فى ليبيا ثم مديراً لمصلحة الفنون فمستشاراً لوزير الثقافة ثروت عكاشة، ورأس تحرير مجلة «المجلة».
قدم للمكتبة العربية مؤلفات عديدة فى القصة والرواية والنقد والتاريخ والفنون، وحصل صاحب «القنديل» على جائزة الدولة التقديرية سنة 1967 ثم وسام فارس من فرنسا فى الثمانينات، وجائزة فيصل سنة 1989 ورحل فى 9 ديسمبر 1992، مخلفًا وراءه مؤلفات عديدة.
«الوفد» التقت نهى يحيى حقى الابنة الوحيدة للكاتب الكبير فى هذا الحوار.
بداية.. ما أهم المحطات فى حياتك، باعتبارك ابنة الكاتب الكبير يحيى حقى؟
لدىّ محطات كثيرة فى حياتى، أهمها عملى فى مجال الإعلام الذى كنت أحلم به منذ صغرى، فبعد إنهاء دراستى الجامعية فى كلية الترجمة الفورية بجامعة الأزهر عملت فى إذاعة الإسكندرية وأتذكر أننا كنا نسكن فى الزمالك، وكنا نمر على التليفزيون أثناء بنائه، فكنت أقول لزميلاتى فى المدرسة، «عندما أكبر سأعمل فى هذا المكان» وقد ألحقنى والدى منذ صغرى ببرنامج الأطفال فى التليفزيون «ماما سميحة» وكنت وقتها أكبر سنًا من الأطفال المشاركين فى البرنامج، وكان عمرى «13» عامًا، ولم أشعر بذاتى فى هذا البرنامج، وبعد أن أنهيت دراستى بدأت العمل فى العلاقات العامة، والتحقت بعد ذلك بإذاعة الإسكندرية وفيها تتلمذت على يد شيخ الإذاعيين حافظ عبدالوهاب وتعلمت منه فن الإعداد والتقديم، ثم عملت فى القناة الثانية وسافرت مع زوجى -رحمه الله- إلى البحرين وعملت فى التليفزيون البحرينى وأعددت وقدمت العديد من البرامج مثل برنامج «مجلتك» ثم اتجهت إلى كتابة الأعمال الأدبية وألفت مسلسل «اللقاء الثانى» الذى حقق نجاحًا كبيرًا وقتها.
هل دراستك فى الأزهر أفادتك من الناحية العملية أم كانت دراسة أكاديمية فقط؟
كنت فى صغرى فى مدرسة راهبات، ثم انتقلت من القلب المقدس إلى الأزهر الشريف، ولم أشعر وقتها بأى اغتراب، لأن الجوهر الأساسى للدين المسيحى أو الإسلامى هو الأخلاق والإحساس بالضمير، فلم أشعر أننى خرجت من بيئة إلى بيئة مختلفة، ثانيًا فقد تعلمت فى الأزهر كيف أتأمل كلام الله عز وجل بإبداعاته التى لا يمكن أن يتصورها إنسان بالوصف الدقيق، فى كل زمان ومكان، فالدين الإسلامى يطالبنا بإعمال التفكير دائمًا.
صرحت من قبل بأن علاقتك بوالدك كانت غريبة وغير طبيعية نريد إيضاحًا لهذا المعنى؟
كل إنسان يعيش فى بيئة طبيعية وأسرة بها أب وأم وإخوة، لكننى لم أعش هذه البيئة، فالقدر كان قاسيا جدًا، حيث توفيت والدتى عقب ولادتى مباشرة، وكان عمرى «6» أشهر، وعاش والدى معى سنتين فقط وكنت فى بيت جدتى لوالدتى، حتى اضطر أبى للسفر إلى فرنسا، وانشغل بعمله الدبلوماسى، ولم يكن من الممكن أن يصطحبنى معه وأنا طفلة رضيعة، ولم أره كثيرًا، حتى أصبح عمرى 6 أو 7 سنوات، وكانت عبارة عن زيارات، ووقتها كان يأخذنى إلى الموالد الشعبية والسيرك وحديقة الحيوان ومسرح العرائس، فلم أكن أتصور الذهاب إلى هذه الأماكن دون والدى.
