طالبات "تمريض الأزهر" يصممن نموذج "طمأنينة" للكشف المبكر عن سرطان الثدي    البدوى وسرى يقدمان أوراق ترشحهما على رئاسة الوفد السبت    جامعة الأزهر تعلن جاهزيتها للامتحانات، وتعليمات عاجلة ل عمداء الكليات    هيئة الدواء: مصر تحقق توطين 91% من صناعة الدواء لأول مرة    «الاتصالات» تعزز استخدام تقنيات التشخيص عن بُعد لخدمة القرى والمناطق الحدودية    توزيع الأثاث المنزلي والأجهزة الكهربائية مجانًا على 260 أسرة بالشرقية    جهود وزارة التموين في ضبط الأسواق وصون حقوق المستهلك خلال 2025    سلطات الاحتلال تمنع 37 منظمة إغاثة دولية من العمل في الأراضي الفلسطينية    منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة بالسودان: الأوضاع الإنسانية الراهنة في البلاد صادمة للغاية    5 نجوم بالكونغو الديمقراطية يرعبون "محاربي الصحراء" قبل مواجهة أمم إفريقيا    محافظ قنا يوجه بتعديل موعد امتحان الصف الثاني الثانوي    تعزيزات أمنية وانتشار مكثف بمحيط الكنائس بالقليوبية احتفالًا برأس السنة    شكرًا سيادة الوزير محمد جبران    الصحة: فحص مليون و719 ألف طالب بأولى إعدادي للكشف عن فيروس سي    وزارة الصحة: صرف الألبان العلاجية للمصابين بأمراض التمثيل الغذائى بالمجان    «حافظ على نفسك»    هل يوم الخميس عطلة رسمية بمناسبة السنة الميلادية؟    اقتحام البلدات وهدم المنازل.. سياسة تنتهجها إسرائيل في الضفة الغربية    إسرائيل تصطاد في "الماء العكر".. هجوم رقمي يستهدف السعودية بعد أزمة الإمارات بين لجان "الانتقالي" و"تل أبيب"    كييف تعلن إسقاط 101 طائرة مسيرة روسية خلال الليل    الاحتلال يقتحم قرية المغير وبلدة الرام ويطلق قنابل الغاز والرصاص المطاطى    الري: متابعة معدلات العمل في كل مشروعات الحماية من أخطار السيول    الفراعنة يدخلون من «الباب الكبير».. منتخب مصر يبدأ الاستعداد للأدوار الإقصائية    أمم إفريقيا - مدرب بنين يرفع راية التحدي أمام مصر    عضو اتحاد الكرة: هاني أبوريدة أخرج أفضل نسخة من حسام حسن في أمم إفريقيا بالمغرب    تفاصيل فشل انتقال حامد حمدان لصفوف النادي الأهلى    بتروجت يواجه البنك الأهلي في صدام قوي بكأس عاصمة مصر    «عزومة» صلاح تبهج بعثة منتخب مصر في المغرب    لحمايةً مستقبل الطلاب.. الوزراء: خطوات صارمة للحد من الغش بالامتحانات    تراجع سعر الدولار مقابل الجنيه بمنتصف تعاملات اليوم الأربعاء    الأرصاد: طقس شديد البرودة صباحًا ومائل للدفء نهارًا    ضبط 98 ألفًا و700 مخالفة مرورية خلال حملات مكثفة فى 24 ساعة    رابط التقديم للطلاب في المدارس المصرية اليابانية للعام الدراسي 2026/2027.. يبدأ غدا    قتل بلا شفقة.. النيابة تروى لحظات النهاية المروعة لأطفال فيصل    ممثل النيابة في محاكمة قاتل أسرة اللبيني: المتهم ارتكب الجريمة بكامل قواه العقلية    إصابة 8 عاملات في حادث انقلاب ميكروباص بالطريق الصحراوي القاهرة–الإسكندرية بالبحيرة    الارتقاء بأوضاع ملايين المواطنين    نور النبوى ضيف برنامج فضفضت أوى مع معتز التونى على Watch it اليوم    برلمانى: قرار المتحدة للإعلام خطوة شجاعة تضع حدا لفوضى التريند    الإثنين.. مؤتمر صحفي للكشف عن تفاصيل مهرجان المسرح العربي    المركز القومي للمسرح يطلق مبادرة.. 