ساهمت فى تعديل القوانين لدعم حقوق المرأة.. وأبرزها قانون الأحوال الشخصية رافقت بطل الحرب والسلام وامتلكت سجلاً مليئاً بالإنجازات برز اسمها فى سماء الإنسانية، لم تكتف بوقوفها بجانب زوجها، بل لعبت دورًا ناصع البياض فى مجال حقوق الإنسان، وخاصة المرأة، حتى أصبحت نجما ساطعا فى سمائه آخذة على عاتقها رسالة الإنسانية الرائدة، فهى المرأة التى لقبت بأم الأبطال، وكانت أول سيدة فى تاريخ الجمهورية المصرية تخرج إلى دائرة العمل العام، ولا ننسى دورها الوطنى الذى لا يخفى على كل من يقرأ صفحات تاريخ هذا الوطن، حيث لعبت على عكس زوجات القادة المصريين السابقين، دورا بارزا فى السياسة المصرية، لا سيما فى النهوض بقضية حقوق المرأة، فقد كانت تدرك جيدا وضع المرأة، لذا بدأت فى وقت مبكر الدعوة للتغيير، ففى مسيرتها لحظات فارقة من عمر الوطن، مالكة سجلا مليئاً بالإنجازات، كما أنها رفيقة الطريق لبطل الحرب والسلام، إنها السيدة جيهان السادات التى رحلت عن عالمنا أمس. استيقظ الشعب المصرى على خبر مفجع، أعلنته الرئاسة المصرية، وهو وفاة سيدة الإنسانية جيهان السادات أرملة «بطل الحرب والسلام» الرئيس الراحل أنور السادات، نتيجة المرض الغاشم السرطان، عن عمر يناهز 88 عاما، بعد تدهور حالتها الصحية فى الآونة الأخيرة، حيث أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى قرارا بمنحها «وسام الكمال» مع إطلاق اسمها على محور الفردوس. نشأتها العريقة «جيهان صفوت رؤوف» خرجت للدنيا يوم 29 أغسطس 1933، فى جزيرة الروضة بمصر، والتحقت بمدرسة حكومية للفتيات وحصلت على تعليم ممتاز وتعلمت اللغة الإنجليزية واللغة العربية الفصحى والرياضيات والعلوم، لتعيش بعد ذلك حياتها بتفانٍ وإخلاص، مقدمة نموذجا للمرأة المصرية فى مساندة زوجها فى ظل أصعب الظروف وأدقها، حتى قاد البلاد لتحقيق النصر التاريخى فى حرب أكتوبر المجيدة، الذى مثل علامة فارقة فى تاريخ مصر الحديث، وأعاد لها العزة والكرامة. «السادات» يخطف قلب «جيها»ن بدأت قصة الحب غير العادية، حينما قبلت جيهان السادات دعوة لقضاء عطلة مع قريبة لها فى السويس، وكانت تبلغ الخامسة عشرة من عمرها حينها، وهناك التقت الضابط السابق الشاب أنور السادات المطلق سراحه حديثا من السجن، والذى كان قوميا متحمسا يسعى لإخراج البريطانيين من مصر، كما كان أحد قادة مجموعة الضباط الأحرار التى كان يتزعمها جمال عبدالناصر التى كانت تسعى للإطاحة بحكم الملك فاروق، فكانت «جيهان» فتاة ممزوجة بالجمال الشرقى والأوروبى، ممثلة أيقونة للرقى والأناقة وواجهة للباقة، ما جعلها تخطف قلب الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وأُعجبت جيهان بالسادات، ولم يكن هذا الإعجاب من طرف واحد، بل هى خطفت قلبه وأصبحت بينهما قصة حب، وحضر عيد ميلاها، وغنى لها أغنية: «ياريتنى طير» لفريد الأطرش، حينها قررت الزواج منه، رغم أنه كان متزوجاً ولديه 3 بنات، هن: رقية، وراوية، وكاميليا. الحب أقوى من خوف والديها وعلى الرغم من تبرئة أنور السادات وإطلاق سراحه من السجن، كان والدا جيهان لا يزالان متخوفين من علاقتهما، ذلك أنه إلى جانب فارق السن وأنشطة السادات الثورية، كان أيضاً مطلقا فقيرا، إلا أن الحب فوق الجميع، ففى النهاية تحدثت جيهان مع والديها عن نيتها الزواج من أنور السادات. رحلة الحياة المغمورة بين العشاق اجتمع رفيقا الدرب والحياة فى 29 من شهر مايو لعام 1949، وأنجبا 3 