ماذا عن قصة زواجه وحياته الأسرية وهل كانت لزيجته الثانية من فرنسية تأثير عليكم؟
بالنسبة لزواجه فى المرة الأولى لم يدم طويلاً فقد تزوج والدتى «نبيلة» إلا أن المرض أصابها فتوفيت بعد ولادتى بشهور قليلة، ولم يكن مر على زواجهما غير سنتين وحزن كثيرًا بسبب وفاة أمى، فقد كان رقيق المشاعر وقال عنها فى آخر كتاب له قبل رحيله كلامًا رقيقًا جدًا حتى إنه وصفها بأنها كانت بمثابة «سحابة صيف» مرت بحياته، ووصفنى «بالربيع»، وبعد 10 سنوات من وفاة والدتى ترك منصبه الدبلوماسى بعد زواجه الثانى من الفنانة التشكيلية الفرنسية «جان ميرى جيهو» التى تعرف عليها خلال تردده على المتاحف والمراسم فى فرنسا، حيث كانت تهتم كثيرًا بالحركة الفنية والثقافية والأدبية وترسم لوحات وتصنع أشياء من الخزف، وهذا سبب تعارف يحيى حقى بها، عندما كان يعمل فى فرنسا، وظلت معه حتى توفى عام 1992، لكننى كنت بعيدة عنها ولم أعش معها.
هل كانت لأصوله التركية أى تأثير على شخصية الأديب يحيى حقى؟
كان يكره كلمة «أصوله التركية»، جذوره تركية لكنه مولود فى حى شعبى بمصر وعاش على أرضها و«اتعجن» بها، فوالدى تركى الشكل فقط، لكنه فى الحقيقة «ابن بلد» وكان يقول عن نفسه «لو عصرت دمى لوجدتنى مصريًا حتى آخر قطرة فيه» وأستغرب من ذلك فكل مكونات شخصيته تختلف تمامًا عن كلمة تركى، حتى فى بيته لم يكن يتكلم بالتركى، وتعلم التركية عندما عمل فى السلك الدبلوماسى فى اسطنبول، وتعلم الإيطالية والفرنسية فى بلادهما حتى يدخل البلد من أوسع أبوابها، لمعرفة لغتها وحضارتها وفكرها وثقافتها.
ماذا عن الجانب الإنسانى فى حياة والدك؟
كان إنسانا بسيطًا يتكلم بلغة واحدة، لا يتباهى بشىء ولا يفعله، وكان يحب البسطاء، فيجلس مع البواب ويدخن معه السجائر وكأنهما صديقان، ومع البقال فى مصر الجديدة، حتى أنه طلب منى ذات مرة اصطحابه لزيارة زوجة البواب فى المستشفى، وكان وقتها مجهدًا بسبب تقدمه فى السن وصعد للطابق الرابع على رجليه حتى يزورها، وأذكر أنه أثناء زلزال عام 1992 كان مريضًا فتنازل عن سريره فى مستشفى المقاولين العرب ولم يكمل إجراء الفحوصات وغادر المستشفى وترك سريره لحالات كانت أشد حاجة له، وفى موقف آخر أتذكره أثناء طفولتى، اشترى لى أيس كريم من أحد محلات مصر الجديدة، ورأى على الرصيف المقابل للمحل أسرة كاملة ومعهم طفلة خادمة كانوا يتناولون الأيس كريم عدا الطفلة فقام بشراء أيس كريم لها وأستأذن الأسرة أن يعطيه لهذه الطفلة الصغيرة، فقد كان حساسًا يشعر بمن حوله.
هل كان يصطحبك معه إلى مجالس كبار
الأدباء والمفكرين؟
كنت أذهب معه إلى بيت الكاتب الكبير عباس محمود العقاد وكان عمرى وقتها 12 عامًا، وكنت مذهولة لأنه كان يجلس بمفرده يلتف حوله كبار الأدباء، وكأنهم يجلسون فى حضرة شخص مهم، وكان «للعقاد» صوت غريب جدًا، وله مهابة، لكن لم يحدث بينى وبينه حديث، فقد كان ينظر إلىّ على أننى صغيرة مع والدى، كما كان يأخذنى إلى مجلس عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، كما عرّفنى على عبدالحليم، ولكن الجلسات التى أتذكرها وكنت أحب أن أراها كانت مع توفيق الحكيم فى الإسكندرية فى مقهى شهير جدًا يسمى مقهى «بترو» حيث يجتمع فيه الأدباء والكتاب حوله، وكانت له جلسات وقفشات وامتاز بخفة الظل، وكنت أشعر بسعادة بالغة لأن الكتاب الكبار كانوا لا يغارون من بعضهم ويوقرون بعضهم البعض.