2026 عام الاحتفال بالفنانين المعاصرين    إوعى تقول: مابصدقش الأبراج؟!    كريم محمود عبد العزيز يبدأ تصوير مسلسل «المتر سمير» | رمضان 2026    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 31ديسمبر 2025 فى المنيا    تنمية زراعية متكاملة    الذهب يتراجع مع اتجاه المستثمرين لجني الأرباح عقب موجة ارتفاعات قياسية    محافظ أسيوط: عام 2025 شهد تقديم أكثر من 14 مليون خدمة طبية للمواطنين بالمحافظة    صحة بني سويف ترفع درجة الاستعداد القصوى بالمستشفيات خلال الاحتفالات رأس السنة وعيد الميلاد    108 دقة جرس كيف يحتفى العالم برأس السنة كل عام؟    "هتعمل إيه في رأس السنة"؟.. هادعي ربنا يجيب العواقب سليمة ويرضي كل انسان بمعيشته    محمد جمال وكيلاً لوزارة الصحة ومحمد زين مستشارا للمحافظ للشؤون الصحية    نتنياهو: عواقب إعادة إيران بناء قدراتها وخيمة    «مسار سلام» يجمع شباب المحافظات لنشر ثقافة السلام المجتمعي    توتر متصاعد في البحر الأسود بعد هجوم مسيّرات على ميناء توابسه    "25يناير."كابوس السيسي الذي لا ينتهي .. طروحات عن معادلة للتغيير و إعلان مبادئ "الثوري المصري" يستبق ذكرى الثورة    هل تبطل الصلاة بسبب خطأ فى تشكيل القرآن؟ الشيخ عويضة عثمان يجيب    خالد الجندى: القبر محطة من محطات ما بعد الحياة الدنيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل من أمل فى استفاقة للمستقبل؟!
نشر في المصريون يوم 30 - 04 - 2012

من طبائع السلوك الإنسانى أن الأوقات الصعبة أو العصيبة تخرج دائماً أفضل وأسوأ ما فيه.
واستطاعت الثورة وتداعياتها والأحداث والمتغيرات المصاحبة لها أن تضع ما يكفى من الضغوط علينا جميعًا حتى طفا على السطح أسوأ ما يكمن فى حياتنا.
لست أظن أن ما حدث من انكشاف لقاع البئر، كان مفاجأة بأى حال من الأحوال. فسنوات وعقود متصلة من قمع للحريات، وإعلام مباع ومبتذل، واستهلاك رخيص لقيم الدين السامية لتحقيق أهداف سياسية وزعامية، وضغط اقتصادى متواصل على الإنسان العادى، كل هذه الضغوط وغيرها أفرخت فى النهاية الحالة المأسوية للشارع السياسى والاجتماعى والأمنى على حد سواء.
"انتهازيون بلا ضمير ولا مبادئ"، صارت هذه هى اللافتة التى يرفعونها دون أى إحساس بالعار أو الخجل مع مواصلة الدفاع عن مواقف مؤسفة بمزيد من التبريرات الأكثر أسفًا.
لقد انكشفت كل الأغطية وسقطت كل الأقنعة وأثمرت بذور الكراهية، مرارةً وانتقاماً ورفضاً للآخر. وأصبحنا فى وضع يدفع إلى التشاؤم وليس فيه ما يبعث على الأمل.
كثير من المتشائمين فى مصر يرون أنه لا أمل فى الخروج من هذا الوضع، وأن ما مرت به البلاد على مدى عقود كان له أثر مدمر للإنسان وهادم لروحه، ولم يعد هناك أملٌ فى إصلاح ما فسد. وكان العام المنصرم بعد الثورة حافلاً بتطورات تدعم رؤيتهم ولا تترك لهم بارقة أمل أو ضوءاً فى نهاية النفق.
حتى المتفائلون يعانون الأمرين بحثاً عن حجج يدافعون بها عن تفاؤلهم، وأعيتهم الحيل وشارفوا على رفع رايات الاستسلام لجحافل الانتهازيين وسدنة الاستبداد وإن اختلفت صوره وأشكاله.
صار المتفائلون يرددون أبيات الشاعر المصرى الكبير أمل دنقل فى قصيدته الخالدة "كلمات سبارتاكوس الأخيرة":
"لا تحلموا بعالم سعيد فخلف كلّ قيصر يموت: قيصر جديد! وخلف كلّ ثائر يموت: أحزان بلا جدوى .. ودمعة سدى!"