بنات هن لبنى ونهى وجيهان وابنا واحدا هو جمال، وبعد الزواج بدأت رحلة استمرت لأكثر من 32 عاما مع رجل سيصبح رئيسا لمصر وسيغير مجرى التاريخ ليس فقط للشرق الأوسط، ولكن أيضاً للعالم، والذى بدأ يظهر فى 23 يوليو من عام 1952، حينما انضم السادات إلى عبدالناصر فى انقلاب غير دموى أجبر الملك فاروق على ترك البلاد، وجعل عبدالناصر الزعيم المصرى الجديد فى عام 1954 بعد محمد نجيب أول رئيس للجمهورية المصرية. وخلال فترة رئاسة «عبدالناصر»، كان «السادات» أحد المسئولين القلائل الذين ظلوا فى إدارة عبدالناصر نظرا لتمسكه بفلسفات عبدالناصر السياسية، وقد أدى ذلك إلى حصوله على منصب نائب الرئيس عام 1969، وعندما توفى ناصر بنوبة قلبية بعد أقل من عام، صعد أنور السادات إلى الرئاسة وانضمت إليه جيهان السادات لتصبح فى دائرة الضوء. شريكة الحرب والسلام كانت «جيهان» شريكة حقيقية فى حياة الزعيم الراحل محمد أنور السادات، فكانت بجانبه دائما من قبل أن يتولى رئاسة الجمهورية، وبعد أن تولاها وعاشت معه على مدى سنوات وعاصرت الحرب والسلام. وكان الرئيس السادات يحب أن يناديها «جيجى»، وعلى الرغم من أنه كان من المتوقع أن تبقى جيهان السادات بعيدة عن الأنظار مثل من سبقنها إلا أنها صممت على المضى فى طريق مختلف، خاصة أنها من أب مصرى يعمل أستاذا جامعيا وطبيبا وأم بريطانية تدعى «جلاديس تشارلز كوتريل» التقيا فى إنجلترا حينما كان يدرس والدها فى جامعة شيفيلد يدرس الطب، إلا أن وطنيتها تخطت الكثيرات من سيدات جيلها، وخير دليل على هذا، خلال حرب عام 1973، عندما ترأست جيهان الهلال الأحمر المصرى وجمعية بنك الدم المصرى، وكانت الرئيس الفخرى للمجلس الأعلى لتنظيم الأسرة، كما كانت رئيسة الجمعية المصرية لمرضى السرطان، وجمعية الحفاظ على الآثار المصرية، والجمعية العلمية للمرأة المصرية، وجمعية رعاية طلاب الجامعات والمعاهد العليا، بجانب زيارتها لمصابى حرب أكتوبر لرفع روحهم المعنوية بعد الحرب وتلبية احتياجاتهم. شاركت «جيهان» زوجها الرئيس أنور السادات كل الأحداث المهمة التى شهدتها مصر بدءا من ثورة 23 يوليو حتى اغتياله، ولم تكتف بهذا القدر على المستوى السياسى والإنسانى، بل خرجت للشعب حتى أصبحت مُحاضِرة جامعية فى جامعة القاهرة سابقا وأستاذا زائرا فى الجامعة الأمريكيةبالقاهرة، ومحاضرة فى جامعة ولاية كارولينا الجنوبية، وكان لها مبادرات اجتماعية ومشروعات إنمائية، فقد أسست جمعية الوفاء والأمل وكانت من مشجعات تعليم المرأة وحصولها على حقوقها فى المجتمع المصرى فى ذلك الوقت. قبّلت جبين أول جندى يرفع العلم على الضفة كانت السيدة جيهان السادات قد ذكرت فى أحد لقاءاتها التليفزيونية أنها قابلت جنود أكتوبر المصابين بعد الحرب للعمل على رفع روحهم المعنوية، وتلبية احتياجاتهم، ولعل أبرز القصص التى سلطت عليها الضوء هى لقاؤها مع أول جندى رفع العلم المصرى على الضفة الشرقية لقناة السويس يوم العبور قائلة: «أنا قابلت أول جندى رفع العلم المصرى على الضفة الشرقية، وهو كان مصاب، وأخبرها بأنه أول من رفع العلم بعد العبور، فما كان منى إلا أننى قبلت جبينه وانتقدنى الواقفون بجوارى فقلت لهم إنه ابنى وبطل من أبطال الحرب المجيدة». الاطمئنان المتواصل على الأبطال ومن ضمن الأسرار التى أفصحت عنها جيهان السادات أنها فى إحدى زياراتها للمستشفى للاطمئنان على أوضاع الجنود المصابين وجدت جنديا كانت قدمه مبتورة، وطلب منها طلبا