البعض يرى أن الكاتب يحيى حقى متعدد المواهب، فهو كاتب وأديب وفى الوقت نفسه ناقد أدبى وهو مؤرخ أيضاً فماذا تقولين؟
من الظلم أن نقول عن يحيى حقى إنه كان رائد القصة القصيرة فقط أو يتم حصره فى رواية «قنديل أم هاشم»، فهو إن كان قد اختار القصة القصيرة فى تعبيره، وشعر أن هذا الطريق هو الأقرب للدخول منه إلى عالم الأدب والثقافة، إلا أننا إذا فتشنا فى مؤلفاته ككاتب وأديب فسوف نجد مجموعة قصص كبيرة، وهو أيضاً ناقد أدبى مخضرم وهو كذلك أستاذ متمكن من أصول اللغة العربية وقواعدها، وهو مؤرخ، لديه عدة كتب يسرد فيها حقائق تاريخية بصورة أدبية رفيعة المستوى، ففى كتاب له يسمى «فى محراب الفن» يصف يحيى حقى برؤية فنان وناقد فنى تشكيلى تمثال سيدنا موسى عليه السلام الذى نحته «مايكل أنجلو» فى الفاتيكان، ومن زار هذا المكان يدرك الرؤية الحقيقية الفنية لهذا التمثال من خلال وصف يحيى حقى له فهو يصف ما وراء الجمال ويلتقط أدق التفاصيل وكأنه ينقل القارئ إلى روما، وفى كتابه «تعال معى إلى الكونسير» يوجه دعوة للقارئ للذهاب معه إلى حفلة الكونسير ليتعرف على الموسيقى الكلاسيكية، وليشعر بنبضات العازفين حين يستعدون لبدء العرض، موضحًا كيفية دخول المايسترو وليشعر القارئ بإبداع هذا الفن من الموسيقى، أيضاً فى كتاب «من فيض الكريم» تجد روح الصوفى الراقى يتحدث فيه برؤية كمن يعيش فى داخل هذا الإطار ومدى حبه لآل البيت، فيحيى حقى من الصعب جدًا أن نقول إنه كاتب قصة قصيرة فقط، أيضاً ظهر عشقه العميق للغة العربية من خلال كتاباته عن الأسلوب العلمى الحديث الذى حاول بها صناعة مدرسة أدبية خاصة به، كما أن أدب يحيى حقى تأثر كثيرًا بعمله الدبلوماسى وكثرة سفرياته التى أثرت بشكل واضح على أعماله الأدبية، لكنها لم تنسه حى السيدة زينب والبسطاء الذين ظل يكتب عنهم حتى رحيله، كما أنه عند عودته لمصر وعمله كمسئول ثقافى أسس أكثر من مجال فنى فى فنون الباليه والفن الشعبى ومسرح العرائس.
وهل ارتباط رواية «قنديل أم هاشم» باسم يحيى حقى وشهرته بها ظلم والدك وهل سببت له أزمة؟
لم تسبب له أزمة، لكن ظلموه بأن اقتصروا أعماله وعبقريته فى «قنديل أم هاشم» فعبقريته شملت الكثير من الأعمال الإبداعية المتميزة، فأعماله كان بها نظرة للمستقبل، وكتاباته لو قرأتها فى 2021 كأنها كتبت اليوم، وهذا سر عبقريته وعبقرية من كانوا يعيشون فى عصره، مثل توفيق الحكيم الذى كان رائدًا وأستاذا فى الحوار الحى الذى ينبض فى العصر الحالى، فاهتمام يحيى حقى كان ينصب على الإنسان ورفع شأن الإرادة لديه، وعندما ألف «قنديل أم هاشم» كتبها من قلبه وهو ذاته قال ذلك «خرجت كالرصاص ووصلت إلى قلوب القراء» وبها قضية ستظل تشغل بالنا وهى قضية العلم والخزعبلات وليس الإيمان، فهناك من يؤمنون بالحسد لأنه ذكر فى القرآن الكريم، لكن بدرجة الهلع الذى قيل عنه، والقضية الثانية وهى مهمة جدا، قضية الفرق بين الشرق والغرب بالرغم من وجود العولمة الآن التى انصهرنا بسببها فى الغرب وهذه كارثة فلابد لنا كشرقيين أن تكون لنا أرضية ثابتة نقف عليها لمجابهة هذا الخطر وتكون لنا هويتنا وهذا ما نادى به يحيى حقى، فقد سافر إلى الخارج ورأى الحضارة وانبهر بها لكن لم يذب فيها لأنه متسلح بحضارة الشرق «القديمة والقبطية والإسلامية» وهى حضارة لا توجد فى كل العالم، وهذه كانت رؤيته فى «قنديل أم هاشم» كما أنه درس القانون وكان يجلس كثيرا مع زوجى المستشار سعيد الجمل - رحمه الله - ويحب أن يراه عند كتابته للقضايا ويشترك معه فى الاطلاع على القضايا بقدر فكره ودراسته السابقة للقانون، هذا هو يحيى حقى متعدد المواهب.
