من النظريات الشائعة فى علم الجغرافيا السياسية "الجيوبوليتيك" الربط بين الطغيان السياسى والبيئة النهرية حيث تقول هذه النظرية إن مجتمع النهر يحتاج إلي سلطة مركزية قوية تتعامل مع نزوات النهر وفيضاناته أو شحه وتتحكم في مياهه لتوزعها بالعدل علي الفلاحين وهم الغالبية العظمي في الشعب المصري وتفرض بالتالي رقابتها وتضع القيود التي تراها لازمة لمصلحة الجميع وهو ما يصل فى نهايته إلى القهر خاصة وأن تلك الغالبية لا تملك الأرض وكما يقول الدكتور جمال حمدان " أن مصر هى النموذج المثالى لتطبيق هذه النظرية دائما". فالمصريون راسغون في أغلال الخنوع والخضوع للرئيس الاله الذى قال أنا ربكم الأعلي وهذه الأنهار تجري من تحتي?..? فهو المتحكم في النهر والأرض ?..? والبشر الباحثون عن لقمة العيش وشربة الماء?..?وعندما ينتهي زمن الفراعين يتم استنساخ فراعين جدد علي مر الأزمنة فلعنة الحاكم الاله قديما تطورت لتصبح ?? المقوقس في عصر الرومان?...? والوالي في عصر الخلافة و"البك الكبير" فى عصر المماليك ثم الخديو والملك ثم "الرئيس الأب" وهكذا تبقي تطورت علاقة القهر والنهر عبر الازمنة وهذه العلاقة عبارة بين النيل والقهر هى التى أوحت لشاعر العامية العظيم بيرم التونسى أن يقول عطشان يا صبايا?..? عطشان يامصريين?..? عطشان والنيل في بلادكم?...? متعكر مليان طين والعكرة والطين فى أبيات بيرم ليست سوى القهر الخضوع "فالعقل المصرى الذى تربى طوال حضارته التى تمتد الى سبعة آلاف على " الفرعون الإله" ثم " الرئيس الاب"...مركز الدولة" آن له أن يتخلص من هذه الفكرة خاصة بعد ثورة 25 يناير التى تعد فى الاساس ثورة على نظام "الحكم الابوى" فمن المفروض أنها لم تكن ثورة ضد "مبارك الشخص "وإنما ثورة ضد المنظومة الفكرية السياسية السائدة فى مصر عبر عصورها المختلفة والمتمثلة في "أبوية النظام" الذى إذا غاب لن يجد الناس "الماء والكهرباء والوقود" ولن يجدوا ساعتها غير الفوضى. فبعد الثورة كان من المفروض أن ننظر الى الرئيس باعتباره منصبا تنفيذيا لا أكثر ولا أقل ليس فوق النقد وليس فوق القانون وليس فوق الشعب فالحديث عن الرئيس القادم لمصر على أساس أنه "المهدى المنتظر" الذى سيخرج بمصر من طريق الظلمات إلى النور لم يعد مقبولا بعد الآن، فليس من المعقول أن تسقط الثورة " الرئيس الصنم" ولا نسقطه نحن من أذهاننا. فمن الآن وصاعدا لا بد أن تكون مصر دولة مؤسسات لا تعتمد فى حكمها على فرد أو مجموعة من الأفراد وإنما تعتمد على دستور وقانون وسياسات واضحة وبرامج معلنة تقوم بها مؤسسات الدولة بشكل منتظم ومستمر بغض النظر عن تغير الأفراد...وإلا وستذهب الثورة سدى ونظل كما قال أمل دنقل: لا تحلموا بعالم سعيد فخلف كلّ قيصر يموت : قيصر جديد ! وخلف كلّ ثائر يموت : أحزان بلا جدوى .. و دمعة سدى !