وذلك ترجمة لتساؤل الناس: إحنا رايحين فين؟ أو بلغة مشاعر ابن البلد: «عطشان يا صبايا دللوني على السبيل»؟ إنها نفس الحيرة الكبرى على ألسنة العباد وفي كل ركن وميدان وحارة في شتى البلاد. قامت الثورة الكبرى أو العملاقة أو البيضاء في بلدنا وبعد طول انتظار مع القدر لحتمية التغيير بعدما رسخت البلاد تحت حكم ظالم سنين عددا تعدت الثلاثين بل الأربعين بل الخمسين بل الستين كلها ترنو صوب أماني الشعب في حتمية التغيير والعودة بالأمة المصرية كسابق عهد في عصور الحضارة الضاربة في أعماق التاريخ حيث كانت العصور الذهبية لمصر، مصر الرخاء بلا حدود ولقد أطلق عليها قديماً: حقل القمح الخصيب أو كما يطلق عليه آباء الريف الأخضر «البقرة الحلوب».. الخير في مصر علامة حضارية ظاهرة البيان، وحاول المستعمر على مجريات التاريخ بدءا من الاستعمار البطلمي، وألحقه الاستعمار الروماني، وكانت مصر تقف بحضارة ضد كل غزو أجنبي، وتخرج من كبوتها بنفس القيم والشموخ والكبرياء، مصر التي كانت تنشر في كل ربوع البلاد، المعابد حيث العبادات والتي جاءت مع الفتح الاسلامي على يد عمرو بن العاص في عهد الخليفة العادل عمر بن الخطاب والذي أذهب بعدله كل القياصرة والأباطرة، وقال قائل منهم عبارته الأثيرة على مر الزمن: «حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر». وهذه الجملة الآسرة لكل قلوب وعقول الحكام على مجرى التاريخ «بأن العدل أساس الملك» كانت مصر الاسلامية وستظل محمية حماية إلهية ومباركة نبوية «وفي مصر خير جنود الأرض قاطبة». وعلى هذا الدرب جاء حكام مصر كل هدفهم إسعاد البلاد والعمل الدائب والمستمر حتى تظل مصر في شموخها وكبريائها سيدة العالمين أجمعين أو بلغة العامة بحق: «مصر أم الدنيا» الله والمساجد ونبي الاسلام، المسيح عيسى بن مريم والكنائس، موسى عليه السلام والمعابد «والذي تربى على أرض مصر» ومنها كانت معطرة بعطر الأنبياء جميعاً هذا عن مصر وأيضاً عن البتول مريم سيدة العالم أجمعين.. وفي المقام الأعلى نبي البشرية محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم تزوج مصرية هي «مارية القبطية» أليس في ذلك بيان لكل من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، عن الوحدة الوطنية المنشودة، المسلم والقبطي واليهودي في عقد واحد، وقلب واحد ومصير واحد. وحين ينادي المؤذن لصلاة الفجر في المساجد تدق الأجراس في شتى دور الكنائس: وصدق شاعر ثورة 1919 العملاقة عن أعظم تعبير عن الوحدة الوطنية: متضامنون على الجهاد فما ترى إلا مسيحياً يؤازر مسلماً هش المقدس للمؤذن داعياً وحنى الهلال على الصليب وسلما وتوالى الحكام على مصر جاء محمد علي باشا عام 1805 وكان له فضل عظيم في إرسال البعوث العلمية للخارج، وجاء اسماعيل وكان له فضل فتح قناة السويس وسعيد حيث العصر الذهبي للفلاح المصري وكان همهم في حكم مصر جعلها «قطعة عظمي مثل أوروبا» علماً وازدهاراً وترجمة لحقيقة مصر العظمى سيدة الحضارة الإنسانية قاطبة. وجاء الملك فؤاد وتبعه على العرش طبقاً لإرث الملوك: مات الملك يحيا الملك وكان ابنه فاروق والذي قامت في ظله ثورة 1952، من شباب مصر فكان محمد نجيب وجمال عبد الناصر وحكم مصر أنور السادات ثم تبعه لأسباب مازالت مجهولة قعيد «ليمان طرة» المخلوع من فوق عرشه، حيث حطم القيم الانسانية كلها، وزور أكثر من مرة ارادة الأمة في انتخابات صورية ووهمية وكان يعد العدة ليعود الى العصر الملكي فكان يعد بذلك «ابنه» ولكن قامت الثورة العظمى ثورة الشباب وثورة انتصار إرادة الشعب المصري فكانت إرادته حين أراد الحياة فاستجاب له القدر. والآن وفي هذه الأيام بدأت تعود الحيرة الكبرى، تأخر تحرير الدستور، ثم انتخاب رئيس جديد للبلاد قبل صياغة الدستور، ثم انتخاب مجلس الشعب ولأسباب مجهولة تم - بكل أسف - وضد صحيح القانون ومنطقه - أن تم حله بلا مبرر والذي تم اختياره بإرادة حرة من الأمة والتي هي مصدر السلطات واغتالوا مجلساً للشعب، أطلق عليه مجلس شعب الثورة، اختلاف في اللجنة التأسيسية بلا مبرر، العودة للتفكير في صناعة مجلس يمثل شعب مصر ويليق بمبادئ الثورة حقاً وصدقاً وقولاً وفعلاً. كل هذا الغموض الذي ران على مؤسسات الدولة، وعدم القطع واليقين في اتخاذ قرارات ثورية، لأنه كما يقول علماء السياسة بلسان صدق مبين: أنه لكل ثورة قانون يحكمها فيه صالح البلاد والعباد وإشعار الجماهير بالخير العميم القادم مع مولد الثورة، إلا أن هذا هو الآخر صار - بكل أسف - صعب المنال، ومن هنا كانت الحيرة وكان القلق وكان التساؤل في مرارة وكما عبرنا أكثر من مرة نقلاً من شفاه الشعب في القرى والميادين «هوه احنا رايحين فين»؟ أو الظمأ نحو معرفة ما هو في «جعبة الغد» وما أحلاها أغرودة مصرية: «عطشان يا صبايا دللوني على السبيل».