بعض من اقتربوا من والدك أكدوا فى كتاباتهم أن أعماله أول من حذرت من الإرهاب ونبهت لخطورة التيارات الدينية الفكرية المتشددة فهل تتفقين مع هذا الطرح؟
طوال حياته كان يؤمن بعدم التفريط والتشدد، وكان بعيدا عن رؤية الإرهاب فأى رؤية جديدة لا يقف ضدها لكنه يستمع لها وقد يتقبلها أو يرفضها، لكنه يرفض العنف فى كل وقت فقد كان متصالحا مع نفسه ولديه مبدأ مهم جدا وهو «ارتقاء شأن الإرادة» فهو عمل لفترة ليست قصيرة فى السلك الدبلوماسى، وشاهد الحضارة الغربية وعايشها، لكنها لم تؤثر فيه، فقد كان معتزا بالحضارة المصرية، وكتب قائلا إن الحضارة الغربية لم تنطل عليه، لأنه جاء من دولة انصهرت فيها عدة حضارات هى الفرعونية والإسلامية والقبطية فخلقت لها شخصية مستقلة، لذلك أحزنه شيوع الجهل بين أتباع هذه الحضارة، الأمر الذى أدى للخزعبلات التى سيطرت على تفكير بعض الناس فكانت روايته «قنديل أم هاشم»
بمثابة دق ناقوس الخطر.
وهل دعا إلى تجديد الخطاب الدينى فى كتاباته؟
كان يتحدث دائما عن الدين السمح، وقراءة الدين برؤية عصرية، فالدين فى حاجة إلى مجددين من حين لآخر، مثل الإمام محمد عبده والإمام محمد متولى الشعراوى وهو ما عبر عنه المفكر الإسلامى الفرنسى «روجيه جارودى» عندما أتى إلى مصر فقال: «إن المسلمين الآن يقرأون القرآن بعيون ميتة أى أنه يقصد أنهم لا يشعرون بروحه وحلاوته وهذا خطأ، فلابد من أن يعى الإنسان كل رؤى عصرية، فكان يحيى حقى يكره العنف بجميع أشكاله.
ماذا عن مسرح الطفل فى حياة الأديب الراحل يحيى حقى؟
أجمل شىء فى حياته؛ لأن الطفولة والمرأة عنده والفنون الجميلة كله واحد، فعندما كان مسئولا عن مصلحة الفنون أرسل بعثة كانت مهتمة بفن أو مسرح الطفل وأدخل مصرح العرائس لأول مرة والذى تفرد فيه والد الفنان أحمد السقا.
ماذا عن علاقته بالرؤساء خاصة الرئيس جمال عبدالناصر؟
والدى لم يحتك بالسياسة كثيراً، لكنه عاصر الجميع، ومن خلال عمله الدبلوماسى رأى «موسولينى» وهو يلقى خطاباته أمام الجماهير و«أتاتورك» وعاصر فى تاريخ حياته أهم الحوادث التى شكلت التاريخ الحديث، ورغم هذا كان يربط التاريخ الحديث بالماضى لأنه كان يهوى قراءة «الجبرتى» الذى كان بمثابة دفتر لأحوال الدنيا، أما لقاؤه بعبدالناصر فأثناء عمله بالسلك الدبلوماسى تم تعيينه وزيرا مفوضا بدرجة سفير فى السفارة المصرية فى ليبيا سنة 1954، وكان من الضرورى قبل سفره الذهاب إلى مجلس قيادة الثورة لتلقى التعليمات والمهام المكلف بها، فقابل الرئيس محمد نجيب ودار حديث ودى بينهما وأخبره أن التكليفات سيتلقاها من البكباشى جمال عبدالناصر وبعد مقابلته كان على ثقة أن «عبدالناصر» هو مفجر الثورة وكان يرى أنه نقلة جديدة فى حياة مصر وامتدت بعد رحيله وكان يحترمه جدا، أيضاً كان يقدر الرئيس السادات وكان يقول عنه إن هذا الرجل سيسجل فى تاريخ مصر بفكره المستنير وكان يعجبه دهاء السادات وذكاؤه.