كان دنقل ابن الجنوب شاعراً ثائراً، اشتهر فى سبعينيات القرن الماضى بأشعاره التى ألهمت الشباب الثائر على الأوضاع القائمة فى مصر فى ذلك الوقت، وعندما كان تيار اليسار فى الجامعة وبين المثقفين يخوض معركة ضارية فى مواجهة نظام السادات وشباب الجماعات الإسلامية الناهض فى الجامعات المصرية، والذى كان عداؤهم لليساريين والمتحررين فى الجامعة أشد من عدائهم للنظام وسطوته.
ووجد النظام حينذاك ضالته المنشودة بعد أن أعيته الحيل فى مواجهة معارضيه من الثائرين، لاسيما أنه كان من الصعب تحدى مطالبهم التى كانت تتلخص فى الحرب لتحرير أرض فى سيناء وفى تحقيق العدل فى مجتمع بدأ يتمايز طبقياً بعد هزيمة عام 1967 مباشرة، وما صاحب هذا التمايز من انقلاب للقيم والمعايير وانفلات للغرائز سعياً وراء المال وأحلام الثراء فى ظل أزمة اجتماعية تتفاقم يومًا بعد يوم.
ليس فى الأمر مؤامرة.. ولا نتفق مع ما يذهب إليه البعض من أن الرئيس الراحل أنور السادات صنع تيار الجماعات الإسلامية فى الجامعات المصرية لمحاربة التيارات اليسارية والتحررية.. كل ما فى الأمر أن إرادة النظام والجماعات الإسلامية اتفقت فى ذلك الوقت فى مواجهة العدو المشترك..
ولم يدرك شباب الجماعات الإسلامية فى ذلك الوقت أنهم معول فى يد النظام لهدم تيار سياسى له وجود فى المجتمع وأفكار وجودها فى أى مجتمع ضرورى لترشيد سلوك حكامه وطبقاته صاحبة النفوذ الاقتصادى والاجتماعى.. لم يجد هؤلاء الشباب الغر شيوخاً يبصرونهم بعواقب ما يفعلون، بل كان هناك من يزين لهم ما يفعلون ويشجعهم، فى وقت اشتدت فيه الحرب الباردة وتحولت بنهاية عقد السبعينيات إلى حرب ساخنة بالوكالة فى أفغانستان..
وكانت النتيجة تجريفًا ثقافيًا هائلاً تعرضت له مصر بعد تدمير جيل حمل لواء الثقافة من شيوخ رحلوا ولم تتح له الفرصة لنقل اللواء لجيلٍ جديدٍ، ووضعت الجماعات الإسلامية نفسها أو وضعها آخرون فى موقع الشبهات فى هذه المعركة ولم تتغير هذه الصورة رغم القمع الذى تعرضت له هذه الجماعات ومن يقف وراءها من تيارات للقمع والتنكيل على يد النظام عندما انتقلا إلى مرحلة الصدام..
لم يتوقف الأمر عند حدود التجريف الثقافى وتدمير أسس بناء ثقافة وطنية تدفع المجتمع للتقدم والنهوض وتستكمل بناء مقومات الدولة الحديثة القائمة على المواطنة، وإنما طال أسس التعايش بين أبناء الوطن مع علو الرابطة الدينية والانتماء الدينى على الرابطة الوطنية، وبدأت الطائفية تزحف فى مجتمعاتنا لتصبح السمة الغالبة فى شتى جوانب حياتنا. كانت هذه نتيجة حتمية لما حدث وإن لم يسع إليها أحد..
فصعود الجماعات الإسلامية كان الوجه الآخر لهيمنة الاستبداد السياسى، وصعود الطائفية كان الوجه الآخر لصعود التيارات الإسلامية.. حدث هذا دون تخطيط مسبق، وإنما نتيجة لتوافق الظروف والإرادات والمصالح.
ولا نقصد من هذا العرض توجيه اللوم لتيار وتحميله مسئولية ما يحدث، ولا تصفية الحساب مع أحد، فهذه روح لا تساعد على التفكير فى مخرج من المأزق الذى أصبحنا فيه وأمسينا.. وإنما القصد هو الإشارة إلى الخطيئة الأصلية والعلة الأولى والمصدر الأصلى للشرور ونعنى به الاستبداد السياسى والقهر الاجتماعى، الذى تلاعب بكل غال ونفيس وبكل مقدس وسام من أجل الاستمرار..