غريبا، أن يعود إلى الجبهة ويستكمل الحرب من زملائه، وكان فى قمة الحماس والشجاعة والبطولة. الجنود أولادى وتابعت قائلة إن الجنود كانوا يسألونها عن الرئيس «السادات» وكانت تجيب بأنه أرسلها للاطمئنان عليهم لأنهم أولاده، وتلبية احتياجاتهم، وكانت تلك الأوقات مليئة بمشاعر النصر التى لا يمكن أن يتخيلها أحد فكان الجنود أولادى ونحن أصحاب حق. جندى يطلب ساعة يدها وروى أحد الجنود المصابين أنه أثناء زيارة السيدة جيهان السادات له فى المستشفى طلب منها زميله الساعة التى كانت ترتديها وكانت هدية، فأعطتها له، ثم أحضرت له ساعة مثلها هدية بسيطة له لشجاعته، لتستعيد ساعتها. قانون «جيهان» كان لجيهان السادات دور قوى فى الجانب التشريعى، خاصة فى دعم حقوق المرأة المصرية، فقد قامت بتعديل بعض القوانين على رأسها قانون الأحوال الشخصية الذى لا يزال يعرف فى مصر حتى الآن ب«قانون جيهان». أم الأبطال تلقى بظلالها على المرأة المصرية وللتأكيد على تعليم المرأة، التحقت جيهان بجامعة القاهرة لدراسة الأدب العربى فى سن 41 وتخرجت عام 1978، وحصلت على درجة الماجستير عام 1980. وفى عام 1979 أدى تأثيرها على زوجها إلى إصدار مجموعة من القوانين، كما تم تخصيص 30 مقعدا فى البرلمان المصرى للنساء، وتم منح النساء حق الطلاق وتعدد الزوجات والاحتفاظ بحضانة أطفالهن. الأيدى الغادرة تهدر دماء زوجها أسفرت اتفاقية السلام الموقعة رسميا فى عام 1979 بين إسرائيل ومصر عن فوز أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلى حينئذ مناحيم بيجن بجائزة نوبل للسلام عام 1978، وفى 6 أكتوبر من عام 1981، أقيم عرض عسكرى فى القاهرة لإحياء ذكرى حرب أكتوبر 1973، وكان السادات يرتدى زيا رسميا كاملا ويحيط به حراس شخصيون وكبار الشخصيات المصرية عندما تم اغتياله، ولم تصب جيهان السادات بأذى فقد كانت بأمان خلف الزجاج المضاد للرصاص الذى رفض زوجها استخدامه. جوائز و20 دكتوراه فخرية بعد اغتيال أنور السادات، دخلت جيهان فى عزلة لمدة عام، وعندما خرجت من فترة الحداد استأنفت إلقاء المحاضرات وإعداد الدكتوراه فى جامعة القاهرة. وفى عام 1984، طلب منها رئيس جامعة ساوث كارولينا الأمريكية، التى منحتها درجة الدكتوراه الفخرية فى عام 1979 أن تقوم بالتدريس فيها فقبلت الدعوة، كما قامت أيضاً بإلقاء المحاضرات فى الجامعة الأمريكية فى واشنطن العاصمة. تركت جيهان السادات جامعة ساوث كارولينا عام 1986، وأصبحت أستاذة زائرة فى جامعة رادفورد فى فرجينيا، كما حصلت على درجة الدكتوراه فى النقد الأدبى من جامعة القاهرة فى ذلك العام أيضاً، وأصبحت جيهان السادات أستاذة الدراسات الدولية فى جامعة ميريلاند عام 1993، ومنحت كرسيا هناك للسلام والتنمية باسم زوجها الراحل. كما حصلت جيهان السادات على العديد من الجوائز الوطنية والدولية للخدمة العامة والجهود الإنسانية للنساء والأطفال، ومنحت أكثر من 20 درجة دكتوراه فخرية من جامعات وطنية ودولية من مختلف أنحاء العالم، وتلقت جائزة جماعة المسيح الدولية للسلام فى عام 1993، وفى عام 2001 كانت هى الفائز بجائزة Pearl S. Buck. مؤلفات جيهان السادات ألفت جيهان السادات كتاب «سيدة من مصر» الذى يحتوى على مذكراتها وقصص تجاربها من خلال العمل السياسى كقرينة للرئيس السادات، وكتاب «أملى فى السلام» الذى نشر عام 2009م، ويمثل تحليلا ورؤى سياسية لما تشهده منطقة الشرق الأوسط وطرق التوصل إلى سلام منشود وحقيقى.