لماذا وصف ثورة 1919 بأنها أهم حدث فى التاريخ الحديث؟
لأنها كانت نقلة جديدة وحضارية بدأت منها مصر الحديثة تعرف أشياء كثيرة مثل المدرسة الحديثة فى الفن والديمقراطية وتصنف الأحزاب فكانت بمثابة ولادة لمصر من جديد، فهى ثورة فارقة تسببت فى ميلاد رجال عظماء، شكلوا وجدان مصر سواء فى الاقتصاد والسياسة والفنون والكتابة، مثل فنان الشعب سيد درويش ورجل الاقتصاد طلعت حرب، فمصر الحديثة ولدت من رحم ثورة 1919، وقد كتب يحيى حقى كتابه «صفحات من تاريخ مصر» بأسلوب قصّاص للتاريخ.
ماذا عن حكاية رسالة سيد قطب لوالدك التى نقلها الناقد فؤاد دوارة فى مقال له؟
سيد قطب كان ناقداً فى الأصل ونقد رواية «قنديل أم هاشم» نقدا فنيا على أعلى مستوى قبل تحوله الفكرى ليصبح المنظر لفكر الجماعة، مع أنه كان من المفترض أن تكون لديه ذائقة أدبية لقربه من الفن، ولكننى لم أعش فى عصر «قطب» ولا عاصرته وأدرك أن من يكتب ويرسم ومن يتحدث فى الفن لابد أن تكون لديه حاسة تميل إلى الاعتدال والبساطة لا العنف، وأحب الحديث عن نماذج تمثل الإسلام الوسطى مثل الشيخ الباقورى والشيخ الذهبى رحمهما الله.
وكيف رأيت تأثير الإخوان على الإبداع؟
كارثة من الكوارث، فلم نكن وقتها نعيش فلو صنف تاريخنا الحديثة لتمنيت إسقاط هذه الفترة الداكنة والمظلمة فى حياتنا من تاريخ مصر، فلم أكن أعرف أن أتنفس وقد عاشت مصر فترة سوداء فى زمن الجماعة والمرشد، فكل ما مر فى تاريخ مصر من فترات صعبة فى واد وما عاصرناه فى زمن الإخوان فى واد آخر، وأرجو أن نسقط هذه الفترة من الذاكرة والتاريخ لأنها كارثة بكل ما تحمله الكلمة، فلم نكن نعرف إلى أين تسير مصر، وكنت أشعر بالضيق والاختناق لأننى لم أكن أعلم إلى أن يذهب مصيرنا.
ماذا تبقى من تراث يحيى حقى ومقتنياته وهل فكرتم فى إقامة متحف له؟
سعدت كثيراً عندما اتصل بى الكاتب الكبير محمد سلماوى إبان رئاسته لاتحاد الكتاب وأخبرنى أنهم سيخصصون أماكن لإحياء التراث فى محكى القلعة لكتابنا الكبار منهم يحيى حقى وطلب منى بعض مقتنيات والدى فأعطيته عصا يحيى حقى والبيريه وتمثالا كانت صنعته له الفنانة الدكتورة عايدة عبدالكريم ولوحة بورتريه وغيرها، وأعتقد أن مثل هذه الفكرة هى نواة لإقامة متاحف لهؤلاء العمالقة الكبار فى كل تراثنا، فمصر ولادة فى الطب والهندسة والأدب والثقافة والسياسة، وهناك نماذج كثيرة حضارية ولدينا أماكن كثيرة لإقامة مثل هذه المتاحف مثل حديقة الأزهر ولدىّ استعداد تام لتسليم جميع مقتنيات والدى لوزارة الثقافة أو مكتبة الإسكندرية لعرضها على الجمهور فى أى متحف.
