سؤال يطرح نفسه، مع كل حدث تشهده بلاد من بلداننا، نكرره ونتلفت باحثين له عن إجابة. هل يريدون أن يكونوا من أصحاب الملايين؟ هل يريدون أن يسكنوا في القصور؟ هل يريدون أن يملكوا اليخوت والطائرات الخاصة؟ هل يريدون أن يكونوا حكّاماً؟ ماذا يريد الناس؟ والناس هنا هم أبناء الوطن، أي وطن كان، هم الذين يشكّلون تفاصيله، ويفترض بهم أن يعملوا لحماية تضاريسه، ولكنهم في كثير من الأوطان لا يشعرون بمواطنتهم، تتجاذبهم الأهواء، وتتقاذفهم المصالح، ويستخدمون وقوداً في حروب الطوائف والمذاهب والنعرات، فتسلب حقوقهم، وتتراكم واجباتهم، وتسوّد الدنيا في عيونهم، لا يعرفون كيف سيكون مستقبلهم أو مستقبل أبنائهم، تعذبهم لقمة العيش، ولا يأمنون مصادر أرزاقهم، ولا يضمنون سلامتهم. ما يريده الناس سهل، وسهل جداً أن يتوافر لهم، فقط هم بحاجة إلي نية صادقة، وإلي نظرة واسعة، لقد تعبوا من أصحاب العيون الضيقة، أولئك الذين لا يرون أبعد من تحت أقدامهم، وهم - أي الناس - الذين يسمون مواطنين، لا يطلبون سوي الحياة الكريمة، فقط، حياة تحترم فيها إنسانيتهم، وتقدر جهودهم، وتصان حقوقهم، حياة فيها أمن وأمان، أمن في كسب الرزق، وأمن في الحركة ليلاً ونهاراً، وأمان في المأوي والطريق، والحصول علي العلم، إنهم لا يبحثون عن رفاهية الأغنياء، ولا يزاحمونهم، فالناس يمكن أن يقنعوا بأي حاكم يرعي أحوالهم، ويمنع الحط من كرامتهم. الناس هم ذخيرة الأوطان، بهم تبني، وبهم ترتقي، وبهم تستقر، وبهم تصمد، وبهم تكتسب عزتها، ومن لا يعز شعبه يهين وطنه، ويسلبه أغلي مكوناته. شغلني ذلك السؤال كثيراً في الفترة الأخيرة، خاصة عندما أتابع ما يحدث في بلاد الربيع العربي، ذلك الربيع الذي تلاعبت به الأجواء غير الطبيعية فلم تتفتح أزهاره، وفسدت ثماره، ولأنني من جيل حلم كثيراً بالوحدة العربية القائمة علي التكامل والمصير المشترك، أقول لكم، يعز علي أن أري أوطاناً تسير في دروب التفتت والتمزق، تارة باسم المذهب الديني، وتارة باسم الجماعة أو الفئة التي لا تزل ولا تخطئ، وتارة ثالثة باسم الأصل والعرق واللون، ونعيش حالة من عدم الاتزان، سواء في التعامل مع الأحداث، أو من خلال المعالجة، وكأن الحكمة زالت من خلايا عقول الذين يمسكون بزمام الأمور، ولأنني دوماً أنظر إلي نقطة الضوء وأتبعها لإيماني بأن هذه الأمة لديها الكثير، وتملك من الإمكانيات ما يجعلها قادرة علي تجاوز المحن، رأيت يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، الأمل يشع في حدث شهدته دبي لأول مرة علي المستوي العربي، هذا الحدث اسمه «القمة الحكومية الأولي»، وقد دعا إليها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وكان هو المتحدث الأول فيها، وهو الحاكم سليل الحكام، وقف أمام الحاضرين يتحدث عن دور الحكومة في تحقيق طموحات وغايات الناس، والناس هنا هم المواطنون، هو جاء إليهم، ومعه نائباه في مجلس الوزراء، سيف ومنصور ابنا زايد موحّد الأرض ومؤسس الدولة، وكل واحد منهم استعرض في نقاش مباشر مع الحضور ما قدم وسيقدم في المستقبل، رغم أن هذه الحكومة قد وفرت كل أسباب العيش الكريم لأبناء الوطن، وأسست لدولة لا يخترق فيها قانون، ولا يسلب حق، ولا يخرج ناسها من بيوتهم وشىء من عدم الاطمئنان يراودهم، فهم آمنون في تنقلاتهم، ووظائفهم، وعلي الطرقات الممتدة عبر بلادهم، وكم تمنيت لو أن اولئك الذين يتحدثون عن النهضة الجديدة لبلدانهم بعد الربيع الذي لم يأت، أقول لكم، تمنيت لو أنهم يتعلمون من درس بناء الدولة الذي قدمه محمد بن راشد الأسبوع الماضي، وختمه بقوله «نحن سلطة لخدمة الناس، لسنا سلطة عليهم». الناس يريدون حاكماً ينزل إليهم، فهم لا يستطيعون الصعود إليه، ولا يملكون الوسيلة، وفي الغالب هم لا يعرفون أين يجلس، إنهم المواطنون الذين يتحدث الجميع باسمهم، ولكن قلة منهم، من الحكام، قادرون علي ملامسة همومهم، وخدمتهم. كاتب وصحفي إماراتي