من اللحظة التي أعلن فيها حسني مبارك تنحيه عن الحكم، هبت عاصفة من الفرحة أركان مصر جميعها، وكانت لحظة قدسية انتظرها الشعب المصري الصابر المصطبر سنين عددا، وكان الحلم قد جاء ليلتقي مع إرادة الشعب الذي أراد الحياة، واليوم «استجاب القدر».. هب الشعب عن بكرة أبيه صوب ميدان التحرير بالقاهرة على ضفاف النيل، وكنت ترى الأفواج آتية من كل مكان عابرة كوبري قصر النيل، أو آتية من طريق مستشفى قصر العيني مروراً بجاردن سيتي، وكان الميدان بؤرة اللقاء الجماهيري اللا مسبوق، ثم انتقل الخبر ورأيناه رؤيا العين في كل ميادين مصر العظمى، وفرحة وابتهاج وغناء بالنصر المبين، وكان جماع هذه اللقاءات توكيداً على انتصار إرادة الشعب، ومن هنا ومن هذه «اللحظة القادرة من نجم الزمان» كان مولد الثورة العظمى.. 25 يناير مولد الثورة، الثورة البيضاء والتي تخلف عنها.. فرحة شاملة جامعة لكل المصريين شبابا ورجالاً ونساء حتى الأطفال تسربت فرحة الآباء الى قلوبهم، وباختصار احتفلت مصر قاطبة بمولد الثورة، وكان عيداً من أروع أعياد مصر عبر التاريخ، ان استطاع الشعب أن يكتب بإرادته طريقه صوب الحياة الحرة الكريمة، وقلنا فيما قلناه «إن عادت الديمقراطية إلى البلاد من غربتها التي دامت سنين وسنين، كان القهر وحكم الفرد وظلم الحاكم وكل أنصاره والتخطيط اللئيم لمحاولة نقل النظام الجمهوري الى «النظام الملكي» وكانت شواهده ومقوماته تنبئ بذلك، خاب ظنهم وعاد الشعب يكتب قدره بدماء شهدائه وحكمة شيوخه ووثبة شبابه.. وا فرحتاه على أيام الأعياد تلك التي عاشها بكل وجدانه الشعب المصري. ولكن ومليون وتسعين مليون ولكن تلك التي قال عنها علماء اللغة «ولكن المتمردة» رأينا سياسة «الهرم المقلوب» والاجراءات والسياسة التي جاءت تخطيطاً للأمة في عصرها الجديد، لم نتفق أبداً مع آيات النصر وفرحة الجماهير الجماعية، ودون الخوض في تحليل أبعاد تلك المتغيرات، إلا أنها قدمت برهانا على «صورة مقلوبة» لما كان يتطلع إليه الشعب، انقلبت دموع الفرح الى دموع حزن، وبدأ الصراع ما بين أحباب الأمس يأخذ منعطفاً مختلفاً تماما عن كل الشواهد وكل صور البهجة العارمة التي عمت القلوب، نرى ذلك واضحاً فيما جاءت الينا به وسائل الاعلان والاعلام، كيف نتصور ونحن مازلنا نعيش عظمة الحدث بالثورة العملاقة البيضاء أن نصل اليوم ونقرأ في صحافتنا - يا للهول-: (إحباط اقتحام «الاتحادية» وتبادل إطلاق الأعيرة النارية والأخطر في عموم المدن: في القاهرة وفي الاسكندرية وفي مدن القناة بورسعيد «الحزينة بعدما كانت المنتصرة» والسويس والاسماعيلية، وفي الجنوب وفي الشمال وفي الشرقية والغربية والمنوفية.. انقلبت أفراح الأمس، وحيث كانت السرادق تقام للأفراح أصبحت تقام للأموات.. النقيض.. والنقيض.. وتشاء الأقدار أن تهب الأمة قاطبة في حيرة كبرى تتساءل ماذا جرى في الكون وكيف تبدلت الأمور بعكس كل التطلعات والتقديرات أننا سوف نتمسك بأهداب الثورة فكراً وعقيدة ونعض عليها بالنواجذ ونحميها من كل سوء وكانت دماء شهدائنا خير فداء وخير دليل على أن «الثورة لا تموت» وأن أسبابها هى.. هى.. واضحة كالشمس وضحاها.. ومن هنا نداء الى كل حق له قلب وضمير لحماية الثورة والوقوف ضد هذا العبث المدمر.. حتما ان تلتقى الأمة على قلب رجل واحد متضامنين ومتعاونين لإنقاذ ثورتنا البيضاء من كل سوء.. ولا أجد من أمل إلا في نداء السماء الى كل ساكني مصر أن يفتدوا بالروح وبالدم الدفاع عن الثورة حتى تأخذ مسارها الطبيعي، وهذا أمر لو تعلمون عظيم، نترك الأهواء الشخصية ونحقق قول المولى سبحانه وتعالى «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذا كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا». والى لقاء مع عيد الثورة القادم في حب وبهجة وسرور وفرحة الثورة الثورة والثوار.