وماذا عن أبرز الأعمال التى تحبينها لوالدك؟
هناك عمل جمع 3 قصص وثلاثة مؤلفين وهم يحيى حقى وإحسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ، وقدم فيه أبى قصة اسمها «إفلاس خاطبة» وهى نموذج جميل بدعابة وروح يحيى حقى ومثلها الفنانة سميحة أيوب، وعبدالمنعم إبراهيم وهى من إخراج محمد نبيه، وأيضاً «البوسطجى» وكان حسين كمال متأثرا فيه بالسينما اليونانية وفيلم «زوربا» وكذلك رواية «قنديل أم هاشم» و«امرأة ورجل» لحسام الدين مصطفى، وهذه هى الأعمال السينمائية، أما فى التليفزيون فقدم أكثر من عمل فيه مثل «كنا ثلاثة أيتام» وقدموا «قنديل أم هاشم» فى المسرح الاستعراضى من خلال فرقة أنصار التمثيل وكانت شويكار تقف لأول مرة على المسرح من خلال هذا العمل، أيضاً كان ليحيى حقى دور كبير فى المسرح الغنائى سواء الراقص مثل «ليل يا عين» ومثلنا فى مهرجان روسيا وكان من أوائل من صنعوا إبهارا ومنها خرجت فرقة «رضا»، وكانت لديه مقالات إنسانية تدخل القلب مثل «كناسة الدكان» التى يصف فيها كيف يدب الموت فى جسد أمى، وكان يبكى عند قراءتها ولديه كتاب آخر هو «عطر الأحباب» يقول فيها: «أهل بيتى هذا لم يسكنوه إلا لأننى أحببتهم واحدا واحدا جذبنى فيهم الإنسان قبل الفنان، إنى أتسمح بهم لأشم عطر الأحباب» فهل هناك كلمات أرق من ذلك.
لو اختصرنا فلسفة الوالد فى الحياة فماذا تقولين؟
«خليها على الله» كانت فلسفته فى الحياة ليس من باب التواكل ولكنه إحساس بأن التوكل على الله يصنع كل شىء فالإنسان وقتها يشعر أنه فى معية الله.
اتجهت أثناء رحلتك الإعلامية لكتابة بعض الأعمال الأدبية مثل مسلسل «اللقاء الثانى» فماذا عنه؟
أنا فخورة بهذا العمل وأعتز به، وكنت أهتم برأى والدى وتعليقه ونقده، وكان دائمًا يقول لى إنه أصبح مشهورًا بأنه «أبو نهى» حتى يشجعنى ويسعدنى، أما «اللقاء الثانى» فقد أحبه الناس، لأنهم أحسوا بواقعية المواقف التى كتبت فى شكل حلقات منفصلة وليس عملاً دراميًا متصلا، وكل قصة قائمة بذاتها، وقد ساعد على نجاحه السيناريست عاطف شلبى وأبطال المسلسل بوسى ومحمود ياسين، وكذلك الموسيقى المتميزة للموسيقار المبدع عمر خيرت، وقد استوحيت فكرته من جار لجدتى رفض أهل محبوبته تزويجها له فعزف عن الزواج وعاش على الذكريات، ومرت سنوات وتوفى زوجها، وعندما تزوج من حبه الأول لم يشعر بالسعادة وانفصل عنها بعد شهرين، وعندما سألته قال إنه تزوج امرأة أخرى غير التى أحبها منذ سنين، فالزمن غيرها كثيرًا، وحاليًا أعكف على كتابة بعض الأعمال الأخرى.
ماذا عن الأيام الأخيرة فى حياته؟
كان دائمًا يشعر بأنه سيموت لكنه لم يتشاءم ولم يكن خائفًا وكان يريد ألا يشعر بالدنيا ففى أواخر يناير قدموا له «لقاء ثقافى» بالأوبرا وظهر كأنه شاب فى العشرين، ولم يكن ينفصل عن أرض الواقع الذى نحياه وفى آخر لحظات الوداع كنت أقيم مع زوجته فى غرفة مجاورة لغرفته بالمستشفى ولم أستطع رؤيته فى اللحظات الأخيرة، لكن زوجته كانت بجواره حين توفى، وخرجت تقول إنها لم تشاهد متوفيًا مبتسمًا مثل والدى أبدًا، فقد مات مبتسمًا، لأنه لم يؤذ أحدًا فى حياته.
أخيرا.. رسالة توجهينها إلى من؟
أوجه رسالة لوالدى، أنه سيظل موجودًا فى حياتنا، فالحياة بدونه ليس لها طعم وسعيدة جدًا بأن الناس مازالوا يذكرونه، فقد كان يقول دائمًا إن الكاتب والأديب والشاعر يموت مرتين، يموت الميتة التى اختارها الله له، ويموت مرة ثانية إذا نسيه الناس وهذه هى الميتة الأبدية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.