هذا الاستبداد الذى يسلب من الإنسان حريته هو العدو المشترك الذى يجب أن تتوجه إليه أسلحة المتطلعين إلى حرية الإنسان ورقيه وسعادته. وبدون هذا لن تستقيم الأمور، وطالما ظل هناك من يعتقد أن فى مقدوره الاستفادة من هذا الاستبداد لن تفتح الأبواب كى يخرج أبناء الوطن أفضل ما فيهم.
هذا الأفضل موجود فينا وبيننا، ومن لا يصدق يعاود النظر إلى الأيام المجيدة التى سبقت الإطاحة بالرئيس حسنى مبارك.. أن ينظر إلى ميدان التحرير وميادين مصر وشوارعها وساحاتها خلال 18 يوماً بين 25 يناير و11 فبراير 2011. ومن لا يؤمن بأن الأفضل يمكن أن ينتصر على الأسوأ عليه أن ينظر إلى المعارك بين الجيل المتطلع للمستقبل وبين قوى الاستبداد وسدنته فيما عرف بمواقع الجمل، فى ميدان التحرير وفى غيره من ساحات الثورة فى ربوع مصر..
حدث هذا عندما هب المصريون لمواجهة العدو المشترك.. الاستبداد والقهر.. ونجحوا فى تدمير آلة الاستبداد والقهر الرئيسية فى جمعة الغضب الأولى (28 يناير 2012) وما تلاها من مظاهرات مليونية.. فأين ذهبت هذه الروح ولماذا أزاح الأسوأ الأفضل؟
حدث هذا، فى تقديرى، لأنه لا يزال هناك من يعتقد أن من الممكن مهادنة الاستبداد والاستفادة منه، وأن هناك من أغرته أضواء السلطة الباهرة فانجذب إليها فأحرقته كما تحرق النار الفراشات التى تقترب منها معتقدة أنها ضوء النهار.. حدث هذا لأن هناك مَن لم يتعلم دروس التاريخ القريب والبعيد، ولأن التجريف دمر مع ما تحقق لنا من تراكم معرفى يعيننا على الرؤية.
فى عالم السياسة، لا توجد مشكلة فى أن يخطئ هذا التيار أو ذاك الحسابات فالخطأ وارد، لكن الأهم هو الاستعداد للإقرار بالخطأ والسعى لإصلاحه وتصحيحه. ولكن يتعذر هذا الإصلاح وذلك التصحيح، إذا لم يكن هناك إدراك للخطأ، وإذا توافرت الإرادة لتصحيحه فإنها لا يمكن أن تتحقق بدون رؤية ونظرية للمعرفة، ورغبة صادقة بالعمل من أجل المستقبل وتفضيله على اللحظة الراهنة، بدلاً من التعامل معه ومع وكلائه من الأجيال الجديدة كأعداء نسعى لإحراقهم وقتلهم.. هذه الرؤية مستحيلة دون تقدير لقيمة الحرية واتساع الأفق..
فهل ضاعت الفرصة واستحكم الأسوأ إلى حد ضاع معه الأفضل وإلى الأبد؟ هل افتقد هذا المجتمع لكل القيم الداعمة للمستقبل والتقدم؟ هل استحكمت حلقات الأزمة وضاقت وغلب الظن بأنها لن تنفرج، ولم يعد للأمل والتفاؤل مكان بيننا؟ أم أن هناك بصيصًا من الأمل يعطى دفعة للمتطلعين إلى التغيير من أجل غد أفضل؟
أعتقد أن الأمل موجود وقائم ومن الممكن وضع أسس لنهضة حقيقية إذا ما كان لدينا معرفة بشروط تلك النهضة وأسسها معرفة مؤسسة على دراسة معمقة لتجارب المجتمعات المختلفة التى حققت نجاحًا فى مواجهة مثل هذه الأزمات، ومعرفة بالمقومات والعوامل الدافعة لها..
نحن بحاجة إلى نخبة تؤمن بهذه القيم وتشعل ثورة تفتح الباب لإصلاح جذرى للمجتمع والفكر وإعادة بناء الإنسان والعقل.
نحن بحاجة لأن تنفتح عيوننا على الحقيقة، لنكتشف أننا خدعنا بالشعارات الدينية والسياسية، لتصير بنا الأمور إلى ما نحن عليه الآن.
نحن بحاجة إلى استفاقة ذهنية نعيد بها كل حساباتنا لكى نختار رئيساً وبرلماناً ذوى عقول ورؤية ثاقبة يستطيعان قيادتنا إلى الحرية والتقدم والتحضر.
‎رئيس أساقفة المجمع المقدس لكنائس القديس أثناسيوس
للتواصل: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.