بعد اختيار هيئة كبار العلماء فضيلة الشيخ الدكتور شوقى علام الأستاذ بجامعة الأزهر فرع طنطا ليكون مفتياً للديار المصرية يكون هو المفتى رقم «19» الذى يحتل عرش دار الإفتاء فى مصر، ومنصب المفتى ظهر فى مصر عام 1895، وشغله لأول مرة علماء أجلاء كان لهم دور بارز فى الحياة المصرية أبرزهم فى البداية الإمام المجدد الشيخ محمد عبده الذى لم يكن منفصلاً عن الواقع المصرى والوطنية المصرية، فقد كان صاحب نظريات فكر حديثة سبق بها عصره بمراحل طويلة، ولعب دوراً كبيراً فى تجديد الخطاب الدينى، بالإضافة إلى رؤيته الثاقبة فى علاقة المسلمين بأصحاب الأديان الأخرى ونظرته الواقعية التى لا تحتاج إلى تأويل فى العلاقة مع الغرب. وتوافد على هذا المنصب الجليل علماء أجلاء كلهم لعبوا دوراً بارزاً فى تجديد الخطاب الدينى والحياة المصرية، إضافة إلى كتب التفاسير العريقة التى خلفوها من ورائهم ولا تزال نبراساً يهتدى به كل لبيب، ومنهم من تعرض لضغوط شديدة فى مواجهة السلطة ولم تشغلهم زهوة هذه السلطة ووقف الكثير منهم فى مواجهة الحكام الظالمين وقبل ذلك دورهم فى مقاومة المستعمر البريطانى الذى فشل فشلاً ذريعاً فى استئناس هؤلاء المفتين، بل إن أغلبهم لم يتوان لحظة فى الدفاع عن تراب مصر، وانشغلوا بهموم الناس لدرجة أن دار الافتاء المصرية مع مؤسسة الأزهر الوطنية لم تتأخرا لحظة فى قيادة الأمة المصرية نحو الخلاص من أية بلوى أو أزمة تمر بها البلاد. ويأتى الدكتور شوقى علام خليفة للعالم الجليل الدكتور على جمعة الذى كانت له رؤيته الخاصة فى الكثير من المواقف، بالإضافة إلى جهاده الطويل والمرير ضد دعاة الفتنة على الفضائيات، خاصة أنه عالم جليل ومن المشايخ الأفاضل الذين أحبهم المصريون ويتمتع برصيد ضخم من الحب لدى العالم الإسلامى وأهل السنة.. ولا يفوتنى فى هذا المقام أن أذكر أننى التقيت لأول مرة فضيلته صدفة فى شهر رمضان المبارك العام الماضى على «البسفور» فى العاصمة الإسلامية «اسطنبول» عندما كان فى اجتماع للمفتين على مستوى العالم الإسلامى، ووجدت شيخاً جليلاً انجذبت إليه وجمعتنا لدقائق مصريتنا دون أن يعرفنى.. تاريخ الدكتور علام المفتى الجديد نجده عالماً جليلاً ليس ممن يشاركون فى الضجيج على الفضائيات، ولم يدخل فى أية معركة مما يدور الآن حولنا، وكل دوره ينحصر فى علمه الرفيع فى الفقه الخالص لله ولصالح الناس.. وأمامه الآن مهام كثيرة تنتظره ويأتى على رأسها على الإطلاق مهمة التصدى لدعاة الفتنة الذين صدعوا رؤوسنا بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، وكنت فى مقال سابق خلال الأيام الماضية قد طالبت الأزهر الشريف ودار الإفتاء وعلماء المسلمين المعتدلين بالتصدى بكل حزم لدعاة الفتنة على الفضائيات، وجاء اليوم الذى يواجه فيه المفتى الجديد هذه المهازل التى تحدث، فكم من فتاوى ممن يزعمون أنهم علماء خربت أسراً وتفككت ممن يفتون عن جهالة ودون علم.. فهناك من تم اكتشافه «عجلاتى» مثلاً وكان يفتى ويخوض فى أعراض الناس، وآخرون يحرضون على العنف وجاءت آخر فتوى بتحليل قتل المعارضة وأمام جهات التحقيق يتهم الإعلام بتحريف أقواله، رغم أن حديثه كان واضحاً ولا يحتمل أى لبس.. إن دور المفتى الجديد بات مهماً والمهام التى سيواجهها ثقيلة، وهو لها لما يتميز به من علم فقهى معتدل يمثل وسطية الإسلام التى لا تعرف انحرافاً فى الفكر ولا تطرفاً فى القول، ولا عوجاً فى الفتوى والتفسير.. فاللهم أعن عالمنا الجليل على هذه المهمة الثقيلة ووفقه لأن يئد الفتنة التى ظهرت فى البلاد وبانت آثارها على البشر.