يا حكماء الأمة: لا تطفئوا شعلة الثورة المقدسة.. إذن وما وراء الأكمة ما وراءها؟ إذا وصلت الأمور الحياتية موضع الحيرة، وتري الناس يتحدثون عن الوعي واللاوعي، وعن ظاهر الأمور وخفاياها وخباياها، قالوا بلغة «البحث عن المجهول»: إن المعني في بطن الشاعر! معني ذلك أن الشاعر باعتباره المترجم لضمير الناس، الذي في شعره يخاطب المرئي واللامرئي.. أليس أمير الشعراء أحمد شوقي هو القائل: «أنتم الناس أيها الشعراء». وبلغة الشاعر نتساءل في غموض الرؤي، وما بين ما نراه وما لا نراه، ما بين أحداث جاريات - من الصعوبة بمكان معرفة حقيقتها والكشف عن مغالق أمورها - وتري الناس حياري؟.. وما هم بحياري ولكن ما يدور في الساحة السياسية والاجتماعية والاقتصادية أمر يحتاج إلي مفتاح يفتح «الأبواب المغلقة». ماذا وراء هذه الأحداث التي عصفت بالبلاد، وكانت غير منظورة، منذ ذلك اليوم العظيم في تاريخنا المعاصر «25 يناير 2011» حيث أعلنت الثورة العملاقة أن جديداً جد في مياه المجتمع الراكدة وحركها نحو «حركة شعبية عملاقة» وكان كل من علي أرض الوطن في فرحة وبهجة وسرور، وبارك هذه الثورة بعقله وفكره وقلبه واستبشر بها خيراً، بعد عهد طال فيه الظلام وضاعت فيه القيم، وزورت فيه إرادة الأمة مثني وثلاث ورباع، حتي «عم اليأس النفوس»، وانتشرت السلبية بين جنبات شباب الأمة نحو مصير مجهول حين كان كل شيء يعد ويمهد «لتوريث العرش» من الأب الذي غاب بسلبياته المطلقة عن فعالية الحكم، وأراد أن يضرب الدستور والنظام الجمهوري في مقتل، إلا أن إرادة الشعب الواعي دائماً أعلنها صرخة قوية في وجه الطغيان فكانت الثورة الآتية من وراء الغيب لتعلن عن وجودها، وكان مكانها التاريخي «ميدان التحرير» حيث هبت الأمة قاطبة علي «قلب رجل واحد» وانطوت صفحة، وكتبت لمصر صفحة جديدة، ونحن الآن نعيش في ظلها الظليل، إلا أن الحكمة القائلة: «ما كل ما يتمني المرء يدركه.. تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن».. عجبي. وسيظل التساؤل المرير قائماً، ماذا في جعبة الأيام والليالي، وماذا يحمله لنا الغد والآن ذهبت الآراء جامحة وشتي، ومشت الثورة ليس كما تمنيناها «بيضاء من غير سوء»، فقد جاءت السياسة المكلومة بما نحن فيه الآن من خلافات ومليونيات وصراعات عقائدية وأخري من «عمل الشيطان». وجاء كل ذلك خلاف ما نادي أصحاب الرأي السديد بعد مولد الثورة أن يكون التخطيط الحكيم كالآتي: 1 - كان منطقياً أن يحاكم المسئولون السابقون الذين ارتكبوا ليست جريمة بل عدة جرائم في حق الوطن والمواطنين.. والأدلة الدامغة موجودة ولكن، وآه من «ولكن المتمردة هذه» حدث ما لم يكن في الحسبان.. ضاعت الأدلة بفعل فاعل. 2 - كان أولي ثم أولي أن نبدأ مسيرة الإصلاح بالتفكير في «إصدار الدستور» وهذا أمر هين وعندنا أئمة الفقه في القانون الدستوري، ولو كان تم بهذه الصورة ما استطاع أحد أن يجادل في أمره. 3 - ثم بعد الدستور واستفتاء الأمة عليه أن يعلن إجراءات انتخاب رئيس البلاد، في ضوء ما وضع في الدستور «الذي وضع علي عين الأمة» وفي ظله فليتنافس المتنافسون. 4 - ثم يعرض الإعلان عن انتخابات مجلس الشعب في ضوء مبادئ وأحكام دستور الثورة الذي أجمعت عليه الأمة. ولكن كل شيء جاء «بالمقلوب».. تم انتخاب مجلس الشعب أولاً «بلا دستور ولا رئيس» وكان مصيره أن تم القضاء عليه في مهده. ثم جاء انتخاب الرئيس «في ظل لا دستور» وجاء من نراه - الآن - بعد الجمعية التأسيسية لوضع الدستور.. وهنا كانت الخطيئة الكبري التي فتحت الطريق أمام الصراع اللامسبوق الذي نراه - الآن - الذي تمخض عن مليونيات هنا وهناك، وعن جريح بل وقتيل هنا وهناك. كل ذلك ودموع الثورة علي ضفاف النيل تبكي ما يدور بين الأحباب ورفقاء السلاح - كما يقولون - وكانوا بالأمس أحباباً. يا كل من له قول أو فعل أو إرادة في محيط هذه الأحداث: تعالوا جميعاً - باسم مصر الثورة وباسم دماء شهدائها - إلي كلمة سواء. بروحي مصر أفديكي علي مر السنين وإن دهاك فأنت النور به اهتدينا ونحن الأُسد إن خطب عراكي ودائماً وأبداً: إلي لقاء تحت ظل عدالة قدسية الأحكام والميزان.